سماحة السيد.. أتبغضه «إسرائيل» حقًا؟!.. بقلم: إيهاب زكي

سماحة السيد.. أتبغضه «إسرائيل» حقًا؟!.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأحد، ٢٥ يونيو ٢٠١٧

 لعل فكرة "الحقائق البديلة" ليست بالأطروحة الجديدة، ولكن هناك سعي حاليًا لمأسسة ما يسمى بـ"سياسة ما بعد الحقيقة"، أي الادعاء أنّ كل رواية تقابلها رواية مضادة، حتى لو احتوت الرواية الأولى على أرقام ومعلومات واحصائيات لا تقبل الشك، فالمحافظون الجدد في الولايات المتحدة يعتقدون أنه ليس بمقدور غالبية الناس التعامل مع الحقائق بشكلٍ صحيح، وقد عبر أحد أهم منظري هذا التيار "إيرفنج كريستول" عن ذلك بالقول "هناك حقائق مختلفة وفق اختلاف الناس، والتصور بأن هناك حقيقة واحدة تناسب جميع الناس ليست إلّا وهم الديمقراطية الحديثة، وهو غير قابل للتطبيق". وهو ما يعني بشكلٍ آخر أن تختنق الحقيقة تحت ركامٍ هائل من الكذب، فيصبح التنقيب عليها بحاجة للجهد والوقت في عصرٍ لا وقت فيه للتوقف، فيلجأ الناس لأحد أمرين، إما لمن يدّعي امتلاكها بعد بذل الجهد والوقت بحثًا، ليسخرها ويسخرهم لصالحه عبر خطابٍ شعبوي، أو يتناولون أول كذبةٍ من ذلك الركام ويتخذونها حقيقة، لذلك فإنّ الحقائق التي ينطق بها السيد نصرالله، يحاول البعض ردمها تحت ركامٍ لا قاع له من الأكاذيب.

قابلت الكثير من المبغضين للسيد نصرالله، وكان القاسم المشترك بينهم جميعًا هو الحقيقة التي يحاولون إخفاءها تحت ركام الأكاذيب، وهي أكاذيبٌ مختلفة حسب ثقافة الشخص ومنطلقاته، فأصحاب شعارات الحرية من يمين ويسار تتراوح كذباتهم حول المرجعيات الدينية للسيد نصرالله، وأنّه يحمل مشروعًا ثيوقراطيًا، وأصحاب اللحى تتراوح كذباتهم بين مشروع التفريس ومشروع التشييع، وأصحاب شعارات الوطنية والقومية، تنصب كذباتهم على حرف البوصلة الحقيقية من "إسرائيل" إلى سوريا والعراق واليمن. إنّ كل هذه الأكاذيب تراكمت بفعل أموال النفط وإعلامه عن سبق إصرار، وهؤلاء جميعًا بكل مشاربهم يخفون حقيقة احترامهم للسيد نصرالله، وهذا يتبدى من خلال مواجهتهم بالحقيقة، لكنهم يرفضون الإقرار بها، لأنّ الإقرار له من التبعات ما سيؤثر حتمًا على مسيرة الشخص العملية أو الحياتية، وأدناهم سيتأثر عقليًا ودينيًا، حيث سيشعر بالخواء الديني والعقلي في اللحظة التالية للإقرار، فقد تهَدَم كل ما راكم من معرفة وتجربة كانت تشعره أنّه على الصراط المستقيم، فيفضل الاحتفاظ بتراكماته البائدة مقارنة بالشعور بالخواء، مترافقًا مع الشعور بالحاجة لمراكمة المعرفة من الصفر، فمن شبَّ وشاب على عبادة دجاجة مثلًا، ليس من السهل أن يُقر بأنّ ربه مجرد دجاجة قابلة للسلق والشَّي.

ولكن هذا لا يعني أنّه لا يوجد أطراف تحمل حقيقة بغض السيد نصرالله، لأنه بالفعل أهداهم مرآة أنفسهم، فرأوها على حقيقتها المقزمة، كشيوخ النفط وأتباعهم، فيسعون سعيهم ويكيدون كيدهم لكسر المرآة وتحطيم مُهديها، وهناك طرفٌ لا تفوته الحقيقة مهما تراكم فوقها من كذب، لأنّ اكتفاءه بالكذب يجعل من مصيره على المحك، وتصديق الكذب لمواساة النفس يجعل من زواله قاب قوسين أو أدنى، لذلك لا يكل ولا يمل بحثًا عن الحقيقة مهما أدمته قسوتها. فـ"إسرائيل" تبغض السيد نصرالله بغضًا لا يدانيه بغضها لكل أعدائها منذ نبوخذ نصر وحتى جمال عبدالناصر، فالسيد بالنسبة لها مجسمٌ مصغر لشكل النهاية قربًا وقسوة. في الخطاب السابق للسيد نصرالله وحين تناولته في مقالٍ هنا، وحاولت ترجمت كلمات السيد عن أقدام المجاهدين، وكتبت عن صدمة كيان العدو حين يتخيل سيطرة بعض المقاومين على شارعٍ في "تل أبيب" مثلًا في أي مواجهة محتملة، كان الأمر أشبه بالنيزك الذي يضرب عقول صُناع القرار والرأي في ذلك الكيان، فما حجم النيزك الذي سقط حين توعدهم السيد بمئات الآلاف من المجاهدين، الذين سيتدفقون عبر حدود فلسطين المحتلة، مدججين بالسلاح وبعقيدة الموت في ساح الأقصى، إنّ هذا وحده وبعيدًا عن كل توازن ردعٍ سابق، كفيلٌ بأن يجعل من الرعب الذي استشعرته "إسرائيل"، مانعًا أزليًا من مجرد تفكيرها بالضغط على الزناد، فهو مانع أصلب وأصلد من كل الحماقات والحمقى.

فقبل خطاب السيد كان مؤتمر "هرتسيليا" يوحي بالاطمئنان "الإسرائيلي"، وأنّ هذه "الدويلة" تسيّدت في محيطها وأصبحت تلامس حدود الكعبة لا النهرين فقط، وأنّ هذه المنطقة العربية أحنت ظهرها للأبد كـ"جوييم"، فخلاصة هذا المؤتمر أنّ على العرب أن يقدّموا الكثير ويتنازلوا أكثر حتى نقبل بمسالمتهم، وأنّ تعطفنا بالكف عن قتلهم يستحق منهم انبطاحًا كاملًا لا مشروطًا، ولكن بعد خطاب السيد نصرالله، أصبحت خلاصات "هرتسيليا" ونتائجه، لا تصلح إلّا للتأريخ المُدان لهذا الكيان، وأنّ كل يومٍ من الآن فصاعدًا في عمر هذا الكيان هو فرصة ذهبية قد لا تتكرر، كحال المسلمين في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، حين يدركون أن اليوم الذي يمضي لن يعود. وليس مبالغة حين نقول بأنّ خطاب السيد وضع "إسرائيل" أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الذهاب نحو الحرب واستعجال النهاية، وإما الكُمون في انتظارها، والاستفادة القصوى من كل يومٍ قبل الزوال في التمتع بإفساد ما يمكن إفساده، واستفزازٌ هنا وقصفٌ هناك بصوتٍ عالٍ أو منخفض، المهم أنّه دون القدرة على إيقاظ ماردٍ قطع السيد نصرالله بأنّه أرهف السمع مصغيه.