معركة خط الإمداد الإستراتيجي من موسكو إلى بيروت..بقلم: عمر معربوني

معركة خط الإمداد الإستراتيجي من موسكو إلى بيروت..بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣٠ مايو ٢٠١٧

 وإن كنّا بصدد الحديث عن خط إمداد يرتبط بالصراع القائم في المنطقة وهو ما سنقاربه بشكل مفصّل، إلّا أنّ استعراض الأمر في ابعاده الشاملة سيكون ضروريًا لجهة التعريف بأحد تفاصيل مشروع "اوراسيا"، وهو خط النقل المتعدد الأوجه والذي يسمّى ممرّ "الشمال – الجنوب".

يعود هذا المشروع إلى خارطة قديمة وضعت في العام 2000 لإنجازه من قبل إيران والهند وروسيا، إلا أن العقوبات المفروضة على كل من طهران وموسكو حالت دون إتمام بناء الممر (الشمال – الجنوب) الذي يتكون من خطوط بحرية وبرية وسكك حديدية.

في الشهر الثامن من سنة 2016، التقى رؤساء روسيا وايران واذربيجان في العاصمة الاذربيجانية باكو خلال قمة طغى عليها البحث في القضايا ذات الطابع الإقتصادي، وخصوصًا البحث بشأن ممرّ مائي دولي يصل طوله إلى 7200 كيلومتر، ليربط شمال أوروبا بالهند، والخليج العربي عبر إيران، وروسيا وأذربيجان، ليصبح أحد أرخص الطرق من قارة آسيا إلى أوروبا، ما سيُمكن الدول الأوروبية وروسيا من الاتصال عبر الخليج العربي وخليج عمان بطريقة اقتصادية للغاية، علمًا أنّ جزءًا من هذا الممر سيمر على طول الساحل الغربي لبحر قزوين، من روسيا إلى إيران، عبر الأراضي الأذربيجانية.

وقد خضعت هذه الفكرة للاختبار الأولي عبر نقل بضائع من الهند إلى العاصمة الأذربيجانية باكو وأستاراخان عبر ميناء بندر عباس عام 2014، حيث أشارت نتائج هذه التجربة إلى أن تكاليف النقل تقلصت بمقدار 2500 دولار لكل 15 طنًا، إضافة إلى أنه استغرق 14 يومًا فقط، في مقابل 40 يومًا عبر طريق قناة السويس.

وعليه، فإنّ الدول الثلاث وفي مقدمتها ايران ترى ان المشروع يكتسب بعدًا استراتيجيًا لجهة التحكم في حلقات الربط بين شرق آسيا والمحيط الهندي والخليج من جهة والدول في شمال شرق ووسط أوروبا.
بالنسبة لروسيا، سيعزز المشروع نفوذها على دول الجوار القريب والبعيد كما انه سيتيح لها عبورًا آمنًا وسريعًا الى المحيطين الهادئ والأطلسي عبر المياه الدافئة (البحر الأبيض المتوسط)، وهو حلم روسي قديم يبدو انه في طريقه الى التحقق.

طبعًا هناك الكثيرمن التفاصيل المرتبطة بالمشروع والعديد من المسارات البرية (طرقات وسكك حديدية) والبحرية، ولكني سأكتفي بهذا الحد للإنتقال الى الجانب المرابط بالصراع في شقّه العسكري وما يمثله خط الإمداد العسكري والإقتصادي من مخاطر على الكيان الصهيوني وفوائد لمحور المقاومة.

بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران، بدأت الأخيرة بالإهتمام بالمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وقدّمت عبر سوريا التي رعت بشكل مباشر الحالة المقاومة الكثير من الدعم المختلف الأوجه اقتصاديًا وعسكريًا، وعلى مدى 37 عامًا حصلت الكثير من المتغيرات في حيثيات الصراع وتموضع قوى الصراع، فمقابل تحييد العراق عبر توريطه بحرب طويلة مع ايران وما سبقه من تحييد لمصر عبر اتفاقية كامب ديفيد وما تلاه من تحييد للأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، بدأت مفاعيل المقاومة بالتصاعد وصولًا الى إخراج الجيش الصهيوني من لبنان وفيما بعد من غزّة وهو ما كان يمكن ان يتم لولا الدعم اللامحدود من ايران وسوريا للمقاومتين اللبنانية والفلسيطينة.

الآن ورغم حدّة الصراع، هي نفسها ايران وكذلك سوريا مضافًا لهما العراق وروسيا التي يتعاظم دورها بشكل متسارع، على وشك احباط مشروع النهب الدولي الذي تتزعمه اميركا حيث نعيش هذه الأيام مقدمات المنازلة الكبرى التي ستحسم نتيجتها هوية المنطقة ومستقبلها. فبعد ان عجزت اميركا عن تحقيق مشروعها التفتيتي للمنطقة من خلال السيطرة على قلب سوريا وثقلها الإستراتيجي، وحيث تشهد الجماعات الإرهابية حالة عجز كبيرة، تتحرك اميركا بآليات جديدة عبر محاولتها السيطرة على خط الحدود السورية العراقية لأسباب ترتبط بالبعد الإستراتيجي للصراع ومحاولة حماية ربيبتها "اسرائيل" من مخاطر حدوث عملية الربط الإستراتيجية للطريق من موسكو الى بيروت.

المشروع الأميركي لم يتغير لجهة الأهداف، فهوما زال ثابتًا حيث تحاول اميركا تقديم نموذجي تقسيم أحدهما إثني – قومي عبر اقامة كانتون كردي انفصالي في الشمال الشرقي لسوريا ترغب اميركا ان يتوحد مع اقليم كردستان العراق لتشكيل ما يسمى بكردستان العظمى، بحيث يتم تشكيل عائق جغرافي متقدم يلاصق ايران ويعزلها عن سوريا، اضافة الى تشكيل كانتون مذهبي (سنّي بأقلية درزية) في الجنوب يشكّل فاصلًا بين سوريا وفلسطين المحتلة بالإضافة طبعا الى السيطرة على خط الحدود بين العراق وسوريا وسوريا والأردن، وهو ما تتمحور المعركة حوله الآن حيث شهدنا تحولات جذرية في عمليات الجيش السوري من خلال التقدم في خطوط وممرات البادية السورية، حيث سنكون قريبًا امام تشكل خط جبهة يمكن اعتباره قاعدة ارتكاز هامة بعمق كبير وواسع ونظيف للتقدم باتجاهات مختلفة، حيث بات الجيش السوري بعد انجازاته في ريف حلب الشرقي الجنوبي واغلاقه لجيب كبير بين جنوب تدمر والقلمون الشرقي اضافة الى عمليات ريف حماه الشرقي قادرًا على تنفيذ مناورات واسعة وكبيرة وتحقيق مفاجآت عملانية لم يعد بإمكان تنظيم "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى منعها.

في الجانب العراقي، وصلت وحدات الحشد الشعبي الى قرية ابو جريص عند خط الحدود الشمالي الشرقي مع سوريا، لكنها حتى اللحظة تعتبر سيطرة نقطية يجب تدعيمها وتحويلها الى قاعدة انطلاق للسير باتجاه الجنوب على خط الحدود ومعالجة جيوب داعش في البعاج ومحيطها قبل البدء بالإنطلاق، اضافة الى ضرورة إطلاق اتجاه هجوم على "داعش" في الأنبار يشتت جهده ويمنع اي عمليات التفاف او مشاغلة محتملة.

في المقابل، تسعى اميركا وستسعى الى عرقلة وصول الجيش السوري والحشد الشعبي للإلتقاء والسيطرة على الحدود المشتركة من خلال رسم خطوط حمراء سياسية وعبر تنفيذ عمليات استهداف محدودة، لا اعتقد ان اميركا يمكن ان تتمادى فيها اكثر لما يشكله الأمر من احتمالية الصدام مع روسيا التي حسمت امرها بما يتعلق بالمنازلة الكبرى وتعمل مع محور المقاومة على تجهيز لوازم المواجهة التي تمثل بالنسبة لروسيا مقدمة لإرساء نفوذها في مجال حيوي كبير، بحيث يكون محور المقاومة مستفيدًا اولًا من احداث خط الربط وفتحه امام الإمدادات الإستراتيحية المختلفة التي ستغير موازين القوى، حيث يمكن نقل عشرات آلاف الأطنان عبر طريق البر من طهران الى بيروت خلال 24 ساعة فقط في حين يستلزم الأمر الآن شهورًا عبر الطريق البحري والجوي، وهو ما لن يكون في مصلحة اميركا وربيبتها "اسرائيل".

بيروت برس