طهران وتثبيت نفسها على الطاولة الروسية الأميركية.. بقلم: أنس وهيب الكردي

طهران وتثبيت نفسها على الطاولة الروسية الأميركية.. بقلم: أنس وهيب الكردي

تحليل وآراء

الاثنين، ٣١ يوليو ٢٠١٧

تسعى إيران إلى ضمان مقعد لنفسها على طاولة الهلال الخصيب إلى جانب اللاعبين الروسي والأميركي، لا أن تكون طرفاً مضموناً يأتي به حليفه الكبير إلى الطاولة.
اقتضت المصالح الإيرانية في هذا الإطار الإصرار على الدخول كطرف ضامن إلى عملية أستانا. وافقت طهران بعد تحفظات على اتفاق تخفيف التصعيد الذي نتج عنه إنشاء أربع مناطق لتخفيض التصعيد في كل من إدلب، الغوطة الشرقية، جنوب سورية، ريف حمص الشمالي.
كان الدخول الإيراني في عملية أستانا ناجماً عن مخاوف طهران المزدوجة من التقارب الروسي التركي في مرحلة ما بعد حلب، ومن وصول دونالد ترامب إلى رئاسة واشنطن. نجح الإيرانيون في فرض أنفسهم على الطاولة. وجودهم دفع الأميركيين إلى التحفظ على مسار أستانا. أما موافقة إيران على اتفاق تخفيف التصعيد، فقد حكمه قلقها من تبلور سياسة أميركية عدائية في المنطقة، رمزها نتائج قمة الرياض، القاضية بالمكافحة المزدوجة لإيران والإرهاب.
لم تكن إيران لتقف مكتوفة الأيدي أمام إستراتيجية ترامب الساعية إلى دحر نفوذها الإقليمي، ومشاريعه المعلنة لإعادتها إلى حدودها ودفعها خارج (Roll Back) سورية والعراق. خطط إستراتيجيو طهران لمواجهة هذه الإستراتيجية، ووضعوا نصب أعينهم ربط سورية بالعراق، وتكثيف وجودهم العسكري في شرق ووسط وجنوب سورية.
في المقابل، تركزت خطط إستراتيجيي إدارة ترامب على شرق سورية. أراد مجلس الأمن القومي، الذي يتبنى مسؤولوه عقيدة معادية لإيران، لمنطقة التنف أن تكون نقطة انطلاق للمشروع الأميركي في شرق سورية وغرب العراق. اعتبروا أن القاعدة التي بنوها ستتيح لهم القفز إلى البوكمال، والميادين استعداداً للجائزة الكبرى في دير الزور. الهدف من التحرك كان سد طريق إيران ما بين سورية والعراق عبر البادية الشامية.
لا شك أن المشروع الأميركي قد تعرض لضربة قاسية، عندما تمكن الجيش العربي السوري مدعوماً بحلفائه الإيرانيين والروس ومن المجموعات العراقية وحزب اللـه اللبناني من الوصول إلى الحدود السورية العراقية إلى الشمال من منطقة التنف، قاطعين بذلك الطريق على المجموعات المدعومة من الأميركيين والبريطانيين للتوجه شمالاً باتجاه الميادين أو البوكمال. أرادت إيران زيادة التأكيد على مصالحها. بشكل مفاجئ ومن دون سابق إنذار، انطلقت صواريخ حربية من قواعدها في الأراضي الإيرانية، باتجاه مواقع لتنظيم داعش الإرهابي في دير الزور. أراد الإيرانيون تثبيت أمر مشاركتهم في معركة دير الزور، وقطع الطريق أمام محاولات تجاوزهم. فهم الأميركيون الرسالة، وكان أمامهم خياران لا ثالث لهما، التصعيد أو وقف التصعيد.
اندلعت صراعات مريرة داخل أروقة السلطة الأميركية ما بين بيرت ماكغورك منسق التحالف الدولي، والذي اجترح إستراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة داعش، التي لا تزال العمليات العسكرية الجارية قائمة على أساسها في كل من العراق وسورية، وما بين كبار مسؤولي مجلس الأمن القومي الأميركي خصوصاً المدير الأعلى للشرق الأوسط ديريك هارفي، حول ما إذا كان ينبغي على واشنطن المحافظة على خطها المتشدد حيال الوجود الإيراني في شرق سورية، وما إذا كان ينبغي دعم هذا الموقف بقوة السلاح. اعترض ماكغورك على استخدام القوة باستثناء ضد مسلحي داعش، وربما حذر من مخاطر منزلق المجابهة الإيرانية الأميركية خصوصاً مع وجود أكثر من عشرة آلاف جندي أميركي في العراق على مرمى من حلفاء إيران في مجموعات الحشد الشعبي. مع انحياز وزير الدفاع جيمس ماتيس، وكبار الجنرالات في وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» لمقاربة ماكغورك، كان مصير هارفي التجاهل (وربما الاستقالة لاحقاً). وخلصت الإدارة الأميركية إلى تبني «نهج جديد»، تمثل في عدم الاعتراض على الوجود الإيراني شرقي سورية ومحاولة تنظيم قواعد عدم اشتباك معه عبر الوسيط الروسي. تولى ماتيس بنفسه بلورة هذا النهج والإعلان عنه عشية مؤتمر وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي في بروكسل قبل أسابيع.
لحماية مصالحهم من «التهديد الإيراني» في شرق سورية، اختار الأميركيون العودة إلى الروس. دخلوا في مفاوضات عبر عمان والقاهرة، تمخضت عن إنشاء منطقتي تخفيف توتر في درعا والقنيطرة، والغوطة الشرقية. المنطقتين اللتين دقتا مسمارين في نعش عملية أستانا. بارك ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين الاتفاقين خلال قمتهما غير العادية في مدينة هامبورغ الألمانية. أكثر التنازلات الأميركية كانت على حساب المسلحين والأتراك. وضع الأميركيون نقطة النهاية لبرنامج وكالة الاستخبارات المركزية «سي أي أيه» لتسليح «المعتدلين» في جنوب وشمال سورية عبر غرفتي «الموك» في الأردن وتركيا، كما أمروا مسلحي التنف بالامتناع عن مهاجمة الجيش العربي السوري. أقرت واشنطن بالدور الروسي كضامن للتسوية السلمية لأزمة سورية، وقبلت بالتنسيق العسكري مع الروس في المعارك ضد تنظيم داعش في محافظتي الرقة ودير الزور. أخيراً، تغاضت واشنطن عن معركة القلمون، بل بدا أنها لا تمانعها للتخلص من «جبهة النصرة» الإرهابية التي تعتبر «هيئة تحرير الشام» واجهتها الجديدة. ومع اقتراب نهاية داعش في العراق تتصاعد حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة، وتنعكس على شكل احتكاك عسكري في مياه الخليج العربي، في حين يتبلور صدام مستقبلي في «درة تاج» نفوذ واشنطن العالمي، والساحة الخلفية لإيران: العراق. على الأرجح أن تشهد المنطقة تزايداً في حدة المجابهة الأميركية الإيرانية كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية. ويتعلق بنتائج الانتخابات العراقية مصير الوجودين الأميركي والإيراني في العراق، وبينما لا تخفي واشنطن رغبتها في فوز رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بولاية جديدة، تريد طهران عودة نوري المالكي إلى سدة الحكم.
الآن، تجد إيران نفسها وأكثر منها تركيا أمام أمر واقع تبلور في عمان والقاهرة، من دون أن تكن على علم بكامل تفاصيله. ويستعد المسؤولون الإيرانيون لاستقبال رئيس المخابرات الروسية، من أجل التنسيق المسبق بشأن اجتماع خبراء الدول الضامنة لعملية أستانا (تركيا، إيران، روسيا) الذي تستضيفه العاصمة الإيرانية قريباً حسبما تم الاتفاق بشأنه مؤخراً في لقاء «أستانا 5».
هكذا، بعد الاتفاق الروسي الأميركي الذي أنشأ مساري عمان والقاهرة حول سورية وخطف بريق عملية استانا، من المرجح أن يعمل الإيرانيون على تعزيز التعاون مع أوروبا وتركيا بشأن سورية، استعداداً لأم المعارك في المنطقة العام 2018 المقبل: الانتخابات البرلمانية في العراق، والتي ستحدد نتيجتها ما إذا كان بإمكان طهران تثليث الطاولة الروسية الأميركية حول مصير الهلال الخصيب ما بعد داعش أم لا.
الوطن