سورية لأعدائها: إربحوا خسارتكم أو إذهبوا إلى الجحيم!.. بقلم: ميشيل كلاغاصي

سورية لأعدائها: إربحوا خسارتكم أو إذهبوا إلى الجحيم!.. بقلم: ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

السبت، ٥ أغسطس ٢٠١٧

لأنها لم تكن عظمى مثلهم ولا فاعلة في الشرق الأوسط، ولأنها استطاعت لاحقًا حكم العالم منفردة متفردة لأكثر من ربع قرن مضت، لأنها متغطرسة ومتوحشة وعلى خطاهم الإستعمارية الدموية، قررت إعادة رسم خريطة العالم ومن شرقه الأوسط ومن عرين الأسد في دمشق، فأعلنت إنتهاء مفاعيل سايكس– بيكو، واختارت التوقيت بدقة بعدما أخضعت العالم وروّضت أوروبا، واعتلت ظهر الملك والأمير والسلطان والرعية، فلا تستحق العجائز النائمة قبلة الأمير–تقول أمريكا-، فرمت "قاعدة" ابن لادن في البحر واستنسخت جيوشًا همجية تكفيرية، على شاكلة "شركائها العرب"، فكان أن أنجبوا منها "داعش" و"النصرة "وعشرات المئات وآلاف الأولاد غير الشرعيين.. ومن فمها ندينها ويقول جنرالها المتقاعد جاي غارنر: "اتفاقية سايكس بيكو انتهت"، وبشّر "أذكياؤها" بحربٍ تمتد ثلاثين عامًا.

 

أدوات المشروع الأمريكي للحرب على سوريا

لقد استحضرت أوروبيي سايكس بيكو القديم ذاتهم وبعض الأطلسيين، بأوزانهم الجديدة ومتطرفيهم ومجرميهم، لحسابات تمدد المشروع إقليميًا أوعالميًا، واستحضرت "عرب" الخليج وبعض الحكام العرب بأحقادهم وعمالتهم وتطرفهم ومالهم ورجالهم وبدعهم الدينية ووسائل إعلامهم الناطقة بالعربية، وبكلا النسختين الإخوانية والوهابية، فيما استحضرت "السلطان" أردوغان بإحياء أحلامه وأطماعه السلجوقية، واستحضرت "الإسرائيليين" الحاضرين أصلًا للعدوان كشركاء في المخطط الصهيو-أمريكي، كما استحضرت عزفًا على استنهاض مشاريع التقسيم والفدرلة وزراعة الكانتونات لتفتيت الجسد السوري الواحد (عرقيًا، "قوميًا"، طائفيًا، مذهبيًا")، عبر استحضارها لحصاد وعبث تاريخي مزور، أقنع بعض أجيال ما بعد سايكس بيكو بحقوق قومية في أرض سوريا وممن داعبت مخيلتهم بكلمات.

 

هزيمة المشروع الأمريكي وتدحرج أهدافه

لقد سقط مشروع الشرق الأوسط الجديد وتمت عرقلته على يد الرئيس الأسد باعتراف هيلاري كلينتون، وأصبح تشظي سوريا جزءًا من الماضي، وتحول الأمريكيون نحو استراتيجية – ليرحل الأسد، ولكن ماذا بعد وما هو البديل؟- لتبرير هزيمة مشروعهم، ودحرجته نحو التقسيم.. فقد أسقط الجيش السوري وحلفاؤه كل أهدافها العسكرية، منذ أن اتجهت الدولة السورية لتطهير الإرهاب إنطلاقًا من المركز وباتجاه الأطراف، فكانت معركة القصير، ومعارك القلمون وتحرير حمص وحلب وتدمر، مفاصل أساسية، مهدت للإنطلاق نحو تطهير الأرياف، وصولًا نحو الإمساك بكافة الحدود.

 

السيطرة على أدواتها وعزلهم وابتزازهم

إن هزيمة واشنطن دفعتها لضبط تمرد حلفائها، وإبعادهم عن التفاهمات والتسويات، وللتعويض عن خسائرها، فدفعت بترامب لزيارة الخليج وإفراغ جيوبه هدايا وأتاوات وصفقات واستثمارات، ولرمي حزامه الناسف بين المشروع الإخواني والوهابي فأصاب دول الخليج ومصر وتركيا، في صراع لن ينتهي دون إشارة منه.. فيما أعلن عن نهاية برنامج تسليح المعارضة السورية "المعتدلة"، والتي بات "ممثلوها" السياسيون في وضع لا يحسدون عليه، مع إنكشاف حقيقة مواقفهم وعمالتهم وأطماعهم الشخصية.

 

آلية هزيمة واشنطن وحلفائها وعبيدها ومن استأجرت أوهامهم

1- هزيمة واشنطن: فقد أتت هزيمتها مع سقوط كل خطوطها الحمراء، وفشل تنظيماتها ومجموعاتها الإرهابية في تحقيق أي نصر عسكري مؤثر، وفشلها السياسي والدبلوماسي عبر مشاريعها المزيفة – المفبركة والتي احتاجت معها استصدار قرارات حاسمة لمجلس الأمن وتحت الفصل السابع لضرب سوريا (الملف الكيماوي، ملفات الإبادة وجرائم الحرب، الملفات الإنسانية)، وعدم إمكانية شنها حربًا من خارج المجلس كما فعلت في غزو واجتياح العراق، بفضل عدم إمتلاكها الأدلة على إدعاءاتها وأكاذيبها، واصطدامها بالفيتو الروسي والروسي- الصيني المزدوج، على الرغم من قيامها بشن هجوم صاروخي في الشعيرات وإعتدائها بشكل مباشر على مواقع للقوات السورية في محور التنف وجبل الثردة وغير مكان.

كما أنّ التقاء الجيشين السوري والعراقي على حدود سايكس بيكو والتي حاول التنظيم مسحها، وإمساك الجيش السوري بشريط طويل على ضفاف نهر الفرات، بالتوازي مع طرد "داعش" و"النصرة" من الحدود المشتركة بين سوريا ولبنان في جرود فليطا وجرود عرسال، شكل صفعة مزدوجة مباشرة لمشروع إعادة رسم خارطة سايكس بيكو بنسخته الأمريكية، بالإضافة لتقدم الجيش في معارك البادية والتي يكاد أن يحسمها، ودخوله الحدود الإدارية لدير الزور والرقة وإقتراب تحريرهما، ما أفقدها مسببات وجودها في التنف، دون أن ننسى هزائمها في غالبية أرياف دمشق وغوطتها، ودفن مخطط الجنوب إلى غير رجعة.

 

2- هزيمة المشروع الإخواني والوهابي - "العربي": بات من المعروف أنها استجلبتهم وبكل وسائلهم للقتال عوضًا عنها، فأحرقت السفن الإخوانية مباشرة وصراحة في تونس ومصر، قبل أن تُهزم جحافلهم في كافة الساحات، فيما أحرقت السفن الوهابية بعد إنتهاء مهمتهم وفشلهم المطلق، وارتفاع تكاليف الدفاع عنهم أو الإحتفاظ بهم، ولخشيتها من التحاقهم بغير مشغل وغير مال، الأمر الذي من شأنه أن يصيبها و"إسرائيل" بالصداع!

 

3- هزيمة المشروع السلجوقي- الأردوغاني: الذي استحضرته بذريعة إرضائه عن "غُبنٍ" أصاب أجداده في اتفاقية لوزان 1923، لكن تحرير حلب قضى على الجزء الأكبر من أحلامه وأطماعه، فيما قوبل مشروعه التقسيمي على أساس طائفي وبفرض مناطق عازلة برفض حليفه الأمريكي قبل غيره، واحتفظ بأكذوبة محاربة "داعش"، والحفاظ على الأمن القومي التركي، لكن عزله أمريكيًا عن تحرير الرقة أفقده حتى ماء وجهه، واتجه لإسطوانة عدم قبول بلاده بأي شكل كياني للأكراد في الشمال السوري، ويقف اليوم خائبًا، خائفًا، مهزومًا، مهدِدًا "بسيف الفرات"، وتحت وابل قذائفه التي تطال المدنيين في قراهم السورية، وعاجزًا عن التحرك، وينتظر بألمٍ شديد إعلان تطبيق إتفاق منطقة خفض التوتر الرابعة في محافظة ادلب والتي استبقها بصبغ أزلامه بعلم جبهة النصرة كعلامة "لاعتدالهم"، وقبل نفوق غالبية عناصرهم بالإقتتال على المصالح والأموال والنساء.

 

4- هزيمة العدو الإسرائيلي: والذي استحضرته واشنطن لتفسح له المجال لهضم الجولان السوري المحتل نهائيًا، ولابتلاع ما يشتهون من بشر وحجر ومقاومين، وتصفية القضية الفلسطينية، كي يتفرغوا للحلم الصهيوني "من الفرات إلى النيل" وللعداء لإيران.

 

5- غياب أفق المشروع الإنفصالي لبعض الأحزاب الكردية: لم يرتح السوريون يومًا لعلاقات بعض أكراد سوريا مع واشنطن، ولا لدعمها لهم أو لتفضيلها الإعتماد عليهم في قتال "داعش"، فلطالما كانت مخادعة ومراوغة وكاذبة، إن مخاوفهم من التوغل التركي بهدف الإحتلال، لا يبرر إنخراط البعض منهم في مشروعها التقسيمي، وواهم من يعتقد أن واشنطن ستخوض حربًا خاسرة سلفًا لأجل مصالحهم، مقابل تخليها عن مصالحها مع الدولة التركية-الأطلسية، في وقت لا تملك واشنطن القدرة على فرض أو تطبيق "قانون التقسيم الإداري للنظام الفدرالي الديمقراطي" وحمايته، وتبدو معه قدرة مطلقيه الإنفصاليين على إختراق شبكة المصالح المتقاطعة المعقدة لموسكو وواشنطن وتركيا وإيران وسوريا، مراهنةً خيالية، ولا تصب في مصلحة الكرد السوريين، ولا تبرر إنفصالهم عن وطنهم الحقيقي سوريا. في الوقت الذي تتجه فيه الحرب نحو الحل السياسي على حساب الحل العسكري، وانفتاح الحكومة السورية على الحوار السوري-السوري الشامل، المدعوم بالعديد من القرارات الدولية، وأن الدستور الجديد للبلاد سيعطي الجميع فرصة المساهمة فيه.. ناهيك عن إنسداد أفق هذا الطرح على المستوى الشعبي لكافة السوريين بما فيهم غالبية الأكراد، بالإضافة لموقف الحكومة السورية الرافض والمحذر من مغبة هذا الطرح وأنه "يشكل مساسًا بوحدة الأراضي السورية، ويتناقض مع الدستور والمفاهيم الوطنية والقرارات الدولية"، والذي تعتبره بلا قيمة وبلا أثر قانوني..

 

كما سبق لموسكو أن رفضت أي طرح أحادي خارج إطار الحوار السوري– السوري في جنيف، وحذت حذوها واشنطن وسبق لها أن أعلنت عدم اعترافها بأي منطقة شبه مستقلة أو أي حكم ذاتي في سوريا، وسط تأييدها مرارًا لوحدة الأراضي السورية..

في وقت تتحدث فيه مصادر إعلامية عن خلافات بين "قسد" وواشنطن، على خلفية الصمت الأمريكي على القصف المدفعي التركي للقرى والبلدات والمدنيين في منطقة عفرين، وتطميناتها بسحب سلاحهم بعد الإنتهاء من قتال "داعش"، ناهيك عن مطالبتها لهم بمساندة إرهابييها في التنف، واستقدامها لقوات من "الجيش الحر" من البادية وتجميعها في منطقة الشدادة بما يمنحها فرصة شن هجمات أمريكية – إرهابية على دير الزور.

وهذه الأمور بمجملها ساعدت على تسريع الحوار القائم مع الدولة السورية، والتي انعكست تعاونًا وتنسيقًا عسكريًا بينهما، والذي سيترجم بالعمل المشترك في فك الحصار عن دير الزور وتحرير الرقة، وترجمة لشرعية معاركهم ضد "داعش" والإحتلال التركي، "في إطار حماية الوحدة الوطنية" – بحسب الوزير المعلم-.

 

الإتجاه للتعاون الحقيقي مع موسكو على الرغم من الشد والجذب

على الرغم من كل التجاذبات والعقوبات المتبادلة بين القطبين، تبدو واشنطن في موقع الضعيف ولا تملك أدنى فرصة للتخلي عن تعاونها مع موسكو، وقد تكون بالنسبة إليها بمثابة خشبة خلاص من المستنقع الذي أوقعت نفسها فيه، وأنها ماضية نحو تشكيل التحالف الدولي الموسع - الأوحد لمحاربة الإرهاب، الذي لطالما دعت موسكو إلى تشكيله، ويبقى من الأدلة على قرب إنتهاء المعارك العسكرية في سوريا، توافقها مع موسكو عبر إتفاق مناطق خفض التوتر، ولجوئها إلى المعركة السياسية والدبلوماسية، الخاضعة للشد والجذب عبر الملف السوري وغيره من الملفات العديدة التي تحكم العلاقات والمنافسة والخصام بين الحليفين السابقين.

 

سورية تقول لأعدائها.. اربحوا خسارتكم، أو اذهبوا إلى الجحيم

فشلتم وعودوا أدراجكم، فالحرب على سوريا انتهت حسابيًا وعمليًا، ولكم أن تبحثوا عن الوجه الآخر للعلاقة مع سوريا الدولة القوية المنتصرة، الضامنة للأمن والإستقرار في المنطقة على قاعدة استعادة كامل الحقوق العربية.. واشكروها على دفاعها حتى عنكم، قبل أن تلتهمكم النار التي أشعلتموها بتطرفكم ومالكم وأوهامكم بالريادة وبإتباع العرب ودول المنطقة بسياسة عروشكم البائدة، فالإرهاب سيرتد عليكم وستلعنكم أجيالكم القادمة.. وتقول: ورطتم أنفسكم بكسر قواعد الإشتباك، وعليكم أن ترضخوا لمعادلات الردع الجديدة، فالعودة لما قبل 2011 أصبحت خلفنا، فكروا في السلام، وبإنهاء إحتلالكم لكافة الأراضي العربية.. وتقول: لا زال الوقت متاحَا قبل احتراق بلادكم التي تعج بالإرهابيين والمظلومين من شعبكم، وكره العالم لكم، فإن كنتم واعين وصادقين في حماية أمنكم القومي، أوقفوا إرهابكم وبعيدَا عن أوهام سلطانكم، وتقول: أبنائي، وظفوا جهودكم ودماء شهدائكم ممن ضحوا في قتال الإرهاب، لأجل إنتصاركم ووحدة وطنكم، لا لأجل تقسيمه ولأجل أمريكا وأوهامها وأكاذيبها.

 

ولكل من عاداها وقاتلها وأراق دماء أبنائها وهدر طاقاتها وهجّر شعبها تقول: اربحوا خسارتكم أو اذهبوا إلى الجحيم، فنحن ذاهبون إلى النصر الحتمي، ولكم في تعقلكم مصلحة لكم ولشعوبكم قبلنا، ومن له أذنان فليسمع.