بين «الأحوال المدنية» و«بدل الداخلي».. رياح القوانين المثيرة للجدل بدأت تهب

بين «الأحوال المدنية» و«بدل الداخلي».. رياح القوانين المثيرة للجدل بدأت تهب

تحليل وآراء

السبت، ٣ يونيو ٢٠١٧

غالباً ما يدفعنا تتابع الأحداث وتشابكها في الحرب التي تُشن على سورية والمنطقة للابتعاد قليلاً عن الشأن الداخلي، هو ليس تقصير بمهمتنا، لكنه تسارع الأحداث الذي يفرض نفسه، لدرجة أننا نبحث بالسراج والفتيلة عن الوقت الذي تكون فيه الأحداث من حولنا بحالة كمون أو متتابعة لما سبق أن تحدثنا عنه لنعيرَ الشأن المحلي حيزاً من اهتمامنا.
مع مطلع عام 2013، وفي مقال بعنوان «ثورات تسرق الآثار وصراع لامتلاك التاريخ»، تحدثنا عن الحفاظ على سورية كـ«وطن» وأخذنا مثالاً على ذلك القانون 11 لعام 2008 وتعديلاته التي أتاحت لغير السوريين التملك في سورية ونقل الملكية إلى أبنائهم بعد وفاتهم، يومها لم نكتف بالحديث عن مساوئ هذا القانون في دولة كسورية هي دولة مواجهة مع أعداء يتربصون بها من كلّ حدب وصوب، لكننا طالبنا أيضاً بإلغائه تحديداً أن مسوغات إقرار قانون كهذا لم تكن مقنعة بما فيها ادعاء المدافعين عنه أنه يهدف إلى «إيجاد حلول للإخوة الخليجيين المتملكين في سورية».
كما كان متوقعاً، لم نجد عند المعنيين آذاناً مصغية، اليوم بدأ الحديث عن وجود منظمات أوروبية بمسميات شتى لشراء أراض في المناطق الحدودية تحديداً من الجهة التركية، هذا الأمر قد يبدو للبعض مجرد تحصيل حاصل في زمن الفوضى، لكن ماذا سيكون موقفكم عندما تضع الحرب أوزارها لنجد أنفسنا أمام قانون يشرعن ملكية هذه المنظمات المجهولة لهذه الأراضي، بل ربما إن هذا الأمر يجري أيضاً في المناطق الداخلية التي هي تحت سيطرة الجيش العربي السوري دون أن نتخذ إجراءات حازمة لردعها لأنها تتم بصورة قانونية.
من الواضح للجميع أن الحرب على سورية ليست كالحروب التقليدية التي تُخاض بالسلاح والعتاد، فهي حرب مركبة تتخذ من جميع الوسائل المتاحة لتحقيق المكاسب طويلة الأمد، وربطاً بآلية إقرار قانون «تملك الأجانب»، فقد طفا على السطح الحديث عن ضرورة إيجاد حل لمشكلتين، عبر استصدار القوانين اللازمة لهما، هما في الإطار العام قد لا يقلان خطورة عن سابقهما، لكن ما يجمعها نقطة وحيدة، أن حدوث الأضرار أمر طويل الأمد، فما هما؟
القضية الأولى هي: إقرار البدل الداخلي للمكلفين الخدمة الإلزامية، ومبدئياً نشكر الجهات الرسمية تحديداً العسكرية منها، التي نفت الحديث عن قانون كهذا، وبطبيعة الحال نعلم أن المؤسسة العسكرية تتعاطى بالكثير من الدقة في مواضيع كهذه، لكن المشكلة لا تكمن في هذه المؤسسة، وإنما المشكلة بمن يريد إقرار قوانين ظناً منه أن الحالة التشريعية تتحرك بين يديه بجهاز التحكم حسب ما يريد.
تعلمنا في هذا البلد أنه «لا إشاعات من دون نار»، وتعلمنا أيضاً أن الكثير من القوانين يتم إقرارها بمعزل عن المصلحة العامة التي يتم جنيها؛ لا نريد أن نُسهب في شرح مخاطر مجرد الحديث في «الغرف المُظلمة» عن إمكانية إقرار قانون كهذا، لأنه ببساطة سيحوّل الوطن لمجرد فندق ينزل به أبناء الأغنياء، ليحرسه ويقوم على خدمته أبناء الفقراء، بل سنكتفي بالقول إننا نثق بنفي المؤسسة العسكرية الذي يعني أنها ستقف حُكماً ضد من يعمل لإقراره، ومن أودعناه ثقتنا بصيانة الوطن وحمايته حكماً لن يخذلنا في قانون.
أما القضية الثانية، فهي السماح للسورية المتزوجة من أجنبي منح الجنسية السورية لأبنائها، ولا يمكن في أي حال من الأحوال الانطلاق بفكرة تشريع أي قانون من خلفيات عاطفية، فالتشريع ليس بالعاطفة لكن بالمصلحة العامة، وإن إعلان أي شخص تأييده لإقرار قانون كهذا لا يعني أنه شخص منفتح ينظر للمرأة بعين المساواة مع الرجل، كذلك الأمر فإن وقوف أشخاص ضد هذا القانون لا يعني أنهم متطرفون لجنسيتهم أو لا يعتبرون أن للمرأة حق المساواة.
من سخريات القدر أن من يدافع عن إقرار هذا القانون، ينطلق من أهمية تساوي المواطنين في الحقوق، ولا نعلم حقيقة هل «نجهش بالبكاء» من فيض المشاعر التي يطلقها هذا المسؤول أو ذاك النائب عندما يحدثنا عن المساواة في الحقوق بين المواطنين قانونياً أو دستورياً؟ لأننا عندها سنسأل: أين كنتم عندما تم إقرار المادة الثالثة من الدستور التي تحدد «دين رئيس الجمهورية»؟ لماذا لم تشعروا يومها أن الأمر لا يساوي بين المواطنين؟ واللافت أن بعض هؤلاء كانوا في لجنة صياغة الدستور، فأين كانت إنسانيتكم يومها؟ تُرى ماذا لو طرحنا عليهم فكرة «إلغاء جرائم الشرف» التي تذهب ضحيتها النساء أو على الأقل جعل النساء يستفدنَ منه انطلاقاً من مبدأ المساواة لا أكثر، أو تعديل قوانين الميراث بما يضمن حق المرأة «وضعياً» وليس «شرعياً»؟ ماذا عن قانون «تعدد الزوجات» ألا يسيء للمرأة ككيان يمثل البوابة الأولى لبناء المجتمعات المتحضرة؟ تُرى هل سيكون لديكم ذات «الإنسانية» لمناقشة أمور كهذه أم إنكم ستواجهوننا بـ«اتهامات» باتت معروفة تفاصيلها؟
في المقلب الآخر يبدو أن كارهي إقرار قانون كهذا يتعاطون بنوع من الأنانية، فمن حق المرأة المتزوجة من أجنبي أن تعطي لابنها الجنسية أسوة بالسوري المتزوج من أجنبية، وأنانيتهم تبدو من خلال عدم التمكن من شرح وجهة نظرهم بطريقة عقلانية، فالأجنبية التي تزوجها السوري جاءت من بلد يحمي حقوقها بالكامل إنطلاقاً من التثبيت المدني للزواج، وتبقى المراسم الدينية اختيارية، وصولاً لحقوقها المدنية بكل ما يتعلق بها ككيان مستقل، وفي سورية ليست المشكلة أبداً بالتشريعات، المشكلة ثنائية: هما التطبيق والاجتهاد، وكلاهما مكمّل للآخر.
إن استخدام تعابير مطاطة في اللغة القانونية يفتح باب الاجتهاد على مصراعيه، وهو ما يفرغ القانون من أهميته، علماً أن هذا الأمر لا يتعلق فقط بقانون الأحوال الشخصية، والنقطة الثانية أن ضعاف النفوس، وعند صدور أي قانون، فإن أول ما يبحثون عنه هي «الثغرات التي في القانون»، وفي موضوع زواج السورية من أجنبي فإننا ومنذ ما قبل الحرب، كنا نعاني مشكلات كبيرة تتعلق بزيجات كانت تتم بشكل صوري تحديداً بين قاصرات ومتمولين خليجيين وهذا الأمر معروف للجميع، تُرى ما الآليات التي سيتم فيها تثبت الزواج؟ وكيف سيتم منح المولود الجنسية السورية إذا كان والده أساساً لا يعترف به؟ هذا الأمر تصاعدَ وتفاعل خلال هذه الحرب تحديداً في المناطق الساخنة التي شهدت زيجات بالآلاف بين الإرهابيين والسوريات، وهؤلاء الإرهابيون منهم من قُتل ومنهم من هرب، فهل تبدو وظيفتنا كسوريين أن نمنح الجنسية السورية لكل ما نتج عن زيجات كهذه؟ هل سيتكرر السيناريو السابق عندما كان لدينا من هرب من بطش الأتراك جنوبي تركيا واستوطن في الشمال الشرقي، وكان جل ما يطلبه هي الجنسية السورية، ومن ثم بات يريد دولة مستقلة؟
ربما الأمر معقد وربما الأمر بسيط، وبكلا الحالتين هناك من سيدفع الثمن بالنهاية، لكن آخر من يجب أن يدفع الثمن هي «قيمة الجنسية السورية»، تحديداً أن لدينا عدداً كبيراً من حالات زواج لسوريات من أجانب، لا يمكننا إلا أن نقف لها احتراماً لنجاحها، فهل سيبقى الحال كذلك بأن يذهب المحترم بذنب السيىء خاصةً أن هذا الأمر بات مادة للتجارة؟ الحلول متاحة وإذا كان البعض ينظر لفكرة استثناء بعض الجنسيات كنوع من العنصرية فعليه أن ينطلق بطريقة معكوسة، أي؛ كيف تتعاطى قوانين تلك الدول مع زواج السوري من جنسياتهم؟ وعلى هذا الأساس يتم التحديد، أما إن انتظرنا عمليات تثبيت الزواج وما شابه فإننا سندخل في متاهة فساد لن تنتهي بعد انتهاء الحرب بعقود.
إن فكرة ضبط قضايا الزواج والجنسية شكل هاجساً حتى للدول الكبرى، ففي فرنسا مثلاً ومنذ عام 2006 لم يعد الزواج الصوري الذي كان عادةً يتم بهدف الحصول على الإقامة أو الجنسية متاحاً، فالمتزوج بحاجة ليعيش حياةً زوجية لمدة خمس سنوات، بل إن للقاضي حق منع إكمال إجراءات الزواج في حال الاشتباه في أنه لهدف خارج عن «تكوين أسرة»، وهناك الكثير من التجارب التي يمكن التعلم منها.
القوانين وجدت لكي تحصن المجتمع، هي ليست سلعة تتاجر بها فئة ما من الناس ساعة تشاء، ومن يحدثنا عن الإنسانية والمساواة كواجهة لما يريده من قوانين فلن نقول له فقط إن حماية المجتمع الذي هو أساساً منقسم أهم من الإنسانية الطارئة، لكننا سنقول له بكل بساطة:
لا تزاود علينا بالإنسانية، تفضل لنأخذ القوانين والتشريعات المدنية سلة كاملة، بصورتيها الشرعية والوضعية فهل أنتم جاهزون لثورة كهذه؟ هيهات.