الربيع السوري بتوقيع إسرائيل.. بقلم: فيل باتلير

الربيع السوري بتوقيع إسرائيل.. بقلم: فيل باتلير

تحليل وآراء

السبت، ٢٢ يوليو ٢٠١٧

 الأوربيون قانعون بتحميل قادة مجرمين ،أمثال رئيس الاتحاد الأوربي جان كلاود يونكر أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل  أو الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند،مسؤولية الانحدار الاجتماعي و الاقتصادي الحالي.. و لكن لو أن الشعوب الأوربية تعلم الفاعلين الحقيقيين لما بقيت إسرائيل سالمة وسط تمثيلية الربيع العربي.الربيع السوري بتوقيع إسرائيل الجمل-

نعم يجب أن تشكر أوروبا إسرائيل على استنفاذ ما تبقى من قوتها ، و إليك القصة التي لن تقرأها في نيويورك تايمز، غير أن صحيفة وول ستريت ألمحت إليها.
ذهلت من قراءة مقال في صحيفة وول ستريت تتحدث عن الدعم الإسرائيلي للمتمردين السوريين ضد حكومة الرئيس بشار حافظ الأسد..ففي انعطاف  غريب، قررت الصحيفة المملوكة من قبل أحد مستثمري Genie Oil  (شركة طاقة أميركية مقرها نيوجيرسي)  الملياردير روبيرت مردوخ إلقاء بعض الضوء على الدور الإسرائيلي في سورية، فمقال صحيفة وول ستريت تلميح إلى كيفية لعب إسرائيل لدور أساسي في الصراع الذي يدمر سوريه، و الذي غمر أوروبا بفيضان من اللاجئين و الإرهابيين المحتملين..إذ  ورد في مطلع المقال:
"إسرائيل تقوم منذ سنوات و بشكل منظم على تزويد المتمردين السوريين قرب حدودها بالنقود و كذلك الطعام و الوقود و المساعدات الطبية، انه تورط سري في الحرب الأهلية في بلد العدو بهدف خلق منطقة آمنة تشغلها قوات صديقة".
غير أن صحيفة مردوخ و مباشرة ربطت العمليات الإسرائيلية بالحرب من أجل أبعاد الأسد بأي طريقة كانت،  و منذ أشهر و أنا أسأل : "كيف أمكن لعدو الدول العربية الأول أن يبقى بعيدا عن وحشية داعش؟" و الآن تكشفت بعض الأجوبة، و المقال التالي من موقع Syria Deeply الالكتروني حصل على المعلومات من نفس مصدر صحيفة وول ستريت، و تشير  إحدى الفقرات  إلى قصة أكبر:
"خلال السنوات الخمس الماضية، كانت إسرائيل تعمل بهدوء من أجل إنشاء موطئ قدم في جنوب سوريه لمنع القوات المدعومة من الحكومة السورية من السيطرة على المنطقة و دعم مطالبتها بمرتفعات الجولان".
و لكن هناك سبب واضح للاختلاف بين مقال Syria Deeply و المقال الذي نشرته صحيفة وول ستريت بعد يومين ، فأولا و أخيرا، ادعاء إسرائيل حول مرتفعات الجولان يؤدي إلى ربط روبرت مردوخ و العديد من الشخصيات الغربية البارزة مع الصراع في سوريه عبر  شركة Genie، إذ  ليس سرا أن كل الربيع العربي كان جزءا من حرب خطوط الأنابيب و الطاقة، و قلة  من يعرفون حقيقة أن العمل من أجل تقسيم سورية هدفه مصالح محددة.
فمن يقرأ حول Genie Energy  سيذهل من معرفة أن شركة Genie للنفط و الغاز عثرت على احتياطي نفط  في مرتفعات الجولان ..ويبدو الآن أن المنطقة المتاخمة أضحت أكثر ارتباطا بالميليارديرية البريطانيين و الأميركيين و سماسرة النفوذ من أي منطقة في مانهاتن.
و بدءا من المستشار الأمني لدونالد ترامب "جيمس وولسي" انتهاءا بالمهووس بالقتل نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، فان مكائد Genie تحاول الاستفادة من تدمير سوريه.
في تشرين الأول من عام 2015 أكد مسؤول البحث الجيولوجي في مؤسسة Genie على وجود احتياطي نفط في الجولان، و مع بداية 2016 بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتينياهو يفقد صوابه حيال المباحثات بين الولايات المتحدة و بين روسيا و بقية العالم من أجل الاتفاق على أن الجولان أرض سورية.. و إذا كنت تتساءل إن  كان نيتينياهو يملك دورا في المناورة الغربية من أجل الطاقة في الأرض السورية، فان تصريحاته الأخيرة تخبرك بذلك:
"الجولان ستبقى دائما في الأيدي الإسرائيلية.. إسرائيل لن تنسحب أبدا من مرتفعات الجولان"و في سياق الحديث عن الفترة الرئاسية الجديدة و العلاقة بين ترامب و نيتينياهو و إسرائيل، تحدث المحلل السياسي أنطوني بيلتشامبيرز عن  ما تعني رئاسة ترامب لمرتفعات الجولان و سوريه ككل، إذ كتب في موقع Global research حول  بيت ترامب الأبيض:
"من المؤكد تقريبا أنه سوف يشجع إسرائيل على ضم الضفة الغربية في فلسطين المحتلة و القدس الشرقية و مرتفعات الجولان في انتهاك فاضح للقانون الدولي و ازدراء للأمم المتحدة.. سوف يزيد احتمال وقوع حرب عالمية بين  الولايات المتحدة و روسيا و حلفائها الشخصيين."
وبالعودة إلى إسرائيل و الدعم الوجستي للمتمردين داخل سوريه، تحدث تقرير صدر مؤخرا  عن قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك عن ازدياد واضح في التعامل بين الجيش الإسرائيلي و المعارضين للأسد عبر سياج ألفا بيتا بين الجولان و سورية، و يتحدث هذا التقرير عن مشاهدة انتقال لأشخاص و مؤن بالاتجاهين
وتم توثيق شواهد على معالجة الإسرائيليين لجروح "الجهاديين المعتدلين"، و كذلك تنظيم الحكومة لوحدات متنقلة من أجل المساعدات الطبية و الغذاء و الثياب، و لكن الأمر الذي لم يعلن عنه هو الدعم و التمويل المقدم لما يعرف بلواء فرسان الجولان التابع لإسرائيل و  المنشق عن  الجيش السوري الحر و الذي يضم ما بين  300 إلى  1000 مقاتل. و على مجال أوسع، قام الإسرائيليون بدعم قائد جبهة الإنقاذ الوطني ، فهد المصري، الذي نادى علنا بالتدخل الإسرائيلي في سوريه، و كل هذه النشاطات تعكس تماما ما فعله الإسرائيليون في لبنان بداية السبعينات و حتى ال 2000.
و عندما أطلت  داعش برأسها القبيح من أجل تعزيز الجهود لإبعاد الأسد، بدأ المسؤولون الإسرائيليون توسيع المستوطنات في الجولان، و كذلك مشاريع البنى التحتية هناك. و مع الأخذ بعين الاعتبار لأهمية  تمويل داعش، قمت أنا و آخرون كثر بتوثيق قيام القوات الجوية الروسية بقصف السوق السوداء للنفط من المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش إلى المرافئ الإسرائيلية. كما قام مؤسس موقع Global Research  البروفيسور مايكل تشوسودوفسكي  و آخرون بتوثيق العلاقة المباشرة  بين المتمردين ضد الأسد  و القيادة و الجيش الإسرائيلي  و السيناتور الأميركي جون ماكين . و هناك صورة تظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتينياهو و وزير الدفاع موشيه يعلون و هما يزوران جنديا مرتزقا جريحا في مشفى ميداني تابع للجيش الإسرائيلي على الحدود بين مرتفعات الجولان و سوريه و ذلك في الثامن عشر من شباط 2014.
و أخيرا فإن الدعم التحتي من قبل إسرائيل تجاه كل من يعارض حكومة الأسد أمر قمت بتوضيحه على مدونتي الشخصية قبل أشهر بدعم من تقارير من مصادر أخرى، و ذكرت  النتيجة التي خلصت إليها حول الدور الإسرائيلي في كل هذا  في أيلول 2015 عندما بدأت الحملة العسكرية الروسية ، و قلت بأن إسرائيل المستفيدة من رحيل الأسد:
"إذا رحل الأسد، و نظرا لازدواجية الولايات المتحدة في هذا الشأن، فإن إسرائيل ستغدو المثال الأساسي للاستقرار في المنطقة. فقد تبدد أعداؤها كما البدو الهائمين، و أصبح بإمكان الدولة اليهودية المضي  قدما و تبيد الفلسطينيين و  توسيع أراضيها بشكل فاجر  و توجيه سياسة المنطقة كلها.. و هذا كله  بأوامر من  واشنطن"
و قد كشفت صحيفة Jerusalem Post بأن معظم النفط الإسرائيلي قادم من كردستان، ما زاد من تعزيز نظرياتي. و بالنظر إلى الوضع اليوم، هناك دولة مستفيدة أكثر من الآخرين منذ اندلاع ما يسمى الربيع العربي ..و حول هذا الأمر كتب غابرييل شينمان المرشح لنيل درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة جورج تاون مقالا عنوانه "الرابح الأكبر من الربيع العربي" بشكل يعكس ما اسميه "الذريعة التي أقحمها اللوبي الإسرائيلي في عقليات مراكز البحوث" منذ البداية و مفادها أن إسرائيل الخاسرة من هذا الثوران في العالم العربي، غير أن المقال يظهر حقيقة أكثر منطقية ، إذ يقول شينمان:
"هناك سبب وجيه للتفكير، و لكن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، ففي الحقيقة التغييرات الواقعة في العالم العربي ستكون على المدى البعيد لصالح اسرائيل، فألد أعدائها، لا سيما محور المقاومة بقيادة إيران، يتم إضعافه  اقتصاديا و عسكريا، و الدول العربية ، المعادية و غيرها، لن تكون قادرة لزمن طويل على تحدي إسرائيل"   إسرائيل ،المحاطة بالأعداء، هي واحدة من حفنة دول مجاورة لم تصب بأي أذى من جراء هذه الحروب و الثورات. و بنفس الوقت ، ملايين اللاجئين غمروا أوروبا،و انتشر الإرهاب إلى بقية العالم، و اصطف أصحاب البنوك من أجل التوقيع على المزيد من المصاريف العسكرية، و التريليونات من أجل أعادة البناء في سوريه و أماكن أخرى، و قريبا ستحتاج دول كثيرة للقروض الاقتصادية. و الاتحاد الأوربي يترنح تحت وطأة الضغوط التي أضافتها هذه الأزمة، و هل من مستفيد؟ إن كانت هناك عدالة حقيقية في هذا العالم، عندها يجب الكشف عن الدور الاسرائيلي في هذه الصراعات.

*محلل و باحث سياسي و مختص في العلوم السياسية

عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية