هل قُتل الخليفة؟ دلالات ما بعد مصرع البغدادي.. بقلم: رفعت سيد أحمد

هل قُتل الخليفة؟ دلالات ما بعد مصرع البغدادي.. بقلم: رفعت سيد أحمد

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٣ يونيو ٢٠١٧

 في البداية تقول وقائع الخبر الذي طيّرته الوكالات الأسبوع الماضي إن وزارة الدفاع الروسية قالت إن هناك معلومات تدل على مقتل زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي أبو بكر البغدادي بإحدى غارات القوات الجوية الفضائية الروسية على الرقة السورية.

وأوضحت وزارة الدفاع في بيان أن الغارة تم توجيهها ليلة 28 أيار/ مايو الماضي من العام الجاري إلى مركز قيادة تابع للتنظيم، انعقد فيه آنذاك اجتماع لقياديين داعشيين لبحث مسارات خروج الإرهابيين من الرقة عبر ما يُعرف بـ"الممر الجنوبي".

وتابعت الوزارة: "حسب معلومات نتأكّد من صحتها عبر مختلف القنوات، كان زعيم "داعش" إبراهيم أبو بكر البغدادي أيضاً حاضراً في الاجتماع، وتم القضاء عليه جرّاء الغارة".

وجاء في البيان أيضاً أن الغارة نفّذتها طائرات من طرازي "سو-35" و"سو-34" في الضواحي الجنوبية للرقة. وتم إبلاغ الجانب الأميركي مُسبقاً بتوجيهها.

وأوضحت وزارة الدفاع أن قيادة مجموعة القوات الروسية في سوريا تلقّت في أواخر أيار/ مايو معلومات عن خطط "داعش" لعقد اجتماع للقادة على المشارف الجنوبية للرقة، وبعد التأكّد من صحة المعلومات حول مكان وزمان عقد الاجتماع تم بوساطة طائرات مسيّرة روسية، توجيه الضربة".

وحسب المعلومات المتوافرة، أسفرت الغارة عن تصفية قرابة 30 قيادياً ميدانياً في التنظيم الإرهابي، إضافة إلى قرابة 300 مسلّح من حرّاس هؤلاء القياديين.

ومن بين القتلى، حسب معلومات وزارة الدفاع، "أمير الرقة أبو الحاج المصري"، والأمير إبراهيم النايف الحاج، الذي كان يسيطر على المنطقة الممتدة بين الرقة ومدينة السخنة، ورئيس جهاز الأمن التابع لداعش سليمان الشواخ.

هذا هو الخبر، وتفاصيله كما نُشر.. وحوله دعونا نسجل ما يلي:

أولاً: إن مصرع أبوبكر البغدادي الذي أسمى نفسه بـ "خليفة المسلمين" إن تأكّد، فإنه سيمثّل نقلة مهمة في مسار الحرب على تنظيم داعش، وسيُعد ضربة معنوية كبرى ضد هذا التنظيم، وتضاف إلى الضربات المتلاحقة ضده في الموصل والرقة، وسيؤثر غياب البغدادي على آليات عمل التنظيم خاصة في العراق موطنه الأصلي، حيث التاريخ يُنبئنا أن إبن سامراء الذي فهم الجغرافيا العراقية جيّداً وأنشأ تنظيمه على بقايا الدولة البعثية، من ضباط بعثيين وعقائديين وجهاديين وخريجى سجن "بوكا"، بعد مصرع الزرقاوى؛ رحيل هذا السامرائي وبهذا الشكل الدرامي، وبعد رحلة طويلة من الدم والذبح باسم الإسلام والجهاد وإقامة دولة الخلافة، حتماً سيؤثّر سلباً على من بايعوه، وصدّقوه.

  ولكن .. هل هذه هي كل القصة أم لاتزال لها بقية ؟

ثانياً : إن الحقائق على أرض العراق وسوريا وتحديداً في الموصل والرقة، تؤكّد أنه حتى لو قتل كل قادة التنظيم (وهو تقريباً الذي جرى حين قتل خلال الخمس سنوات الماضية حوالى 85% على الأقل من القادة المؤسّسين وعددهم 40 قائداً منهم البغدادي الذي لم يتأكّد بشكل نهائي مسألة مصرعه)، فإن التنظيم سيبقى رغم ذلك، من خلال الأجيال الجديدة منه، والتي ستكون أشد شراسة وعنفاً من الأجيال التي سبقتها وستمثل خطراً كبيراً ليس على العراق وسوريا فقط بل على الدول المحيطة، وبعض الدول الغربية، أو سيصعب مواجهتهم واستئصالهم، لأنهم بالأساس من دون قاعدة بيانات حقيقية لدى أجهزة الأمن في البلاد العربية والأوربية، وأغلبهم يعرف بـ (الكنية) وليس بالإسم الحقيقى وهو ما سيمثل تحدياً وعبئاً كبيراً على أجهزة الأمن والاستخبارات.

 إن هذه النتيجة تذكّرنا بماضي أبوبكر البغدادي ذاته، فالرجل في زمن أبو مصعب الزرقاوي كان يمثل جيلاً جديداً مجهولاً ومختلفاً عن جيل أبو مصعب الذي بايع أسامة بن لادن وشاركه القتال في أفغانستان، البغدادي كان وقتها (عام 2004) عراقياً سلفياً وتكفيرياً متشدّداً، أراد أن يكون هو من في مثل سنه وتجربته؛ مختلفاً في مستوى العنف المسلح والتشدّد العقائدى، فطوّر تنظيمه والذي أضحى لاحقاً يسمّى بـ"الدولة الإسلامية في العراق" ثم في الشام، وارتكب أعمالاً عنيفة كانت أشد ضراوة مما ارتكبه أبو مصعب الزرقاوي ومنها على سبيل المثال لا الحصر، هجوم 28 أغسطس 2011 على جامع أم القرى الذي أدى لمقتل 6 أشخاص من بينهم خالد الفهداوي. وبعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في 2 أيار/ مايو عام 2011 هدّد أبو بكر بالانتقام العنيف بسبب وفاته. وأعلن في 5 أيار/ مايو من نفس العام عن مسؤولية تنظيمه في الهجوم الذي وقع في مدينة الحلة والذي نتج عنه مقتل 24 عسكرياً وإصابة 72 آخرين. في شهرين فقط بين آذار/ مارس ونيسان/ أبريل أعلن التنظيم عن مسؤوليته عن 23 عملية هجومية في جنوب بغداد بناءً على أوامر أبو بكر.

في 15 آب/ أغسطس عام 2011 تم تنفيذ مجموعة من العمليات الإنتحارية من التنظيم الذي يديره أبو بكر بدأت مجموعة العمليات في مدينة الموصل ونتج منها وفاة 70 شخصاً. وتعهّد التنظيم بتنفيذ 100 عملية إنتحارية انتقاماً لمقتل بن لادن.

في 22 كانون الأول/ ديسمبر عام 2011 وقعت سلسلة انفجارات بالعبوات الناسفة والسيارات الملغمة ضربت كثير من أحياء بغداد نتج منها مقتل 63 شخصاً وإصابة 180 آخرين. وجاء الهجوم بعد أيام قليلة من انسحاب القوات الأميركية من المنطقة، ومن أعماله الخطيرة أيضاً القتل ذبحاً بالسكين أو حرقاً للأسرى (الطيّار الأردنى الكساسبة نموذجاً) .

هذه الأحداث وغيرها تقول لنا وباختصار أن الجيل الذي سيلي أبوبكر البغدادي بعد رحيله في إدارة تنظيم الدولة "داعش" سواء بقى في العراق وسوريا أو غادرها إلى البلاد العربية والأجنبية، سيكون أشد ضراوة وسنعيش مجدّداً نماذج أكثر غلواً من أبو بكر البغدادي؛ وهو الأمر الذي يحتاج إلى استراتيجية جديدة لمواجهة داعش بعد رحيل البغدادي، وأحسب أن أغلب الأنظمة التي تقاتل التنظيم الآن لا تمتلكها للأسف الشديد!

  ثالثاً : إن غياب الاستراتيجية السياسية والعقائدية لمواجهة داعش بعد رحيل البغدادي هي امتداد لغياب لتلك الاستراتيجية قبل رحيله؛ كما بح صوتنا عشرات المرات من قبل، لا ينبغي أن تكون فحسب استراتيجية عسكرية، كما هو حاصل في غالب المواجهات الدائرة منذ خمس سنوات مع داعش والقاعدة وأخواتهما؛ إن الاستراتيجية ينبغي أن تكون فكرية وعقائدية بالأساس ويلحق بها أو يتكامل معها الفعل العسكري والأمني، ولعلنا نتذكر أن أبوبكر البغدادي في خطبه الأولى عندما تولّى إمارة الخلافة المزعومة وقوله نصاً "إنَ الدَولةَ الإسلامية في العِراق والشام باقية ما دامَ فينا عِرقٌ يَنبِض أو عَينٌ تَطرُف، باقية ولَن نُساوم عَليها أو نَتنازَل عَنها حَتى يُظهِرَها الله تَعالى أو نَهلِك دونها، دَولةٌ مَهّدَ لهَا الشَيخ أبومصعَبٍ الزَرقاوي وامتَزجَت بِدِماء مَشايخِنا أبي عُمَـرَ البَغدادي وأبي حَمزَة المُهاجِر لَن تَنحَسِر عَن بُقعَةٍ امتَدَّت إلَيها ولَن تَنكَمِشَ بَعدَ نُموّها بِإذن الله تَعالى وتَوفيقِه ومَنِّه، والحُدود التي رَسَمتها الأيادي الخَبيثة بَين بِلاد الإسلام لتُحَجِم حَركتَنا وتُقوقِعَنا في داخِلها قَد تَجاوَزناها، ونَحنُ عامِلون بِإذن الله تَعالى عَلى إزالتِها ولَن يَتوقَف هذا الزَحفُ المبارك".

 إن الرجل يعتبر نفسه مكلفاً من السماء بالجهاد والزحف المبارك، رجل هذه هي قناعاته، وبالتأكيد هي قناعات أتباعه في الموصل والرقة وباقي البلاد التي امتد "جهادهم" المزعوم لها؛ لا يصح أن يقاوم فحسب بالقوة العسكرية بل بالفكر والدعوة والدين المحمّدي الصحيح، الكاشف لمفاسد وخرافة دعوته ودولته، وهذا هو بيت القصيد، بعد أن بدأت دولة داعش تتقلّص، وبعد أن التقى الجيشان العراقي والسوري على الحدود لأول مرة منذ خمس سنوات فى تطوّر نوعي تاريخي سيقلب موازين القوى في المنطقة، طبعاً إذا أحسن استغلاله وتوظيفه!

 ختاماً.. إن المواجهة لمرحلة ما بعد البغدادي تحتاج بالفعل إلى استراتيجية شاملة، حتى لا نفاجأ بأن قتل "الخليفة" لم يقتل "الخلافة الدامية"، بل أنتج غيرها أشد شراسة وأكثر جاذبية لأجيال جديدة من الداعشيين العرب والأجانب، تحت وهم الجهاد العالمي، لإقامة "الخلافة" مجدّداً! وذلك هو التحدّي الكبير.. بعد "البغدادي" سواء كان قد قُتل أو في طريقه إلى القتل! والله أعلم.

المصدر: الميادين نت