نور لا نار.. بقلم: سامر يحيى

نور لا نار.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ٣ أغسطس ٢٠١٧

لا يمكن الحديث عن التطوير والتحديث والنهوض بمشروع الإصلاح الإداري وبناء الوطن، إلا بالحديث عن الفساد ودوره السلبي المدمّر للوطن ومقدّراته، ويكاد يجمع الجميع من دون استثناء، حتى من هم في سدّة المسؤولية، أنّ اجتثاث جذور الفساد هو العلاج شبه الكامل لكل مشاكل الإدارة لا اجتثاث الإدارة والمؤسسة.  
 ولكن يا ترى هل تمّت معالجة جذور الفساد؟ أم مجرّد تشخيص ضمن إطار التنظير البعيد عن التطبيق على أرض الواقع؟ أم لمجرّد النقاش والحوار وإرضاء الآخر؟ هل تم التفكير بأنّ المواطن يرغب بكلمة عاطفية تسعده، وأملٌ يعطيه تفاؤلٌ بغدٍ رغم هموم ومشاكل ومساوئ الحاضر؟ هل فكّرنا بالحلول الحقيقية الجدية ووضع آليات مكافحةٍ للفساد بعيداً عن الروتين المعتمد والآليات التي أثبتت فشلها؟!! فأي نجاح في حدّه الأدنى مهما كانت الظروف سلبية ليس نجاحاً، لكنّ "الحياة المستمرة" ونتاج نجاحات الماضي، ومن الخطأ التبجّح بأنّه إنجاز لنا، متجاهلين أن الإنجاز هو القدرة على تحدّي الواقع، والنهوض بالإمكانيات المتاحة ضمن الظروف المحيطة لإثبات الوجود وتحقيق الهدف الأسمى لبناء الوطن، بعيداً عن النفاق، والنظريات الإدارية، التي للأسف بالكثير من نقاط تطبيقها أعطى انطباعاً سلبياً، ولاسيّما مع وصول المنافق الهادف لتحقيق مصالحه الشخصانية على حساب الوطن والمواطن، فقط لقدرته على المراوغة والتجمّل، وهذا ما يجب أن نتعلّمه من نضال جيشنا الباسل الذي يقاتل على كل الجبهات، وكل يومٍ لديه تكتيك وخطّة جديدة، ويحارب الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه وتعدّد داعميه ورأس الأفعى الكيان الصهيوني، منطلقاً من إيمانه وعقيدته القومية الراسخة الجذور لعودة الأمن والأمان والاستقرار لكامل تراب وطننا المقدّس.   
فإذا رجعنا إلى نقاش العمل الحكومي الإداري نجده يدور بين مدافع عن المسؤول الحكومي، نفاقاً أو حقيقةً، ينظر للكأس الملآن ويتجاهل الفارغ، بل يملؤه وهماً، ويحمّل المواطن كامل المسؤولية وينعته بنعوت سلبية، والبعض يلوم المسؤول ويحمّله كافّة المشكلات الموجودة وغير الموجودة، ويحمّله مسؤولية حصار ظالمٍ وحربٍ وعبثٍ من الآخرين لتدمير البلد، ويصف كل مسؤولٍ وموظّفٍ حكومي بالفاسد والمرتشي ويظنّ به السوء، بعيداً عن المنطق والحقيقة... أما الفئة الثالثة والتي هي نادرة ونحتاج للنهوض بها لمعالجة الفساد، والنهوض بوطننا كما يجب، فهي الفئة التي تنظر بعين الحكمة والعقل، بعين المنطق والإنسانية، بعين الوطن والمواطن، للسير بقوّة في مشروع الإصلاح الإداري وبناء الوطن والإنسان بآنٍ معاً، فلا يمكن بناء الإنسان من دون بناء الوطن، ولا بناء الوطن من دون بناء الإنسان، فهي عملية متكاملة متفاعلة ليست متناقضة ولا أولوية لإحداها على الآخر، ونحن دولة مؤسسات يجب أن تقوم كل مؤسسة بواجبها والنهوض بدورها، وبدلاً من الاعتراف بالتقصير وبوجود فساد، ونسف مؤسسة بتاريخها العريق، أو إهمالها بانتظار البحث عن حلول جذرية، علينا العمل وفق برنامج جدي حقيقي يطبّق على أرض الواقع من دون تأخير، وما أكثر السبل والطرق التي نستطيع من خلالها ضغط النفقات ومنع الهدر ودفع عملية الإنتاج بكل المؤسسات على تنوّعها لأعلى قدرة على العطاء والإنتاج..
الفكرة الأهم في عملية التقويم والتقييم لمحاربة الفساد والإفساد، وبناء الوطن والإنسان، العمل على التشخيص السليم، وتناول الدواء، واعتبار المواطن دائماً على حق، فالموظف الحكومي وجد لكي يخدم الوطن والمواطن، وليس لكي يكون متعالياً أو متكبّراً عليه، أنّى كان الكرسي الذي يجلس عليه الموظف الحكومي، فدوره جسر الهوة بين المواطن ومؤسساته وإقناعه بدوره في المجتمع، وتشجيعه على المساهمة الفعّالة في التواصل مع المؤسسة الحكومية، فهي لخدمته لا لاستغلاله ولا ابتزازه، وما الرسوم والضرائب التي يدفعها جراء تقديم الخدمات له ليست عقاباً ولا ابتزازاً، إنّما تصب في مصلحة المواطن وزيادة الدخل القومي، للنهوض بالوطن ودعم مؤسساته وتقديم الخدمات له من دون استثناء أحد.
أما التعامل مع الأقران والزملاء في العمل، فيجب أن يكون في إطار التعاون والتفاهم والتناغم، فدفّة السفينة تحتاج إلى تعاون الجميع من أجل الرسو في الميناء بسلام، لا أن نتصارع من سيوصل السفينة إلى البحر، فننسى الطريقة ونختلف على الإدارة، نقترح الأفكار ونتجاهل التطبيق، نناقش أسس النجاة وننسى استعمالها، فتأتي أدنى موجةٍ لتذهب السفينة بمن فيها، نحمّل بعضنا المسؤولية، وننسى تحمّلها لبناء وطننا، نعتبر المواطن المشتكي سلبياً، متجاهلين أن لا دخان بلا نار، بل دورنا البحث عن هذه النار ليس لإطفائها بل لتحويلها إلى نور للنهوض بمؤسسات القطاع العام، وبالتالي النهوض بالوطن، أن نصل لمرحلة أن شكوى المواطن مهما كانت كيدية، هدفها الغيرة على الوطن لا شخصنةً لهذا المسؤول أو ذاك، لهذه المؤسسة أو تلك، ما يساهم في تمتين العلاقة بين المواطن والمؤسسات الوطنية، وعدم تخوين إلا من باع نفسه للعدو، وخان الوطن والمواطن، بما يساهم برفع الوعي وربط المواطن بمؤسساته، والوصول لأفكار سليمة للنهوض، فمهما كان الآخر سلبياً، لا بد من وجود جانب إيجابي يمكن الاستناد إليه، أو الاستفادة منه في تحقيق الهدف الوطني المنشود، ومهما كانت الشكوى سلبيةً لا بد من البحث عن ثغرةٍ يتسلّل الفساد من خلالها ويمكن لفت الانتباه لسدّها.  
إنّنا أحوج ما نكون لتغيير الآليات، والبدء بالإبداع والابتكار، دراسة الماضي والخلاص بنتائج منه، انطلاقاً من الواقع الراهن والإمكانيات المتاحة والظروف المتوافرة للوصول للمستقبل القريب جداً، والملموس لكلٍ منا بشكلٍ مباشر، سريعٍ لا متسرّع، حكيم لا متحكّم، مشرق لا محترق، نور لا نار، دائم لا مؤقت، يقضي على كل مكامن الفساد والإفساد ويسد الثغرات والفجوات، ويحقق الجميع أهدافهم وينهض الجميع بمستواهم المادي والمعنوي من دون استثناء، والسوري أثبت خلال توزّعه في أنحاء العالمكافّة، منذ زمن طويل أنه القادر على العطاء والإبداع والإنتاج أنّى كانت الظروف الإمكانيات المتاحة له.