ندامة آل سعود.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

ندامة آل سعود.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٥ يوليو ٢٠١٧

قبيل أن تنتهي المهلة المعطاة لقطر لإعلان انصياعها لوثيقة الـ13 بنداً التي سربها الأميركيون بالتأكيد، في إشارة فهمتها الرياض في حينها إلا أنها لم تفهمها بعمق كما تبين فيما بعد، فالمعطيات وما ينضح عنها بتواتر الأحداث تتغير بالثواني لا بالدقائق، قبيل أن تنتهي تلك المهلة أعلن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني من روما أن مطالب دول الحصار وضعت لترفض، ما يعني أن الدوحة رافضة لها من بابها إلى محرابها أو هي ليست بوارد التفاوض مع خصومها إذا ما كانت تلك المطالب هي الأساس الذي ستقوم عليه المفاوضات.
أما الحصيلة من لعبة شد الأصابع ضيقة الوقت التي أرادتها وأدارتها الرياض، فهي بالتأكيد صفر مكاسب، واللافت أن هذي الأخيرة قد أدارت أزمتها مع الدوحة التي تعود في بعض جذورها إلى منابع عشائرية، بسذاجة منقطعة النظير، وعلى الرغم من علاقتها اللصيقة مع واشنطن، فقد قامت بالاتكاء على الموقف الأميركي التصعيدي ولم تكن تضع في اعتبارها كما يبدو، أن الأميركيين يمكن لهم أن يذهبوا سريعاً نحو إظهار الطرف اللين للدوحة، الأمر الذي سرعان ما تبين في أعقاب دفع رعبون سخي هو بالتأكيد مقدمة لدفعات أخرى لازمة لمصانع البنتاغون المتعثرة ولبنوك نيويورك التي تستشعر بوادر أزمة شهيرة آب 2008 ولم تتعاف منها تماما بعد.
الآن بعد أن تهادت الأزمة إثر انطفاء جذوتها، كما يفعل النهر تماما قبيل ملاقاته المحتومة للبحر فيقوم بتوسيع مجراه والتقليل من عمقه ويضعف من زئير اندفاعه تحضيرا لتصادم غير صاخب مع أمواج البحر العاتية، تبدو الخيارات المتاحة التي يمكن أن تذهب إليها دول الحصار هزيلة، والمشكلة أن هذي الأخيرة لابد لها من القيام بشيء ما حتى وإن لم يكن يتناسب مع الصراخ الذي كان قد وصل حدوداً ظن معها الكثيرون بأنهم ماضون نحو «فتح» جديد لقطر لا محال، فحظوظ التدخل العسكري باتت الآن ضعيفة أو هي غير موجودة فعلا ولا بد أن صانع القرار السياسي السعودي بات يلطم خديه ندامة حتى ليصح أن يصبح المثل العربي الشهير ندامة آل ـسعود بعد أن تجاوزت ندامتهم ندامة الكسعي لضياع فرصة كانت تبدو ذهبية في خلال الـ48 ساعة الأولى من تفجر الأزمة، وفيها كانت الفرصة سانحة للقيام بعمل عسكري سريع وحاسم وبغطاء أميركي مؤكد، أما الآن فالراجح أن دول الحصار ستلجأ نحو خيارات سياسية واقتصادية كأن يتم الذهاب نحو تعليق عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، الذي أضحى جثة لا حراك فيها، أو الذهاب نحو تطبيق المزيد من العقوبات التي يبدو وكأنها ستكون فاعلة بدرجة مذهلة في الحالة القطرية، فشهر واحد لم يكتمل بعد على فرض العقوبات كان كافيا لفضح الاقتصاد القطري، ومع اقتراب مهلة العشرة أيام من نهايتها كانت البورصة القطرية تسجل هبوطاً مخيفاً لم يسبق لها أن سجلته منذ قيامها منتصف السبعينيات في القرن الماضي.
إلا أن للأمر عواقبه أيضاً فقطر ستصمد بدعم تركي إيراني وصمت أميركي، والخشية أن تتحول إلى شوكة في الحلق السعودي بدرجة هي أكبر بكثير من الشوكة العمانية أو الكويتية في بعض الأحايين، والخشية الكبرى هي أن يصبح النهج القطري في تصديه لمخاطر الخارج، قابلا للتعميم باستقدام قوى أخرى بديلة للوجود الأميركي، تماما كما فعلت الدوحة، فتقوم باقي الدول باستقدام قوى أخرى كالبريطانيين أو الفرنسيين ليتحول الخليج إلى ساحة صراع تمتلك قرارها الشركات الكبرى العاملة فيها، بعد أن كان محصوراً بواشنطن على مدى نصف قرن من الزمن.