معركة المعابر بين «أستانا» و«جنيف» والميدان.. بقلم: سامر ضاحي

معركة المعابر بين «أستانا» و«جنيف» والميدان.. بقلم: سامر ضاحي

تحليل وآراء

الخميس، ٢٢ يونيو ٢٠١٧

يوماً بعد يوم بات السوريون يدركون أن مسار جنيف ما هو إلا وسيلة لإظهار المجتمع الدولي كحريص على استقرار بلدهم ومحاولة للبحث عن دور ما لمنظمة الأمم المتحدة العاجزة عن حل ليس أزمتهم فحسب، بل مختلف الأزمات في العالم بسبب تركيبتها البنيوية الخاضعة حتى يومنا هذا إلى القطبية الأميركية الأحادية في العالم، فيراقب السوريون بقليل من الاهتمام كل جولة من جولات جنيف دون أن يرفعوا سقف آمالهم بعكس الحالة التي يراقبون فيها مسار أستانا وهم الذين لمسوا فروقاً بين مخرجات المسارين.
فكم من مرة لم يقدر رعاة جنيف على تثبيت اتفاق هدنة هنا أو هناك، وقد جرى ذلك على الأقل مرتين خلال عيدين مباركين في سنوات سابقة، في حين أثبت مسار أستانا قدرته على اجتراع حلول ميدانية قابلة ليس للتطبيق فقط بل للاستمرار في هذه الحلول ولاحظنا أنه بموازاة انخراط روسي وتركي وإيراني في هذا المسار بدأت مكافحة الإرهاب تتجسد بطريقة أكثر فاعلية، وشتان بين محاربة الإرهاب عام 2013 حين كانت سورية بمعظم مناطقها تقبع تحت وطأته، وبين مكافحته اليوم وهو يندحر بعشرات الكيلومترات يومياً سواء بموافقة أميركية أو عرقلة شهدناها عدة مرات في بادية سورية الشرقية مؤخراً.
اليوم يوحي المشهد السوري بأنه مفتوح على ثلاث بؤر للتصعيد بعدما ثبت مسار «أستانا 4» مناطق لتخفيفه، ويبدو أن ثمة هدفاً سورياً غير معلن بات واضح المعالم وهو فتح الحدود مع دول الجوار، فمع سيطرة القوات العراقية على كامل حدودها مع سورية ونجاح الجيش السوري بالتقدم شمال منطقة التنف، بات بحكم المؤكد أن الجيش سيتوجه إلى مدينة البوكمال ليس فقط لطرد داعش منها وحسب، بل وإعلان فتح معبرها مع العراق في ظل التعقيد الذي يمكن أن يرافق أي تعويل على معبر التنف دون تفاهم مع واشنطن أولاً، لأن الواقع السياسي والميداني لا يتيح فتح مواجهة مباشرة مع قوات أميركية مدعومة من التحالف الدولي، حتى أن البيان الروسي حول استهداف أي جسم طائر غربي الفرات يشير بدرجة أو بأخرى إلى نوايا استعادة البوكمال، ومن ثم من الممكن أو المتوقع أن تدعم المقاتلات الروسية تقدماً متسارعاً نحو مدينة البوكمال لتحقيق إنجاز نوعي يمثل رداً على الدعم الذي قدمته واشنطن لداعش عبر إسقاطها المقاتلة السورية ومن بعدها الطائرة المسيرة، ومن المتوقع أن تتم استعادة البوكمال بعد الانتهاء من معركة مدينة خنيفيس آخر معقل للتنظيم بريف حمص الشرقي والمتوقع أن تبدأ خلال أيام، على أن يتوجه الجيش لاحقاً إلى المعبر الذي يبعد 4 كيلومترات فقط عن البوكمال نفسها، وبذلك يفتح الجيش اتصالاً برياً بين الحلفاء من طهران إلى دمشق مروراً ببغداد وإن كانت التوقعات تشير إلى إمكانية عرقلة كردية.
ثاني الأهداف السورية هو معبر نصيب الحدودي مع الأردن وقد رشحت أنباء مؤخراً في وسائل إعلام أردنية عن استعداد لفتح المعبر مع وصول الجيش العربي السوري إليه، فرغم الدعم الأردني الأميركي لميليشيات الجنوب لكن عمان لا تأمن جانب هذه الميليشيات لارتباطها بجبهة النصرة الإرهابية وحملها الفكر الإخواني المرتبط أصلاً بحركة الإخوان المسلمين الدولية والتي تعتبر قطر أبرز داعميها، واليوم الأردن حريص على تسجيل نقاط ضد قطر لزيادة أوراق اعتماده أمام السعودية ومن خلفها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحلف الحديث الإنشاء في المنطقة، وبعد إخفاق المصالحة في درعا وإيقاف تمديد الهدنة تقر الضربات الموجعة التي يوجهها الجيش على جبهات درعا بإصراره على استعادة المدينة.
يضاف إلى كل ما سبق الموقف الأميركي غير الرسمي الصادر عن سفيرهم السابق لدى دمشق روبرت فورد منذ أيام والذي أقر فيه بأن الرئيس بشار الأسد «ربح، وأنه منتصر»، ولعل أبرز جملة قالها فورد إن ترامب «لا يعرف أن اللعبة انتهت، تأخروا كثيراً»، مؤكداً أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم يترك لإدارة ترامب الكثير من الخيارات، في ظل واقع ميداني يوحي جدياً بأن واشنطن غير مستعدة للذهاب بعيداً في عدائها مع الروس في سورية ونلحظ بعد كل حادثة احتكاك تقدماً، لافتاً للجيش السوري، إذا لا تزال الخطوات الأميركية مترددة.
وقد يفتح معبر التنف بمقايضة بين موسكو وواشنطن خلال اجتماعات مستمرة تجري رحاها في الأردن، أو خلال إحدى جولات أستانا، فيما تخضع معابر الشمال لترتيب إقليمي مرتبط بمستقبل تركيا وعلاقاتها مع الأكراد والأميركيين، فالجيش يسيطر على معبر كسب المغلق من الجانب التركي لكن دعم أنقرة لجبهة النصرة وحلفائها في إدلب ووضع المحافظة المشمولة بمذكرة تخفيف التصعيد يؤجل جداً مسألة فتح معابر مع تركيا وخاصة معبر باب الهوى الأهم في الجيواستراتيجيا السورية الشمالية اليوم بالنسبة لأنقرة، أما معبرا باب السلامة وجرابلس في الشمال الحلبي فلا زالا خاضعين لسيطرة ميليشيات «درع الفرات» المنتهية ولايتها لكن أنقرة أيضاً تتحكم بهما.
تبقى المعابر التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال وهي عين العرب وتل أبيض شمال الرقة ورأس العين ونصيبين وعين ديوار في شمال الحسكة فهي التي ستكون بيضة القبان لفتح مثيلاتها في الشمال، وما دفع تركيا أمس بقوات إضافية إلى الحدود مع سورية إلا في إطار رؤية إقليمية بعدما باتت أنقرة تستشعر الخطر بأنها ستكون الهدف التالي للهجوم الذي تشنه السعودية وحلفاؤها اليوم على قطر ومن ثم قد نشهد محادثات ما في أستانا أو في إطارها، حول معابر الشمال والتي قد تكون محل مقايضة أخرى، وعلى الأقل فورد قال صراحة «الأكراد سيدفعون غالياً ثمن ثقتهم بالأميركيين»، إضافة إلى رشوح أنباء حول تزايد الشكوك السورية بأن أغلب القوات الكردية في الشمال، التي كانت تنسق مع دمشق إلى حد ما تنزاح أكثر باتجاه واشنطن بما يشير لمصالح تركية مع دمشق في هذا الملف بالذات.