ضرب إيران مقامرة بمصير «إسرائيل».. ومصير المملكة قطعًا

ضرب إيران مقامرة بمصير «إسرائيل».. ومصير المملكة قطعًا

تحليل وآراء

الخميس، ٦ يوليو ٢٠١٧

ايهاب زكي

هناك غاية واحدة لكل هذه الحروب التي صنعتها أمريكا في المنطقة، كما أن هناك حدث مركزي واحد تُسَخر له كل الإمكانيات السياسية والمالية والإعلامية، وأحداثٌ أخرى على جوانبه تعمل على خدمته حسب الحاجة تغطيةً أو إبرازًا، والإجابة عن هذين السؤالين قد تكون المدخل الصحيح لإدراك ما يدور حولنا، كما أنّ الإجابة ستصبح لا شك جزء من أدوات التحليل الدقيقة، وبما أنّ الإجابات ميسرة ويسيرة، تنعدم الحاجة لاستخدام قاعدة التماس الأعذار للغاوين والمضلين، فالغاية الواحدة هي تفكيك المنطقة لضمان بقاء "إسرائيل" وأمنها وتفوقها، والعدوان على سوريا هو الحدث المركزي، لأنّ النتائج النهائية هناك هي من ستحدد مستقبل المنطقة، وهي من ستقرر إذا ما كانت الغاية الواحدة ستصبح حقيقة أم ستظل غاية لا ولن تُدرَك، ولأن "إسرائيل" تعرف هذه الإجابات جيدًا، يقول "وزيرها للدفاع" "أننا لن نسمح بتحول سوريا إلى قاعدة أخرى لمهاجمتنا"، لذلك فإنّ أسوأ كوابيس "إسرائيل" هو انتصار سوريا بمحورها وبقاء الأسد رئيسًا، وفي ذات الوقت فإنّ كل المؤشرات تؤدي حتمًا لهذه النتيجة.

وبما أنّ هذه النتيجة أصبحت حقيقة عينية وإن تأخرت لتصبح واقعًا معاشًا، سيتم العمل على إطالة هذا التأخير قدر المستطاع بكل الوسائل، وهنا يبرز السؤال المعقد بأهميته، هل يكون عدوان "إسرائيلي" مباشر على لبنان أو سوريا أحد تلك الوسائل، ورغم أنّ أفيغدور ليبرمان يقول "لا نيّة لدينا للذهاب إلى الحرب شمالًا أو جنوبًا"، يعلق الكاتب الصهيوني "أليكس فيشمان" على ذلك بالقول عن حزب الله "عندما يقول ليبرمان ذلك فإنهم لا يصدقونه، نصرالله الذي يعتبر نفسه خبيرًا بالمزاج الإسرائيلي، يفضل الإنصات إلى التيارات التحت أرضية في جهاز الأمن والحكومة، والتي تدفع نحو الحرب دون انتظار التسويات في سوريا". وفي الوقت الذي يقول فيه الكاتب أنهم لا يصدقونه، تقوم "كلية التحدث أمام الجمهور الأكاديمية" في "تل أبيب" بإدراج خطابات السيد نصرالله ضمن برامجها التعليمية، ويقول أحد المحاضرين، "أنّ نصرالله هو أول زعيم عربي يقوم بتوجيه ضربةٍ مؤلمة لمفاعل ديمونا"، ويقول د.بنيف ليفتيان باحث مختص بالحرب النفسية إنّ "نصرالله اعتمد استراتيجية الحقيقة (...)، نصرالله انتصر في الحرب الإعلامية (...) وتوصل الجمهور الإسرائيلي إلى أنّ العدو اللدود صادق مئة بالمئة"، وأضاف "ترسخت وتكرست قناعة أنّ نصرالله يقول الحقيقة في عقول وقلوب الإسرائيليين"، والعقول والقلوب هنا ليست مقتصرة على الجمهور بل على صُناع القرار أيضًا.

يقول أحد الكتاب "الإسرائيليين"، "أنّ من يتخذ قرار الحرب مع حزب الله، عليه وضع الوقوف أمام لجنة تحقيق في اعتباره"، كنايةً عن اليقين بعدم تحقيق الأهداف، ولكني أعتقد يقينًا أنّه لو كان أصحاب القرار في كيان العدو يعرفون أنّ النهاية فقط في أسوأ الأحوال ستكون بهذا الشكل النمطي لما تأخروا في شنّ العدوان، لكنهم يأخذون تهديدات السيد نصرالله على محمل الجدية القصوى، لذلك فهم يدركون أنّ الذهاب للحرب مقامرةٌ بمصير الكيان كله، وليس مغامرةً بمصيرهم السياسي. ولكن من جهةٍ أخرى، فإنّ الكف عن هذه المقامرة يصطدم بقناعة راسخة في عقل الكيان، أنّ حزب الله يراكم قوة وقدرة كل يوم بل كل ساعة، وأنّ الحرب اليوم أقل تكلفة منها في الغد، وغدًا أقل تكلفة من بعد غد، فأيّ ثغرة تلك القادرة على التعامل مع هذه المعادلة المصيرية، فهل يكون بن سلمان المتهور الأرعن والطامح إلى العرش بأي ثمن هو الثغرة "الإسرائيلية"، فهو كغيره من حكام المنطقة الذين يؤمنون بأنّ الرضا "الإسرائيلي" يجلب المكافآت الأمريكية، فيقوم بافتعال توتر عسكري مع إيران بإيعازٍ من "إسرائيل"، لتحقيق مصلحتها القصوى بجر الولايات المتحدة لحربٍ ضد إيران، وعن ذلك يقول الكاتب "الإسرائيلي" في جريدة "هآرتس" دانييل شبيرو، "أنّ جرّ الولايات المتحدة لحربٍ ضد إيران عبر السعودية، هو مصلحة إسرائيلية، ولكن "إسرائيل" تدرك أنّ قرار هذه الحرب يُتخذ في واشنطن لا في الرياض".

قد يكون الاعتقاد السائد في "إسرائيل" أنّ إنهاك إيران عبر ضربةٍ أمريكية مدمرة، خصوصًا مع الحديث عن إنشاء قاعدة عسكرية من دول الخلاف مع قطر في البحرين، وهي ستُنشأ حسب المعلن كردٍ على الرفض القطري لمطالب تلك الدول، ولا أراه سببًا وجيهًا أو مبررًا حقيقيًا، فتهديد قطر عسكريًا ليس بحاجةٍ لقواعد في البحرين، فهي محمية أمريكية كما كل دول الخليج، ومجرد رفع الغطاء الأمريكي عن قطر ستجتاحها السعودية بعد دقيقتين، وهذا بالمناسبة ما كان مخططًا له لولا تدخل المؤسسة الأمريكية لكبح جماح ترامب، لذلك فإنّ إنشاء هذه القاعدة موجه لإيران لا لقطر، وأعتقد أنّ التواجد المصري سيحدّ من فعاليتها العدائية تجاه إيران، فالبرلمان المصري قام بمحاسبة بعض أعضائه الذين كانوا يتنون حضور مؤتمر "المعارضة" الإيرانية في باريس، وقد تكون رسالة مصرية لإيران بأنّ القاعدة ليست استعداءً لها، فالاعتقاد في "إسرائيل" أنّ إنهاك إيران سيُفقد حزب الله دعمه وعمقه، وبالتالي يتكفل الوقت بالوصول لحالة تآكل قوة الحزب دون الحاجة لمقامراتٍ مصيرية، ولكن هذه الخطوة ستكون ليس مقامرة بمصير "إسرائيل" فقط، بل مقامرة بمصير المملكة السعودية والخليج مجتمعًا، والسعودية و"إسرائيل" أكثر جُبنًا من الإقدام على هذه الفاجعة، لكنهما ليستا أقل حمقًا، خصوصًا في ظل تضاؤل الخيارات.

بيروت برس