لا بديل عن قفاز التحدي.. بقلم:عبد المنعم علي عيسى

لا بديل عن قفاز التحدي.. بقلم:عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٤ مايو ٢٠١٧

قبيل أن يقرع جرس جنيف معلناً انطلاق الجولة السادسة من المفاوضات السورية السورية ما بين السادس عشر والعشرين من الشهر الجاري كان من الواضح أن وقائع التسوية السورية لا تزال في طور استكمال شروطها فعدم انخراط الأميركان المباشر في المفاوضات أسوة بما فعلوه في جنيف 2 وجنيف3 «على حين انكفؤا في الجولات الرابعة والخامسة والسادسة» لا يمكن تفسيره إلا انطلاقاً من أن عناصر الصفقة الأميركية الروسية التي تربط الأزمات الثلاث العالقة «سورية- أوكرانيا- الدرع الصاروخية» لم تبلغ بعد مرحلة اكتمال النضج ولذا فقد رأينا الأميركان يوكلون للروس الذين يلعبون اليوم دور رأس حربتهم في المنطقة أمر إدارة تلك المفاوضات وعليه فقد كان من الطبيعي وفق هذه السياقات أن تكون الآمال المعقودة على تلك الجولة ضعيفة أي أن هذه الأخيرة كانت اشبه بـ«أداء واجب» لكي لا يقال أن مسار جنيف متوقف أو أن عربته قد وصلت إلى «كحلون» التي تتعطل فيها العربات عادة.
لكن على الرغم من قصر هذه الجولة إلا أنه كان من الممكن لحظ أن ثمة تغيير حاصل في أداء المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي بدا وكأنه قد استطاع تحسين العديد من أدوات «الشغل» لديه أو أنه استطاع أن يوجد تراجم ناجحة للايماءات التي تأتيه مشفرة عبر القنوات الروسية أو الأميركية ولربما شكل تحسين الموقع بالنسبة إليه عاملاً حاسماً نحو حالة التغيير الحاصلة وبمعنى آخر فإن اندفاعة دي ميستورا الجديدة يمكن قراءتها على أنها مسعى يحاول من خلاله أن يكون مقبولاً من جميع الأطراف فالحيادية كان قد غادرها منذ زمن أو هي غادرته لأنه لا يريدها فعلاً وهناك الكثير من المواقف والتصريحات التي تؤكد ذلك وفي خلالها كانت تظهر أيضاً استعداد المبعوث الأممي لأن يكون حصان طروادة أميركي قادر على إحداث اختراق في الدفاعات السورية إذا ما توفر له الدعم والغطاء اللازمان لذلك.
خصصت أيام جنيف الأربعة في أغلبيتها كما هو معلن للبحث في موضوع الدستور الذي يمكن اعتماده للمرحلة المقبلة انطلاقاً من أنه يمثل نقطة تلاق لا نقطة افتراق وبمعنى آخر أن هذه السلة يمكن أن تكون أقل تفجيراً من باقي السلال الثلاثة وما يمكن استشرافه هنا من مجمل المعلومات الشحيحة المتوافرة هو أن ثمة إصراراً دولياً على فرض دستور خارجي على السوريين بعيداً عن ما تتطلبه الحالة السورية الراهنة أو تطلعات السوريين أنفسهم وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي أبداها كل من الوفدين الحكومي والمعارض إلا أن ذلك لم يؤد كما يبدو إلى كبح جماح ذلك الإصرار الخارجي بل ولربما كان ذلك يدفع نحو المزيد من تمسك هؤلاء به انطلاقاً من أن الفوارق في طروحات الطرفين تبدو هائلة أو من المستحيل مقاربتها عبر أسلوب التعديل أو الترميم والخطير في الموضوع أن ذلك الإصرار يترافق مع خطاب خارجي يروج لفكرة أن هذه الخطوة هي مؤقتة وبمعنى أن الدستور المفروض خارجياً هو مؤقت ريثما يستطيع السوريون إنتاج آخر بديل له وهو قول لا يبدو واقعياً بمعنى أنه يهدف إلى تمرير ما يراد تمريره لأن التوافق ما بعد فرض الدستور قد لا يكون بالضرورة متاحاً من جديد أو أقله في المراحل القريبة المقبلة فها هم اللبنانيون اللذين فرض عليهم اتفاق الطائف 1989 يبدون اليوم عاجزين عن التوافق على قانون انتخاب على الرغم من مرور 29 سنة على الطائف ناهيك عن وجود محاذير من الصعب التنبؤ بها أو بما يمكن أن تؤدي إليه فبنود الدستور سابق الذكر ستكون انعكاساً للمناهل التي خرجت منها وهي بالتأكيد لا تستطيع مقاربة الحيثيات السورية الدقيقة فأهل موسكو «مثلاً» ليسوا أدرى بشعاب دمشق.
تبقى هناك الخيارات المطروحة أمام السوريين للتصدي لهكذا مشروع وهي لا تبدو كثيرة بل ولربما يمكن القول إنها في أضيق حالاتها فالشروط الموضوعية اللازمة لنجاح مشروع التصدي لا تبدو متوافرة فهي في حدودها الدنيا تفترض وجود حد أدنى من التوافق بين السوريين على أمر بديل يمكن أن يوضع في مواجهة ما سيفرض عليه أو يكون بمثابة قفاز تحد يرمى بوجه خارج اختار أن يمارس دور المطرقة.