النفاق السعودي ومآرب زيارة الصدر

النفاق السعودي ومآرب زيارة الصدر

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١ أغسطس ٢٠١٧

إيهاب زكي - بيروت برس -

لو أنّ مجريات التاريخ تغيَّرت لما حظي مقتدى الصدر باستقبالٍ ملكيٍ سعودي، فالدعوة السعودية للصدر هي أحد أبرز ارتدادات هزيمة داعش بالموصل وانتصارات الحشد الشعبي، ولنتفق ابتداءً على ثلاثة مسلمات بالإضافة للبديهة السابقة، الأولى هي أنّ السعودية لا تملك قرارًا خارج الإرادة الأمريكية، الثاني وهو مرتبط شرطيًا بالأول، أنّ الإدارة الأمريكية ليست بعيدة عن أجواء الزيارة وأهدافها، الثالث أنّ الزيارة ليست وليدة اللحظة، بل هي تتويج لتنسيق مسبق وطويل بين السعوديين ومقتدى الصدر، ومن الجدير بالذكر فأنا لست ضد الزيارة لكون الرجل ينتمي لمذهبٍ معين تستهدفه السعودية سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا وفقهيًا بل وعقائديًا، بل ضد أن يقوم شيخ الأزهر أو أيّ مرجع لأيّ مذهب بزيارةٍ للسعودية، فهي لا تستهدف الناس بناءً على مذاهبهم، بل بناءً على موقعهم من الصراع مع الهيمنة الأمريكية، وقد كان للرجل مواقف أثارت اللغط والجدل في سوريا والعراق، وكلها مواقف تتماهى مع الرغبات السعودية، حيث طالب الأسد بالرحيل كما طالب حزب الله بالانسحاب من سوريا، ولكن هذا التماهي مع المواقف السعودية لم يكن ليتوج بالزيارة لو لم يُهزم داعش، فلا ضرورة لاستقطاب الصدر سعوديًا بهذا الزخم بوجود داعش.

هناك وجهان متناقضان للزيارة، الوجه الأول هو ما يجب استغلاله والتركيز عليه حتى يتغلب على وجهها الثاني والقبيح، وهو اختراق السردية الوهابية للصراع كونه مذهبيًا، فالدعوة السعودية لمقتدى الصدر تتجلى فيها أشد آيات النفاق والرياء السعودي، حيث دأبت المملكة على التحريض المذهبي لتسعير الفتنة وترخيص القتل، وذلك خدمة لمشروع الدولة اليهودية الكبرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد اعتبر المفتي السعودي أنّ إيران دولة كافرة بحكم مذهبها لا بحكم فارسيتها، وفي الوقت الذي يرى بن سلمان استحالة التفاهم مع إيران لأنها تنتظر عودة المهدي، فهو يتفاهم مع الصدر رغم أنه أيضًا في انتظار المهدي، أما الوجه الثاني للزيارة فهو السعي لاستمرار النزيف العراقي، ولكن هذه المرة عبر صدامٍ شيعي شيعي تحت شعارات قومية لا مذهبية، كما كان الحال مع داعش، وليس من المستبعد أن يطالب الصدر بحل الحشد الشعبي، كما ليس من المستبعد أن يطالب بمحاسبة إيران وقطع يدها عن العراق، وفي أقصى حالات حرية التعبير التي يتمتع بها العراق-وإن كانت شكلية بلا مضمون حقيقي- فإنّ هذه المطالبات نستطيع أن نجد لها حيزًا في هذا الإطار، ولكن الأسوأ أن يعمد مقتدى الصدر لاستغلال الشارع وتجييشه خلف هذه المطالب السعودية، وتحت لافتات قومية تعيد صدى حروب صدام حسين بل أسوأ، حيث أن ما تسعى له السعودية ومن خلفها واشنطن، صراع عربي فارسي خارجيًا، وصراع شيعي شيعي داخليًا.

إنّ انتصار الحشد الشعبي في الموصل، بالتزامن مع مواصلة العمل لتحرير كل العراق من دنس الإرهاب الممول سعوديًا والمحمي أمريكيًا، والتوجه المعلن للحشد نحو الحدود السورية والمزيد من الانخراط في محور يمتد من طهران إلى بيروت مرورًا بدمشق، كذلك تصريحات قادة الحشد فيما يخص تحرير الجولان والاصطفاف إلى جانب اليمنيين في صد العدوان السعودي، مضافًا إلى ذلك التشريعات القانونية العراقية لتشريع بندقية الحشد، وقد تصل إلى حد الدمج بالجيش العراقي، وهو ما تراه الولايات المتحدة خطرًا يهدد نفوذها على دوائر القرار السياسي والعسكري في العراق، فهيئة -الحشد- بهذا التوجه إن تمكنت من القرار العراقي سياسيًا وعسكريًا، ستخرِج الولايات المتحدة نهائيًا من العراق، والأسوأ أن العراق بكل مقدراته المالية والبشرية والحضارية سيصبح في خدمة محورٍ معادٍ لها. لذلك، فإنّ أحد أفضل الخيارات المطروحة هو إشغال العراق بنفسه مرةً أخرى وقد تكون أخيرة، إذا لم يتم التعامل مع ارتدادات هذه الزيارة بحكمةٍ بالغة، وبعيدًا عن الأهداف الأمريكية، واللافت أنّ ثامر السبهان السفير السعودي السابق في العراق، والتي طالبت الحكومة العراقية باستبداله لإثارته الفتن والتدخل في الشؤون العراقية، وقد أصبح الآن وزيرًا لشؤون الخليج وهو من استقبل الصدر في مطار جدة، أزال تغريدته التي قال فيها "أؤمن بأننا يجب أنّ نفرق بين المذهب الشيعي الأصيل ومذهب الخميني المتطرف"، واستبدلها بتغريدةٍ نابذة للتطرف السني والشيعي، وهو ما يدل على أن السبهان استعجل الإعلان عن أهداف الزيارة فتم توبيخه فاستبدل التغريدة.

يقول أحد الإعلاميين السعوديين "إنّ السعودية تواصل نجاحاتها في احتواء العراق وإعادته لعروبته وتطهيره من الأدوات الإيرانية التي ابتزت مقدراته وسلمته لطهران"، فالعراق حسب هذا المنطق بلدٌ ضال، وبالمناسبة فإنّ القانون السعودي يمنع أيّ إعلامي من الإدلاء بأي تصريح أو الظهور على أيّ فضائية دون إذنٍ من وزارة الإعلام، وإخبارها مسبقًا عما سيقول، ومن يخالف هذا القانون أو العرف السائد يكون نصيبه الحرمان والمنع من الكتابة كما حدث مع إعلاميين سابقيين كـ جمال خاشقجي وزهير كتبي وعلي العلياني وآخرين، وهذه الإضاءة لمعرفة أنّ ما يقوله هؤلاء ليس مما تقدحه أذهانهم، بل مما يدور في عقل السياسة السعودية. وبهذا المنطق، فنحن أمام سيناريو جديد للحالة الصَدّامية ولكن دون ضمان التعايش الداخلي، وحتى هذه اللحظة لا يوجد مؤشرات على تنسيق صدري إيراني بخصوص الزيارة، فالصدر يصوّب على الدور الإيراني في العراق ويتجنب ذكر أي دور سعودي، فالعروبة لا تعني معاداة الآخرين عرقيًا كما يريدها آل سعود أو كما تحاول أن توحي بها الزيارة، فإنّ ألدّ أعداء العروبة فكرًا وسياسةً ومصيرًا هم آل سعود، لذلك فالحكمة تقتضي إبراز الزيارة على حقيقة أمرها كتجلٍ للنفاق والتآمر السعودي، والعمل الجاد على احتواء الصدر لا الصدام معه، فهذا الصدام هو ما يدور في العقل الأمريكي، لمنع تواصل الجغرافيا لمحور المقاومة، واستنزاق العراق وإبقائه نهبًا للجشع الأمريكي.