الخديعة الاستراتيجية الكبرى.. بقلم: وليد زيتوني

الخديعة الاستراتيجية الكبرى.. بقلم: وليد زيتوني

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٦ مايو ٢٠١٧

 انبرى عدد من المنظّرين العرب لحظة انهيار الاتحاد السوفياتي، للتأسف على الواقع العربي الذي لم يستطع التقاط اللحظة الحاسمة، بالوقوف الى جانب هذه القوة العظمى عبر دعم اقتصادها بعشرة مليارات دولار، كانت كافية آنذاك لاستمرار حالة التوازن في النظام العالمي. فهي من جهة لا تترك مجالاً للتفرّد الأميركي، ومن جهة ثانية تصبح هذه القوة العظمى مرهونة لصالح القضايا القومية والعربية، وفي مقدّمها المسألة الفلسطينية.

طبعاً لن نقول اليوم إنّ هذه النظرة ساذجة، بل كانت قاصرة عن فهم النيات المبيتة والدفينة، وخاصة نيات حكام الجزيرة العربية، رغم تاريخ العلاقات المستورة بين هؤلاء الحكام والعصابة الصهيونية الممسكة بالكيان المغتصب. فمنذ 1964 والتعاون العسكري قائم بين السعودية و«إسرائيل»، وتحديداً في اليمن على مستوى المستشارين الميدانيين او على مستوى سلاح الجو في مواجهة الجمهورية اليمنية آنذاك، بقيادة عبدالله السلال والمدعومة من مصر عبد الناصر.

وربما كشفت الوثائق القديمة الجديدة عن الوعود السعودية لبريطانيا، أو على الأقلّ الرضى السعودي عن إقامة «وطن قومي» لليهود على أرض فلسطين، وعن الخدمات أو بالأحرى التمنيات السعودية على «إسرائيل» لضرب مراكز الجذب القومي سواء في العراق أو سورية أو على الجانب المصري، وغيرها وغيرها من محطات التعاون والتنسيق المدفوع سلفاً، إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عبر الوسيط الأميركي، وما تكشّف أيضاً عن هذه العلاقة خلال حرب تموز 2006 خير دليل على ذلك.

وربما عتبنا يزداد حدّة على من يحاول اليوم أن يبرّر العلاقة بين هؤلاء العربان والولايات المتحدة بأنها علاقة ضرورة أو علاقة حاجة استراتيجية. وبالتالي تقع ضمن إطار التعاون الندّي بين دولتين لمحاربة «الغزو الفارسي» لبلاد العرب، أما من جهتنا فنراها استمراراً لمسار طويل يقع ضمن الثوابت التالية:

ـ لم تكن الولايات المتحدة، ومعها العصابات الصهيونية بالنسبة لهؤلاء العربان يوماً عدواً ولم تصنّف ولن تصنّف تحت هذه الخانة، بل كان هؤلاء يلعبون دور حصان طروادة في كلّ الحروب السابقة. وهو ما يفسّر الانتكاسات المتتالية رغم البروباغندا الإعلامية، إنْ لجهة الدعم المادي أو لجهة استخدام النفط كسلاح انترناسيوني.

ـ إنّ الصراع مع «الفرس»، لم يكن يوماً على طاولة البحث إلا حين تحوّلت إيران قوة مواجهة مع العدو الصهيوني وأميركا، وهو ما يثبت أنّ الصراع ليس مذهبياً، بل يقع في إطار المحافظة على الكيان الصهيوني.

ـ إنّ دلائل التعاون مع الكيان الصهيوني من السعودية وقطر وغيرها ثابتة وغير قابلة للشك في الحرب على سورية، من خلال غرف التنسيق في موك واربيل وهاتاي. وبالتالي المطلوب هو ضرب جيوش الدول الداعمة للحق الفلسطيني، وهو ما حصل في العراق سابقاً وما يحاولون الحصول عليه الآن في سورية.

ـ إنّ التعاون الواضح اليوم وكل يوم في اليمن من خلال الإعلان عن قيام طائرات صهيونية بشنّ ضربات جوية ضدّ أهداف يمنية صرفة، تقف في وجه الطموحات السعودية والخليجية شكلاً، والمشاريع الأميركية بالمضمون، لوضع اليد على أكبر احتياط نفطي بالعالم.

يستدلّ من النقاط السابقة أنّ السعودية وقطر وغيرهما لم تكن إلا اداة طيعة بيد الناهب الدولي، والتبريرات التي تساق في هذا المجال إنْ لجهة الصراع المذهبي، والهلال الشيعي والغزو الفارسي ليست إلا غطاء لعملية النهب المستمرة منذ خروج النفط من آباره المدفونة في الصحاري القاحلة.

لو كان هؤلاء العربان حقيقة ينوون مقاتلة الدولة الصهيونية في فلسطين لكان قليل من أموال الهدايا المقدمة لـ «ترامب» وغوانيه، كافياً لصمود أهلنا في وجه أكبر قوة عاتية في هذا القرن، غير أنّ الأمل يجب ألا يبقى معقوداً على هؤلاء، بل الاستمرار بحركة الصراع حتى نهاياتها المشرّفة، بإحقاق حقنا بوحدتنا وسيادتنا واستقلالنا.

البناء