نصر الله وعبد الناصر والنفط وعرسال.. بقلم: إيهاب زكي

نصر الله وعبد الناصر والنفط وعرسال.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الاثنين، ٣١ يوليو ٢٠١٧

إنّ حزب الله قوة عاتية، وهي قادرة على أن تجعل العدو كعصفٍ مأكول، ولديها من القوة ما يمكنها من العصف بالأعداء كجائحةٍ لا تبقي ولا تذر، وعادةً ما يُقال أنّ القوة عمياء، وقد يكون هذا العمى أحد أسباب الضعف أو ثغرات تسلل العدو، ولكن قوة الحزب قوةٌ عاقلةٌ مبصرة لا عمياء جانحة، وكثيرةٌ هي الوقائع الدّالة على ذلك، وليس آخرها تواضع السيد نصرالله وهو يعلن عن انتصار الحزب في الجرود، لذلك فالمشاعر التي تتملكني حين سماع سيل الأنباء عن إلقاء القبض على خلايا للحزب في دول الخليج، تشبه كثيرًا تلك المشاعر حين أرى النياشين والأوسمة على صدر ملك البحرين او الملك الأردني، والحقيقة أنها "خبطات أمنية" ليس الهدف منها حماية أمن تلك البلاد ولا عروش حكامها كما هو ظاهر الأمر، إنّما هي نوعٌ من الدعاية لأجهزة تلك البلاد الأمنية، في تنافسها المحموم مع صناعة الكوميديا العربية، ومؤخرًا وبعد عملية القدس للشهداء جبارين، قامت "الشرطة الإسرائيلية" بتعليق لافتات في المدن العربية تحمل صورة المطرب المصري هاني شاكر، ومقتطفات من كلمات أحد أغنياته "حسستك بالأمان، واديتك الحنان".

وقد كانت بادرة "الشرطة الإسرائيلية" هذه، في إطار ما قالت أنه سياسة إنشاء مراكز شرطية جديدة، للحد من ظاهرة العنف المتفشي في "المناطق العربية"، وقد بادل أهالي تلك القرى والمدن "الشرطة الإسرائيلية" بالسخرية من هذا الإبداع الأمني، وهذه السخرية بالضبط هي مشاعر ملايين الناس حين استماعهم لأخبار "الخبطات الأمنية" لدول الخليج ضد خلايا حزب الله النائمة والمستيقظة، إنّ حزب الله في حال قرر استهداف أيٍ من تلك الكيانات المحميات، فإنها ستصبح مجرد مكعباتٍ كرتونية في قعر جحيم، وهم يزيدون الطين بلة حين يضيفون إلى تلك الخلايا الأيادي الإيرانية، فإيران وسوريا وحزب الله الذين استطاعوا إيصال الأسلحة الخفيفة والثقيلة من الرصاصة حتى الصاروخ إلى غزة، غزة التي تخضع لحصار مركب برًا وبحرًا وجوًا، وتخضع لمراقبة البر والبحر والجو 24/24 سبعة أيام في الأسبوع، والتي تفصلهم عنها موانع جغرافية قاهرة، يعجزون عن إيصال مسدس بست طلقات وقنبلة يدوية إلى جزيرة البحرين أو الكويت مثلًا، فتقوم دائمًا أجهزة تلك الدول بإلقاء القبض على شحنات المسدس والقنبلة اليدوية الإيرانية، وهذه الإعلانات المتكررة تهدف إلى أمرين، الأول هو التحريض المستمر مذهبيًا والذي يخدم المشروع الأمريكي "الإسرائيلي" الفتنوي في المنطقة، والثاني هو دعاية لتلك الأنظمة أمام شعوبها بأنها قوية ومتمكنة بما يكفي لمجابهة من يدعون القوة.

في ذكرى ثورة يوليو عام 1952، بثت قناة الجزيرة وثائقيًا في برنامجها "للقصة بقية" عن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وكانت خلاصته أنّ عبدالناصر عميلٌ أمريكي، ولم يكن عدوًا لـ"إسرائيل"، وأنه قام بالثورة بأمرٍ أمريكي للتخلص من الملك فاروق وبالتالي التخلص من الهيمنة البريطانية لصالح الهيمنة الأمريكية، وهنا لا أورد ذكر هذا البرنامج لتفنيد استخلاصاته الوضيعة وتناوله الساذج للأحداث، بل للإضاءة على أخلاق النفط وسياسته، فعبدالناصر الراحل منذ أربعة عقودٍ ونيف، لا زال النفط يُصرّ على اغتياله يوميًا منذ رحيله، ولا تفوته فرصةٌ للإساءة للرجل كشخصٍ وكمشروعٍ وكذكرى، وهنا تتساءل عن السبب الحقيقي، وهل يكفي الحقد النفطي لتفسير هذا الاستهداف.. أعتقد أنه أحد الأسباب لكنه ليس كلها ولا أهمها، فالواضح أنّ النفط وهو ذو سياسة انبطاحية تابعة، يريد تكريس فكرة في العقل الجمعي لشعوب هذه المنطقة، وهي ألّا تصدقوا كل من يدّعي مقاومة المشاريع الصهيونية ومجابهة المشاريع الأمريكية، فهذا الرمز-عبدالناصر- الذي كانت تخلو شوارع الوطن العربي لسماع خطابه، كان يستغفل الناس بعداءٍ مفتعل ومتفق عليه مع "سي آي إيه" ليستنزف قدرات الأمة في معارك لا طائل منها، وهذا بعكس النفط الذي يتبع سياسة توفر الهدوء والترف، وهي مقارنةٌ مباشرة وغير مباشرة مع من لا يزال يحمل مشاعل المقاومة والمجابهة، لتكون الخلاصة أنه إذا كان عبدالناصر بكل هذا التاريخ والكاريزما والزخم عميلًا أمريكيًا وغير معادٍ لـ"إسرائيل"، فماذا سننتظر من أشخاصٍ مثل السيد نصرالله والرئيس الأسد.

في خطابه على مشارف الانتصار في معركة جرود عرسال، كان السيد نصرالله بكل ما أوتي من حنوٍ يضرب بيد من حديد على رأس الفتنة، وكان يعضّ على جراحه ترفعًا، ليقبّل تعففًا خناجر تطعنه في الظهر والخاصرة، وأثبت للمرة الألف أنه قائدٌ تنحني له الانتصارات، وأنّه وقتما أراد انتصر وأينما شاء مرَّ واستقر، وأنّ السؤدد يتعلق بأذيال ثوبه والمجد يلاحقه كظله، فقلما تجد زعيمًا ينحني تواضعًا في غمرة انتصاره، وقلما تجد قائدًا يملك هذه القدرة على مفاجأة أعدائه لينًا وشدة، فإن لان أبهرهم وإن اشتد فاجأهم، وقلما أفزعت سبابة عربية كيان العدو، وبعد معركة الجرود ازداد الكيان وقادته فزعًا، فقالوا "إنّ نصرالله إذا قال فعل، وهذه معادلة مخيفة"، لذلك لا يدع النفط وسيلة للانتقاص من شخصه ومشروعه، ولا يألو جهدًا لتهشيم صورته، والفادح بالنسبة للنفط أنّه كلما أطلّ السيد نصرالله أو كلما أطلت أفعاله تكسرت شائعاتهم وتخبط أشياعهم، ولكن الأكثر فداحة هو أنّه لا وسائل لتشويهه أبديًا، لأن هذا يتطلب هزيمته ومحوره، وهذا أصبح من علم المستحيلات.