حول القضية الأرمنية بقلم:الدكتور آرشاك بولاديان

حول القضية الأرمنية بقلم:الدكتور آرشاك بولاديان

تحليل وآراء

الخميس، ٨ يونيو ٢٠١٧

إن القضية الأرمنية منذ تدويلها بدءاً من أواسط القرن التاسع عشر وحتى اليوم، مازالت من القضايا العالقة في تاريخ الشرق الأوسط. في هذه المرحلة التاريخية العصيبة أصبح الشعب الأرمني أمة غير مرغوب فيها في الدولة العثمانية نتيجة مطالبها الإصلاحية وحقها في تقرير مصيرها على أراضي الأجداد.

        على الرغم من المؤامرة العثمانية – التركية العظمى لاقتلاع الجذور القضية الأرمنية ودفنها نهائياً بكل السبل المتاحة لكنها بقيت حية في ذاكرة الشعب الأرمني لأسبابها ودوافعها ومحركاتها المختلفة وعمقها التاريخي. إنها قضية شعب دافع عن أرضه وعرضه، ناضل من أجل الحرية ومن أجل العمل والإبداع والحياة الكريمة.

        إن الإبادة الأرمنية بكل مواصفاتها التاريخية والإنسانية والقانونية والأخلاقية جريمة نكراء ضد البشرية مارستها الحكومات التركية الرجعية الثلاث المتعاقبة: الملكية (السلطانية)، الديكتاتورية، والجمهورية، أي السلطان عبد الحميد، وتركيا الفتاة، وبعدهما كمال أتاتورك. وعلى الرغم من اختلاف المنظومة السياسية والإيديولوجية لهذه الحكومات، فجميعها انبثقت من مبنع واحد، ونظرت دائماً من دون استثناء إلى القضية الأرمنية كعائق أساسي في سياستها التوسعية والعنصرية والطورانية، واعتبرتها خطراً كبيراً لوحدة أراضي وسيادة الدولة التركية، خاصةً بعدما تقلصت مساحتها خلال الزمن، وأتاحت الفرصة لتدخل الدول الأوروبية في سياستها الداخلية والخارجية.

        إن طموحات ومطالب الأرمن، تطابقت إلى حد ما مع سياسات ومصالح الدول العظمى وأصبحت خلال فترة موضوع البحث ورقة قوية جداً للضغط على الأنظمة التركية انطلاقاً من مكاسب وأهداف سياسية واقتصادية واستخدامها من حين لآخر، كوسيلة في تنفيذ مشاريعها الاستعمارية.        كما في الوقت نفسه كان الموقع الإستراتيجي لأرمينيا كجزء من الدولة التركية، يتضارب مع مصالح بعض الدول الأوروبية، وكان يعرقل سيطرتها التامة على الإمبراطورية العثمانية التي أصبحت شبيهة بلعبة الشطرنج في أيدي الحلفاء، وهم يغيرون مواقع الأحجار فيه، حسب مصالحهم وخططهم العسكرية.

هكذا أصبحت أرمينيا ضحية لعبة الأمم ومهما طال التدخل في الشأن الأرمني بنية أو ذريعة الإصلاحات في الولايات الأرمنية، ازداد غضب الحكومات التركية تجاه الأرمن القاطنين في كنف الدولة العثمانية. كل ذلك في آخر المطاف أدى إلى تسريع تنفيذ مخطط الإبادة الأرمنية الرهيب وحل القضية الأرمنية حسب المبادئ العنصرية والطورانية التركية. وبالمحصلة أدى ذلك في مرحلة معينة إلى جريمة فظيعة غير مسبوقة في التاريخ من قتل جماعي وتهجير قسري وتدمير همجي كامل للمدن والقرى والحضارة والثقافة الأرمنية. هذه الجريمة والتي مازالت مستمرة في ظل ممارسة سياسة الرفض والإنكار القاطع بدءاً من مرتكبيها بالذات، ولاحقاً من  أسياد القرار في الجمهورية التركية.

كلما طُرح في العقود الماضية وحتى الآن موضوع الإبادة الأرمنية من  أي دولة، ثارت ثائرة الحكومة التركية، وردها أصبح واحداً وثابتاً، ألا وهو الإنكار التام لما حدث مع مصاحبة التهديد بقطع العلاقات مع الدولة التي تتجاسر على فتح ملف الإبادة الأرمنية، باعتباره موضوعاً ليس سياسياً، بل تاريخي مع محاولاتها على كل المستويات حجب وتشويه الحقائق التاريخية.

في مثل هذه الحالة السائدة في العلاقات الأرمنية – التركية وعدم استجابة الحكومات التركية لمطالب الأرمن وعرقلة مسيرة الاعترافات والإدانات الدولية مستحيل الانطلاق قدماً إلى الأمام واللجوء إلى لغة الحوار، لينبثق منه حل وسطي للقضية الأرمنية بشكل يتناغم مع طموحات الشعبين المجاورين.

هذا يعني إن الحدود الأرمنية – التركية ستبقى مغلقة إلى أمد بعيد. كلنا قناعة بأن هذه الحالة ستتغيير عاجلاً أم آجلاً وستنتصر العدالة، وسيتغلب الحق على الباطل، ويواجه الشعب التركي حقيقة تاريخه الممهور بالدم وسيمد يد المصالحة للشعب الأرمني، ويلثم جراح الماضي في سبيل التعايش السلمي ومتابعة مسيرة حسن الجوار والعيش معاً تحت هذه الشمس.