الغرب قلق على مكافحة الإرهاب… أي ارتدادات للأزمة الخليجيّة شرقاً؟

الغرب قلق على مكافحة الإرهاب… أي ارتدادات للأزمة الخليجيّة شرقاً؟

تحليل وآراء

السبت، ٨ يوليو ٢٠١٧

عندما اندلعت الأزمة الخليجيّة في الخامس من حزيران الماضي، بادر المراقبون إلى دراسة تداعياتها ومجالات تأثيرها إقليميّاً ودوليّاً. وركّز كثر على مناطق مختلفة يمكن أن تشكّل بؤر توتّر على الخريطة السياسيّة للدول المجاورة. وإذا كان الخليج العربي والشرق الأوسط هما الميدانان اللذان يمكن أن يشعرا مباشرة بتأثيرات الأزمة فإنّهما لن يكونا الوحيدين بالتأكيد.

تخوّف الأميركيّون والغربيّون من أن يؤثّر هذا الخلاف سلباً على مكافحة الإرهاب لذلك، شدّدوا على حلّ الأزمة عن طريق الحوار والديبلوماسيّة. لكن كما كانت للأزمة تداعياتها غرباً، كذلك، بدأت آثارها بالتجلّي شرقاً، بطريقة قد تعدّل من استراتيجيّات دولة كبيرة مثل الصين حفاظاً على خططها السياسيّة والاقتصاديّة ذات الأمد الطويل.

“حزام واحد – طريق واحد”
منذ حوالي أربع سنوات، أطلق الرئيس الصينيّ جينبيغ مبادرة تحديث لطريق الحرير القديم تحمل اسم “حزام واحد – طريق واحد”. هدف هذه المبادرة ربط الصين اقتصادياً بالقارّة الأوروبية عبر شبكة من المواصلات والطرق والسكك الحديديّة وإطلاق استثمارات كبيرة مرافقة على طول الطريق المؤدية إلى القارّة العجوز. وقد وافقت حوالي 65 دولة على الانخراط في المشروع الذي يكلّف الصين حوالي من 150 مليار دولار سنويّاً لإنجازه. وإلى جانب عدّة ممرّات برّيّة تعمل بيجينغ على تنفيذها ضمن مشروع “الطريق الواحد”، يبرز “الحزام الواحد” طريقاً مائيّاً يربط شواطئها بالبحر الأبيض المتوسّط.

للصين علاقات اقتصاديّة بارزة مع السعوديّة وقطر اللتين تثنيان كلتيهما على المبادرة الصينيّة. الإمارات العربية المتّحدة لا تملك نظرة أقلّ إيجابيّة للمشروع الصيني. الكاتبة جوليا هولينغسوورث تلفت النظر في صحيفة “ساوث شاينا مورنينغ بوست” إلى أنّ دول شبه الجزيرة العربيّة هي المصدر الأوّل للنفط بالنسبة للصين التي هي بدورها المستورد الأوّل له. وفي حديث أجرته مع الباحث في جامعة “أوشين يونيفورسيتي” الصينيّة، بانغ زونغيينغ، استنتجت أنّ بيجينغ ستجد إدارة العلاقات مع المنطقة قد باتت أكثر تعقيداً. ويقول الباحث: الصين يمكن أن تحتاج لتعديل شعارها الديبلوماسي (القاضي ب) عدم التدخّل”.

أوّل علامات القلق
في نيسان الماضي، أكّد نائب مدير عام إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا في وزارة الخارجيّة الصينيّة شياو جون تشانغ أنّ 30 شركة صينيّة تعمل في مجال البنية التحتيّة في قطر. كما بلغ حجم التبادلات التجاريّة حوالي 5.5 مليارات دولار السنة الماضية. وستساهم شركات صينيّة في بناء أحد ملاعب كرة القدم الذي سيستضيف المباراتين الافتتاحيّة والنهائيّة في بطولة كأس العالم 2022. ومع المخاطر التي تحيط باحتمال استضافة قطر لهذه المناسبة الكرويّة والاقتصاديّة الضخمة، ترتسم أول علامات القلق لدى المسؤولين الصينيّين.

منفَذ غالبيّة الصادرات الصينيّة
وبلغ حجم التبادلات التجاريّة بين الصين والسعوديّة حوالي 50 مليار دولار سنة 2015. وحتى تلك السنة عملت أكثر من 150 شركة صينيّة داخل المملكة في مختلف المشاريع. واتفقت الدولتان السنة الماضية على تأسيس نظام لأسعار الصرف المباشرة بين عملتيهما لتسهيل عمليّة التبادل التجاري الثنائيّ. وبلغ حجم التبادل التجاري بين الإمارات والصين (ثاني أكبر شريك لها) حوالي 70 مليار دولار سنة 2015. ومثّلت الإمارات أيضاً منفذاً لنحو 60% من الصادرات الصينيّة إلى المنطقة، كما قال وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان بن سعيد المنصوري في افتتاح أعمال قمّة “الحزام والطريق” في أيّار 2016.

حجم العلاقات الاقتصاديّة بين الخليج والصين (165 مليار دولار/2015) يضاعف من تأثير الأزمة على المشاريع الصينيّة. فالاستثمارات المتبادلة في مجال الطاقة والبتروكيميائيّات والبناء ازدادت في الأعوام الأخيرة. وهذا دفع المصارف الصينيّة إلى إنشاء فروع لها في دول الخليج. لكنّ التأثير الاقتصادي هو أحد جوانب الأزمة فقط. فموقع الدول الخليجيّة الواقعة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا يؤدّي دوراً في حلقات الوصل الاقتصاديّة كافّة بين مختلف الأقطار التي تشملها المبادرة الصينيّة.

استغلال المظلّة الأمنيّة
من هنا، قد تنال التداعيات الجيوسياسيّة حصّة الأسد في إعادة تقييم الصين لسياستها الخارجيّة. فيليب غايتر سميث، كتب في مؤسسة “غالف ستايت أناليتيكس” للاستشارات ومقرّها واشنطن، أنّه منذ نهاية العصر الماوي، أبعدت الصين نفسها عن الانخراط في الشؤون الداخليّة للدول بما فيها تلك الشرق أوسطيّة. ويضيف سميث وهو باحث في شؤون العلاقات الاقتصاديّة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، أنّ الصين استغلّت المظلّة الأمنيّة الأميركيّة الواسعة فوق الخليج لتوفّر أموالها من أجل إقامة أفضل العلاقات الديبلوماسيّة والاقتصاديّة مع جميع دوله. وهي إلى الآن، ما زالت تقاوم أيّ رغبة في تأدية دور بارز ضمن البيئة الأمنيّة الخليجيّة. ويستبعد الكاتب أن تغيّر بيجينغ رأيها في أيّ وقت قريب. لكنّ آخرين يلزمون الحذر في تأكيد هذا المنحى الصينيّ.

تبدّل؟
هولينغسوورث مثلاً كانت قد كتبت في مقالها أنّ سياسة الصين في عدم الانخراط قد تكون على طريق التبدّل، وبالذات بعد تعزيز علاقاتها مع المنطقة. فمنذ سنتين أرسلت الصين فرقاطة لإجلاء 225 مواطناً من اليمن. كما أرسلت موفداً خاصاً إلى سوريا العام الماضي لمناقشة الملفّ. يضاف إلى ما لفتت إليه الكاتبة، شروع الصين في شباط 2016 ببناء قاعدة عسكريّة لها في جيبوتي لمكافحة القرصنة وضمان أمن مضيق باب المندب. كما أنّ للصين بعثات سلام إلى أفريقيا، مع ما يعنيه ذلك من تحوّل القاعدة العسكريّة إلى بوّابة للصين تطلّ على دول الخليج وتضمن آفاق نفوذها في القارّة السمراء.

تصعيد الحرب الباردة
ويمكن لمخاوف أخرى أن تدفع بيجينغ إلى التخلّي تدريجيّاً عن سياستها الخارجيّة السابقة. فبحسب دراسة أعدّها الباحث جايمس دورسي ل “مدرسة راجارتنام للدراسات الدوليّة” ضمن جامعة “نانيانغ للتكنولوجيا” بسنغافورة، تتفوّق الانعكاسات السياسيّة للأزمة الخليجيّة على الدول الآسيويّة بما فيها الصين، على ما عداها من المجالات. فصحيح أنّ الخلاف الخليجي قد يصعّب تطبيق طريق الحرير الجديد بطبيعة الحال. لكن بحسب الباحث تخاف بيجينغ من أن تقدم السعوديّة أوّلاً على تنظيم حملة مقاطعة عالميّة ضدّ قطر. من جهة أخرى، تخاف الصين أيضاً من أن توصل الرياض حربها الباردة ضدّ إيران التي تحاول دعم قطر، إلى منطقة بلوشستان وهي صلة وصل أساسيّة في “مبادرة الحزام والطريق”. كما يمكن للأزمة أن تصعّب الخيارات الصينيّة عند صياغة سياسة خارجيّة جديدة محتملة لها في حال أرادت واشنطن الاصطفاف إلى جانب السعوديّة والإمارات.

لهذه الأسباب، يمكن أن تساهم نتائج الأزمة الخليجيّة في رسم الصين لخطط خارجيّة جديدة تدافع من خلالها عن مشروعها الذي يشكّل فيه الخليج العربي مدماكاً أساسيّاً من مداميكه الاستراتيجيّة. حتى ذلك الحين، ستظلّ بيجينغ تراقب تطوّرات الأزمة لحظة بلحظة، إلى أن ينجلي نهائيّاً “غبار المعركة الأخويّة”.