تيار أميركي يتنامى داخل أحرار الشام.. بقلم: عبد الله علي

تيار أميركي يتنامى داخل أحرار الشام.. بقلم: عبد الله علي

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٢ يوليو ٢٠١٧

التغييرات الجذرية التي شهدتها ميليشيا «حركة أحرار الشام الإسلامية» مؤخراً، لم تكن من قبيل استكمال المراجعات التي تجريها قيادة الحركة منذ سنوات، بقدر ما كانت استجابة لمتطلبات وإيحاءات خارجية لعبت كل من أنقرة وواشنطن على انفراد دوراً كبيراً في تسويقها داخل الحركة، وإقناع تيار قيادي فيها بتبنيها وتطبيقها، إنفاذاً على ما يبدو لمخطط يتم العمل على تهيئة الأجواء له من أجل تطبيقه في محافظة إدلب.
مرت العلاقة بين واشنطن و«أحرار الشام» بكثير من المنعطفات والمطبات بدءاً من تشكيك واشنطن بهوية الحركة والخشية من ملامح التطرف التي كانت بادية عليها، مروراً بمحاولات فتح حوار معها وإقناعها بتغيير سلوكها وتوجهاتها، وليس انتهاءً بتقديم الدعم لها من حين لآخر بحسب حاجة الميدان من منظور المصالح الأميركية.
لكن هذه العلاقة شهدت أبرز منعطف لها مع صدور بيان مبعوث الولايات المتحدة الخاص لسورية مايكل راتني في آذار الماضي حول تصنيف «هيئة تحرير الشام» كتنظيم إرهابي والذي تضمن إشادة واضحة ونادرة بـ«أحرار الشام» حيث اعتبرها البيان «من أشد المدافعين عن الثورة».
ويبدو أن هذا الغزل الأميركي لم يكن من طرف واحد، الأمر الذي أثبتته التطورات اللاحقة التي أكدت سعي الحركة لتحقيق ما يناسب الرغبة الأميركية وإجراء تغييرات في الحركة تجعلها أقرب إلى «الثورة» منها إلى الجماعة السلفية الجهادية.
وأبرز التغييرات التي أجرتها «أحرار الشام» مؤخراً هي إعادة التذكير بميثاق الشرف الثوري والمبادئ الخمسة التي أقرها «المجلس الإسلامي السوري»، وما أعقبها من تبني القانون العربي، ومن ثم رفع علم الانتداب الفرنسي فوق معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا وعزل منير السيال وتعيين أبو يحيى المصري بمنصب رئيس الجناح السياسي.
ورغم أن هذه التغييرات تبدو عادية ونتيجة طبيعية لبعض المراجعات التي كانت تقوم بها قيادة الحركة، غير أن مضمون بعض هذه التغييرات ولاسيما رفع علم الانتداب فوق معبر باب الهوى بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من قيام «أحرار الشام» وجبهة النصرة بطرد ميليشيا «الجيش الحر» وقيادته من المعبر والاستيلاء على مستودعات أسلحته ومكاتبه ومخازنه، يحمل دلالات كثيرة توحي أن عقارب الساعة بدأت تعود إلى الوراء، لكن الأهم أن هذه التغييرات تشير إلى أن «أحرار الشام» اختارت القطيعة النهائية مع جبهة النصرة، دافعة بالعلاقة معها إلى مستويات جديدة من التوتر والاحتقان وانعدام الثقة، وهو ما ظهرت ملامحه الأولى من خلال الحشود المتبادلة وتقاذف الاتهامات.
يذكر العديد من المصادر من داخل «أحرار الشام» أن التغييرات التي أجرتها الحركة جاءت بالتزامن مع تحسن ملحوظ في العلاقة بين عدد من قياداتها مع واشنطن، وتشير إلى اجتماعات بالجملة جرت في أنقرة وبعضها في واشنطن، بين هؤلاء القياديين ومبعوثين أميركيين، لدراسة سبل تحسين العلاقة ووضعها على مسار يمثل المصالح المشتركة للطرفين، وحسب المصادر نفسها فإن كلا من رئيس مكتب العلاقات الخارجية لبيب النحاس وقائد لواء جند السنة حسام سلامة، يعتبران من أبرز قيادات الحركة الراغبة في التنسيق مع واشنطن وتنفيذ شروطها لتحسين العلاقة معها.
وليس جديداً حصول هذا التلاقي بين مسؤولين أميركيين مع قياديين في «أحرار الشام» فقد حصل العديد من اللقاءات بين الطرفين في السابق كان أبرزها مرافقة قيادي في «أحرار الشام» للقائد السابق لميليشيا «لواء التوحيد» عبد القادر الصالح إلى واشنطن لحضور اجتماعات مع مسؤولين أميركيين بخصوص الدعم والتسليح وشروطهما، كذلك اجتمع السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد مع عدد من قيادات الحركة بين عامي 2013 و2014 جرى بعضها بحضور وزير خارجية قطر السابق.
والجديد كما يبدو هو أن الاجتماعات الأخيرة تتم وسط تكتم شديد وتسودها أجواء من الإيجابية خاصة أن «أحرار الشام» لم تعد تملك هامشاً واسعاً للمناورة في ظل تزايد التدخل الخارجي المباشر في الميدان السوري، وبالتالي تجد نفسها مضطرة لتقديم التنازلات أمام المسؤولين الأميركيين، لأن البديل الوحيد هو تقديمها أمام المسؤولين السوريين سواء في الميدان أم على طاولة المفاوضات، وهو ما يبدو أن الحركة لا ترغب فيه.
وبدأت بعض الاتهامات بالتخاذل مع واشنطن والانبطاح أمام شروطها ومتطلباتها، تطول القائد العام لـ«أحرار الشام» أبو عمار العمر، حيث يشير البعض إلى أن العمر معتقل سابق في سجن بوكا بالعراق الذي كان يديره الجيش الأميركي، وبالتالي من غير المستبعد أن يكون له وظيفة مزدوجة باعتباره عميلا للاستخبارات الأميركية، ورغم أن هذه الشكوك غير مثبتة حتى الآن لكنها تجد صدى في بعض أوساط الحركة.
وكان من اللافت عودة «أحرار الشام» إلى صدارة المشهد في إدلب منذ اندلاع الأزمة الخليجية بين السعودية والامارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة ثانية، وذلك بعد أشهر من احتكار «هيئة تحرير الشام» لهذه الصدارة حيث ساد اعتقاد أن الدوحة تحاول تسمين الهيئة وتضخيم دورها، من أجل الاستثمار فيها على طاولة المفاوضات، وهو ما وجد ترجمة جزئية له من خلال اتفاق الفوعة وكفريا والزبداني ومضايا الذي تم التوقيع عليه في الدوحة وأثار في حينه امتعاضا سعوديا تجلى من خلال الحملة الإعلامية المضادة للاتفاق التي أطلقها حلفاء الرياض في سورية.
يعكس هذا التبادل في ادوار «أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام»، مدى تأثرهما بالعوامل الخارجية ولاسيما طبيعة العلاقة بين الدول الداعمة وتحديدا الخليجية منها، حيث كان من الواضح أن تصدُّر «أحرار الشام» جاء بالتزامن مع اندلاع الأزمة بين السعودية وحلفائها من جهة وقطر من جهة ثانية، أما قبل هذه الأزمة فكانت «هيئة تحرير الشام»، أي جبهة النصرة سابقا، في طريقها لفرض مشروع امارتها الخاصة وفرض نفسها رقما صعبا في أي معادلة قائمة أو يمكن أن تقوم في الشمال السوري.
الوطن