أجواء استثنائية في واشنطن.. بقلم: د.منار الشوربجي

أجواء استثنائية في واشنطن.. بقلم: د.منار الشوربجي

تحليل وآراء

الاثنين، ١٧ يوليو ٢٠١٧

ما يجري فى الولايات المتحدة هذه الأيام ليس عاديا بكل المقاييس، فمن غير المعتاد أن تقدم صحيفة كبرى على إعطاء ابن الرئيس الذي فى السلطة مهلة بتوقيت محدد تقوم بعدها بنشر ما لديها، ولا هو معتاد أن يسعى الكونغرس لاستدعاء ذلك الابن للشهادة أمام لجانه، كما إنه ليس مألوفا على الإطلاق أن يسعى نائب الرئيس لأن ينأى بنفسه عن الرئيس وحملته الانتخابية التي حملتهما معا للبيت الأبيض.

الفصل الأخير من فصول التحقيقات الجارية في واشنطن الذي تم الكشف عنه الأسبوع الماضي اختلف عن الفصول السابقة والأهم هو أن ردود الأفعال في واشنطن تختلف هي الأخرى بدرجة كبيرة.

البداية كانت حين كشفت صحيفة النيويورك تايمز عن أن الابن الأكبر للرئيس الأميركي دونالد ترامب كان قد عقد اجتماعا العام الماضي، أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة، مع محامية روسية بناء على وساطة كاتب بريطاني عمل مع ترامب في مسابقة ملكات الجمال وله صلات باليمين الأميركي.

الوسيط، روب غولدستون، كان قد أرسل بريدا إلكترونيا لدونالد ترامب الابن يطلب تحديد موعد مع محامية روسية قال إنها تحمل معلومات تضر بمنافسة ترامب وقتها في الانتخابات، هيلاري كلينتون.

أضاف الرجل إن تلك المعلومات سيتم تقديمها لحملة ترامب فى إطار دعم الحكومة الروسية لترامب كمرشح للرئاسة، وقد ترتب على ذلك الاتصال أن اجتمع دونالد الابن فعلا مع المحامية في أحد أبراج ترامب وحضر الاجتماع زوج ابنة الرئيس، غاريد كوشنر، الذي يعمل اليوم مستشارا للرئيس، كما حضره أيضا رئيس حملة ترامب الانتخابية آنذاك، بول مانافورت.

لكن بعد أن نشرت النيويورك تايمز موضوعها قال دونالد ترامب الابن إن الاجتماع تم بالفعل ولكنه لم يكن للسبب الذي ذكرته النيويورك تايمز وإنما كان لمناقشة برنامج تبني الأميركيين للأطفال الروس الذي كانت روسيا قد قامت بوقفه بعد فرض العقوبات عليها.

غير أن رد فعل النيويورك تايمز غيّر من مجريات الأحداث، فقد أعلنت الصحيفة وقتا محددا قالت فيه إنها ستقوم بعده بنشر مقتطفات من رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة بين دونالد ترامب الابن وغولدستون التي تؤكد صحة ما نشرته، فما كان من دونالد الابن إلا أن قام قبل دقائق من انتهاء المهلة بنشر المراسلات الإلكترونية بنفسه.

أحدث نشر تلك المراسلات دويا هائلا في واشنطن. فلأنها تكشف بوضوح عن أن ترامب الابن كان على علم بأن المحامية ذات صلة بحكومة دولة أخرى وأن ما كان يفترض أن تقدمه يضر بالطرف المنافس.

لقد مثلت المعلومات صدمة للكثيرين ممن هم في حزب الرئيس ليس لأنها جديدة من نوعها في أميركا وإنما لأنها تضر بالحزب.

أغلب رموز الحزب الجمهوري بالكونغرس عبروا عن عجزهم على تسليط الضوء على أجندتهم التشريعية التي سرعان ما ينصرف الإعلام عنها إما بسبب تعليقات مثيرة للجدل للرئيس نفسه على تويتر أو حين يجد جديد بخصوص التحقيقات.

لكن عددا ليس قليلا من رموز الحزب أعربوا عن قلقهم من الكشف عن قبول أن ابن الرئيس وزوج ابنته عقدا مثل ذلك اللقاء، فيما دعا رئيس لجنة القضاء، وهو من حزب الرئيس، لاستدعاء ترامب الابن للشهادة في إطار تحقيقات الكونغرس بخصوص الدور الروسي في الانتخابات، وشهادة ابن الرئيس، لو حدثت، فإنها غير مسبوقة في تاريخ أميركا، في حدود علمي.

لا يقل خطورة عن ذلك موقف نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، الذي بدا وكأنه ينأى بنفسه عن ترامب وحملته وأسرته، فقد أصدر بيانا جاء فيه أن لقاء ترامب الابن وكوشنر مع المحامية الروسية حدث قبل انضمامه أصلا لحملة ترامب.

حتى قناة فوكس نيوز التي خصها ترامب الابن بحوار عن الموضوع لم تكن تعليقاتها في مجملها بالود نفسه الذي تتسم به عادة تجاه إدارة ترامب، بل شهدت القناة التلفزيونية في الأيام الأخيرة معارك على الهواء بين عدد من رموز اليمين الأميركي حول الدور الروسي والموقف منه.

الحقيقة أن لقاء ترامب الابن بالمحامية الروسية مثل بالفعل جديدا على صعيد التحقيقات التي يجريها حاليا المحقق المستقل، وتلك التي تجريها لجان الكونغرس.

التحقيقات تتناول ما إذا كانت روسيا قد تدخلت بهدف حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية وما إذا كان قد حدث تنسيق بين الروس وحملة ترامب الانتخابية، ورغم أن اللقاء في ذاته، حسب القانونيين، لا يمثل خرقا للقانون، أو دليلا على التنسيق بين حملة ترامب والروس، إلا أن عدم الإفصاح عن اللقاء في وثائق رسمية ثم الكشف عنه من جانب الصحافة هو والمراسلات، يفتح باب التحقيقات على مصراعيه، خصوصا بعدما تبين لاحقا أن آخرين حضروا اللقاء أيضا.

لكن الجانب القانوني وما إذا كان قد حدث انتهاك للقانون مسألة لن يحددها سوى المحقق الأميركي. أما من الناحية السياسية، فالمؤكد أن واشنطن تعيش اليوم أجواء استثنائية لها تداعياتها بالتأكيد على مجمل الأجندة السياسية الداخلية والخارجية الأميركية.