الأزمة الخليجية: إلى ما بعد الأزمة السورية!

الأزمة الخليجية: إلى ما بعد الأزمة السورية!

تحليل وآراء

السبت، ٢٤ يونيو ٢٠١٧

تتعقّد الأزمة الخليجية أكثر فأكثر. فبعد البنود السابقة التي طُلبت من قطر ورفضتها الأخيرة كونها "تعجيزيّة"، سلمّت الكويت قطر قائمة بمطالب السعودية والإمارات والبحرين ومصر لإنهاء المقاطعة التي فرضتها هذه الدول على الدوحة تضم 13 بنداً، وأمهلت هذه الدول قطر عشرة أيام لتنفيذ مطالبها وإنهاء عزلتها الخليجية.

مطالب تعجيزية وسياديّة

ورغم ادعاء وزير الخارجيّة الأمريكي أن الدول المحاصرة ستقدّم طلبات معقولة وقابلة للتنفيذ من أجل دفع الأزمة، إلا أن البنود الجديدة بدت تعجيزيّة أكثر من السابق بمهلة 10 أيام وإلا اعتبرت لاغية، نذكر أهمها وباختصار:

أولاً: خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقياتوالاقتصار على التعاون التجاري مع إيران بما لا يخلّ بالعقوبات المفروضة دولياً وأميركياً

ثانياً: قيام قطر بالإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية الجاري إنشاؤها حالياً ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية.
ثالثاً: إعلان قطر عن قطع علاقاتها مع حماس وحركة الإخوان المسلمين وحزب الله وضمهم إلى قوائم الإرهاب المعلّن عنها من الدول الأربع
رابعاً: إغلاق قنوات الجزيرة والقنوات التابعة لها، مثل عربي21 ، مكملين، العربي الجديد وميدل إيست آي).

خامساً: قيام قطر بتسليم كافة العناصر الإرهابية المدرجة والعناصر المطلوبة لدى الدول الأربع وكذا العناصر الإرهابية المدرجة بالقوائم الأميركية والدولية المعلّن عنها

سادساً: التعويض عن الضحايا والخسائر كافة وما فات من كسب للدول الأربع بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة، وسوف تحدد الآلية في الاتفاق الذي سيوقع مع قطر.

كذلك تضمّنت القائمة بنوداً أخرى تتعلق بيانات المتهمين بالإرهاب، وعملية التجنيس للخليجيين في قطر والالتزام بالأمن القومي والخليجي.

طويلة الأمد

يبدو أن جملة من البنود تكراريّة لا أكثر، وقد وردت في المطالبات السابقة، إلا أن هناك بنود جديدة وذات أهميّة، سواءً البند المتعلّق بتركيا، أو الآخر المتعلّق بـ"التعويض عن الضحايا والخسائر كافة وما فات من كسب للدول الأربع بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة".

يبدو أن الأزمة تتّجه لتصبح طويلة الأمد في ظل المحاولات الخليجية لسلب الجزيرة القطرية سيادتها السياسيّة، ليس ذلك فحسب، بل تضمّنت القائمة الجديد  بند "الجزية"، أيّ أن هذه الدول تريد تحميل الدوحة أعباء اقتصاديّة كبيرة بغية إلهائها بالوضع الداخلي، نظراً لاعتقاد هذه الدول أن الفائض المالي للدوحة هو السبب الرئيسي في ذلك. بعبارة أخرى، يهدف القرار لإرهاق الدوحة اقتصادياً عبر استنفاذ صندوقها السيادي الضخم بأصول تقدر بنحو 355 مليار دولا، بعدما عمل الحصار على إرهاقها سياسياً ودبلوماسيّاً.

وربّما يكون هذا البند بطلب أمريكي، ومن ترامب نفسه، الذي لم يذهب تميم للقائه رغم ابداء الأول استعداده للوساطة. أي أن واشنطن حاولت رفع سقف المطالب الخليجية مع قطر، وتحديداً الاقتصاديّة، بغية لعب دور "السمسار"، أي أنّه تتكفّل بتخفيق حدّة المطالب وإنهاء الأزمة في حال عمدت قطر إلى دفع ثمن الجزية، أكثر أو أقل، لواشنطن.

وأما النقطة الثانية المهمة، تتعلّق بطرد الجانب التركي من قواعده العسكرية في قطر. أي أن السعودية حزمت أمرها في ظل ولي العهد الجديد على المضي بالمواجهة مع ايران وتركيا إلى جانب مصر والإمارات،  إلا أنّ رد أنقرة جاء سريعاً على لسان وزير الدفاع التركي فكري إيزيك الذي قال في  مؤتمر صحفي ، إنه لم يتسلم أي طلب بإغلاق القاعدة، وتابع أن "القاعدة في قطر هي قاعدة تركية من شأنها الحفاظ على أمن قطر والمنطقة"، كما أشار إلى أنّ بلاده لا تعتزم إعادة النظر في الاتفاق الخاص بقاعدتها العسكرية فى قطر وأن أي طلب لإغلاقها سيمثل تدخلا في علاقات أنقرة مع الدولة الخليجية.

ماذا يعني ذلك؟

إنّ هذه التطوّرات ستفضي إلى نتائج جديدة على الساحة السورية، ولعل تعقيدا الأزمة الخليجية اليوم شبيهة جدّاً بتعقيدات مفاوضات آستانا بين الأطراف السورية, وربّما أكثر تعقيداً، إلا أن  المواجهة السعودية مع تركيا عبر البوابة القطريّة ستستكمل من المحور السعودي-الإماراتي-المصري باستراتيجيات جديدة أبرزها اللعب على الوتر القومي والعروبي لمواجهة "الاطماع العثمانيّة الفارسيّة". هذه الكلمات سنسمعها بكثر خلال الفترة المقبلة،  لاسيّما مع وصول الأمير محمد بن سلمان الذي يعدّ "شغوف جدا" بالإطلاع على التراث الشخصي لجده الملك عبد العزيز وأمر بجمع وتصنيف واستنساخ صوره وحركاته وإجتماعاته وخطاباته ويقضي ساعات في المراقبة، وفق مصادر مقرّبة منه. ولكن هل لو وقفت هذه الدول إلى جانب الشعب السوري، كما فعلت إيران، لكنا أمام هذا المشهد؟ وهل لو وقفت هذه الدول جانب الشعب القطري بدلاً من محاصرته، كما فعلت تركيا وايران لوصلت الأمور إلى حالها؟

أمريكا ستسعى لإدارة هذا الملفّ بين المحور القطري-التركي والسعودي-الإماراتي، وربّما تتأزّم العلاقات بين هذه الدول بشكل كبير، ولكن بما يصب في صالح واشنطن والكيان الإسرائيلي، إلا أذا حاول أحد الأطراف قلب الطاولة على الجميع عبر أيّ خيار عسكري، إلا أنّه أمر مستبعد حتّى الساعة. وأمّا المستفيد الأكبر سيكون الشعب السوري الذي كفاه الله شرّ أعداءه، فهل تنتهي الأزمة السوريّة قبل الأزمة الخليجيّة حقّاً؟

الوقت