سابقة المناخ!.. بقلم:  سامر ضاحي

سابقة المناخ!.. بقلم: سامر ضاحي

تحليل وآراء

الأحد، ٤ يونيو ٢٠١٧

يمكن اعتبار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن توجه بلاده للانسحاب من معاهدة باريس للمناخ التي وقعها سلفه باراك أوباما أواخر عام 2015، هو التطور الأهم على صعيد العلاقات الدولية وبنية النظام الدولي في السنوات الأخيرة، ولربما اعتقد ترامب في إعلانه أنه يكرس لتفوق أميركي في العالم وقدرة على فرض إرادة واشنطن في أي ملف دولي بعد التجاذبات التي تلت اجتماعه المشحون بقادة الدول السبع الكبرى قبل أيام وما تلاها من هجوم ألماني على حاكم البيت الأبيض وصل إلى دعوة أوروبا لمواجهته.
إن من شأن انسحاب واشنطن من معاهدة باريس للمناخ، أن يسفر عن نتائج بيئية كارثية، ولاسيما أن الولايات المتحدة تسهم منفردة بـ17 بالمئة من التلوث البيئي عالمياً، والذي يتسبب بارتفاع مطرد في درجة حرارة القشرة الأرضية وبمعدل درجتان سنوياً.
إن ما أقدم عليه ترامب سيفتح الباب أمام تحولات دراماتيكية في السياسة الدولية، فإقليمياً، هل يدرك السعوديون، ومن لف لفيفهم فيما سمي «القمة العربية الإسلامية الأميركية» خلال زيارة ترامب لآل سعود الشهر الماضي، أن ترامب قد ينسحب من الاتفاقات التي وقعوها معه حينما يرغب بذلك؟ رغم أنه تغنى بعد وصوله إلى بلاده بأنه جلب 400 مليار دولار منهم؟
تساؤل آخر يفرض نفسه، أليس بمقدور كل الدول التي تفاجأت بإصدار بيان سمي «بيان الرياض» عن القمة المذكورة وتعهد بتأمين 35 ألف مقاتل ضد الإرهاب، التصرف مثل ترامب؟ وحينها كيف سيكون الرد السعودي؟ هل سيكون بالنفط؟ أم عبر قنوات «العربية» وشقيقاتها كما حصل مع تقرب أمير قطر تميم بن حمد من طهران، وما تبعه من تجنيد الإعلام السعودي لسلخ حليف الأمس، ثم ألا يمكن اعتبار انسحاب دول مثل لبنان والعراق وقطر من بيان قمة الرياض على أنه مماثل لانسحاب ترامب من اتفاق المناخ؟
وبالنظر إلى إيران، التي يعتبرها ترامب عدوه الأول، فإن مصير الاتفاق النووي الذي أبرم مع طهران بناء على تعهدات متبادلة تكفل للبلد الشرق أوسطي حقه النووي السلمي وتكفل للقوى الكبرى (5+1) سلامتها من صعود قوة نووية منافسة، بات في محل تساؤل وخصوصاً إذا ما قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق تنفيذا لما ألمحت واشنطن إليه مراراً، أو إذا ما قررت واشنطن التضييق على طهران، ولكن الأخيرة لا تزال قادرة على التحول إلى برنامج نووي عسكري في أي لحظة.
وبالنسبة للصين التي لا تزال أكبر قوة تهدد العرش الأميركي العالمي، فلعلها بعد اليوم لن تثق بأي توقيع أميركي، ورغم مبادرتها العالمية «السلام والطريق» التي تهدف لمد اليد إلى البلدان الأخرى عبر برامج اقتصادية تنموية، قد ترغب في تحويل تلك المبادرة إلى سياسة احتواء للتطور الأميركي الجديد، ولاسيما أن المنظور الشمولي للسياسة الأميركية يظهر بوضوح توجهها لمحاصرة بكين عبر القوى المحيطة بالمارد الصيني، مثل اختلاق المشاكل مع روسيا وإيران ما يشكل قوساً يحد من التمدد الصيني غرباً.
إن الإعلان الأميركي المستجد يشكل سابقة خطرة في العلاقات الدولية، حتى وإن اعتبرها البعض إيفاء من ترامب لتعهداته خلال حملته الانتخابية، أو شأناً أميركياً محضاً، لكن ذلك من شأنه، أولاً، أن يفتح الباب الواسع أمام دول كثيرة ولاسيما الدول الكبرى، للانسحاب من تعهدات واتفاقيات كانت التزمت بها سابقاً، معظمها مع دول صغرى.
بالخلاصة، خطوة ترامب تزرع الشكوك بين الدول المقبلة على إبرام اتفاقيات جديدة، مخافة أن يقبل كل طرف على ما أقدم عليه الرئيس الأميركي.