معركة عرسال وأعداء حزب الله

معركة عرسال وأعداء حزب الله

تحليل وآراء

الأحد، ٢٣ يوليو ٢٠١٧

إيهاب زكي - بيروت برس -
استئناس تاريخي
يتساءل الروائي المصري علاء الأسواني في إحدى مقالاته عن مشاعر مصطفى البشتيلي وهو "يُجَرَّس"، وهل كان نادمًا أم مشفقًا، فقد كان مصطفى البشتيلي مساهمًا في أول ثورة مصرية ضد الاحتلال الفرنسي عام 1798مـ، وقبل الاحتلال كان تاجرًا مرهفًا منعمًا، لكنه آثر المقاومة على الركون للراحة والدعة، فوشى به بعض جيرانه فتم اعتقاله ليُطلق سراحه بعد عدة أشهر، لكن هذا لم يشكل رادعًا بل حافزًا على الاستمرار بمقاومة الاحتلال، وتَزعَّم ثورة القاهرة الثانية عام 1800مـ، وحين فوجئ الاحتلال بضراوة الثورة عرض الصلح على الثائرين فجوبه بالرفض، فعمد الجنرال كليبر إلى تدمير الأحياء التي يطلق منها الثوار تدميرًا كاملًا، مع نهب الأموال والمتاع وسبي النساء، وأُزيلت أحياءٌ قاهرية بكاملها عن الخريطة، وحين تمكن المحتل من إخماد الثورة واعتقال مصطفى البشتيلي، رفض كليبر إعدام مصطفى البشتيلي حتى لا يجعل منه رمزًا للبطولة، وقرر أنّ سكان القاهرة هم من سيعاقبونه، فخاطبهم بأنّ هذا هو من حرض على الفتنة التي تسببت بحرق بيوتهم وسبي نسائهم ونهب أرزاقهم، فقام المصريون بـ"تجريس" البشتيلي، والتجريس هو اصطلاح يعني أنّ يركب الشخص على الحمار بالمقلوب، ويُطاف به في الشوارع بينما تقوم الناس بضربه بالأحذية والبصاق عليه وشتمه، وأما بالنسبة للبشتيلي فقد تطور التجريس إلى القتل، حيث انهال الناس عليه ضربًا حتى قتلوه، وهنا يتساءل علاء الأسواني عن مشاعر البشتيلي وهو يُهان ثم يُقتل على يد من ترك متاع دنياه ليدافع عنهم.

ديباجة ثانية
ليس من السهل أنّ تقع في حالة اختيارية بين أن تكون إنسانًا بلاستيكيًا أو كائنًا داعشيًا، فالأمر يحتاج إلى الكثير من رباطة الجأش والقدرة على كظم الغيظ، وذلك حين يتجنى الآخرون على موروثك العقائدي والثقافي، ويتجرأون على كينونتك التي تتشكل من تلك العقائد والموروثات الثقافية والفكرية، فهم يدفعونك دفعًا لتلك المنطقة التخييرية، وهذا بعكس أن يطرحوا رأيًا متجردًا من أي نقمةٍ مسبقة، وبعيدًا عن منطق التحقير والتشفي، فحين تُسأل أين ربك وهل حقًا هو موجود، ولماذا ربك فعل كذا ولم يفعل كذا، وقد أخطأ ربك هنا ولم يُصب هنا، أو حين يُقال لك لا أؤمن بوجود إلهك ولا تعنيني أوامره ولا تلزمني نواهيه، فقد سُئل الأنبياء ما هو أقسى من ذلك وأعمق، وكانوا يجيبون دون مسؤولية إقناع السائلين بالإجابة، والمؤمنون جميعًا يجب عليهم التأسي بأنبيائهم، ولكن حين يقوم الآخرون بتحقير معتقداتك واحتقار شخصك لمجرد أنك تعتنق دينًا معينًا، فأنت هنا تقع في منطقة التخيير بين أن تكون داعشيًا أو تكون بلاستيكيًا بلا أدنى مشاعر.

إسقاط سياسي
إنّ رؤية الأحداث من زوايا مختلفة هو حقٌ مطلق للجميع، ولكن المقيد هو ألّا تكون رؤيتك وزاويتها تأشيرة للعبث بأدمغة الآخرين، من خلال استصغار عقولهم وافتراض أنهم حمقى، ولكن المصيبة العظمى وثالثة الأثافي هو أن يَصدُق فيهم ظنك، كما صدق ظن كليبر بحماقة الجمهور حين حمّل البشتيلي مسؤولية القتل والسبي والدمار، ولكن من يفترض في نفسه النخبوية ليس من حقه أن يتلبس شخصية المستعمر، وأن يلعب دور كليبر نيابة عن استعمار اليوم، ولا أريد الرجوع إلى العداء التاريخي الذي تكنه بعض النخب لحزب الله، ولكن منذ انطلاق عمليات تحرير عرسال، بدأت النخبة "الكليبرية" بتحميل حزب الله المسؤولية عن شق الإجماع الوطني مرة، وعن تعمد سرقة انتباه الناس إلى معركة الجرود كبديلٍ عن معركة الأقصى ثانية، والعمل على سرقة جغرافيا سورية لأهداف تغيير ديمغرافي مذهبية ثالثة، وهذه النخبة بالذات إن كانت سياسية أو فكرية أو دينية، فهي تنعم بالأمن فقط لأنّ حزب الله يدفع الدم، وهي بالذات لولا هذه الدماء لكان كليبر "الملتحي" يحرق أرزاقهم ويهدم بيوتهم ويسبي نساءهم، فهذه نخبة اليوم التي تشبه حمقى رعاع الأمس، الذين قتلوا زعيمهم بعد أن "جرّسوه"، يريدون أن يجعلوا من السيد نصرالله بشتيلي آخر، حتى لا ينغصوا على كليبر سرقة أموالهم وسبي نسائهم، فيتم الأمر بهدوء.

خاتمة
ولكن الفرق أنّ زمن البشتيلي كان بدايةً لزمن الانحدار والسقوط، بينما زمن السيد نصرالله هو زمن الانتصار والصعود، وقد لا يدرك هؤلاء النخبويون هذه الحقيقة، أو لعلهم يدركونها لكن مصالحهم تتناقض مع إشهار تصديقها أو العمل بموجبها، وهذا يتطابق تمامًا مع إدراكهم المطلق بأنّ السيد نصرالله ليس كليبر، وأنه لا يتخذ من الرعاع والحمقى عضدًا، بل هم يقينيون بأنّه يحفظ قاعدة "اذهبوا فأنتم الطلقاء" عن ظهر قلب، فلو كانوا بين كليبرين ورعاعين لعانوا من ضيق الخيارات ومجازفة الاختيار، ولكنهم يدركون أنهم سيصيبون الحسنيين، فالسيد نصرالله ومحوره منتصران يقينًا، وبناءً عليه يصبون ما استطاعوا من أموال النفط والغاز، وحين يعلن محور السيد انتصاره النهائي، يصطفون على بابه يكدسون على صدروهم لافتات "أخٌ كريم وابن أخٍ كريم".