إستراتيجية لملمة الملفات.. بقلم: رفعت البدوي

إستراتيجية لملمة الملفات.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٧ أغسطس ٢٠١٧

يجمع المراقبون المتابعون للسياسات الدولية والإقليمية على حصول متغيرات وتحولات أفضت إلى انقلاب ملحوظ في المشهد الدولي والإقليمي أرخى بظلاله على أزمات المنطقة انطلاقاً من حدث تحرير مدينة حلب التي اعتبر مفصلاً مهماً ونقطة تحول إستراتيجية في الأزمة السورية ومؤشراً جدياً على بداية كتابة الفصل الذي يؤكد إخفاق المشروع الصهيو أميركي المدعوم والممول خليجياً الهادف إلى تفتيت سورية الدولة وتحويل المجتمع السوري إلى شعب مشرد ومشتت في كل أصقاع العالم.
وبالنظر إلى مجريات الأحداث التي تلت تحرير مدينة حلب يدرك المراقب المتابع أن أدوات مشروع تفتيت سورية من تنظيمات إرهابية، آخذة بالتقهقر والتراجع تمهيداً للتخلي عنها بعد التأكد من أن تلك الأدوات الإرهابية باتت تشكل تهديداً مباشراً ليس على مشغليها وداعميها وحسب إنما على النظام العالمي والإقليمي الجديد الذي ترسم لوحته بريشة روسية مع حلفائها من جهة وبين أميركا والدول الخليجية التي تسبح في فلكها.
وعلى المقلب الآخر انتهز العراق نقطة التحول الإستراتيجي وحزم أمره بالتوجه نحو تحرير مدينة الموصل التاريخية التي أعلنت فيها عاصمة الخلافة بالخطبة الشهيرة لزعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي.
العراق بجيشه مدعوماً بالحشد الشعبي نجح في تحرير الموصل من تنظيم داعش ما شكل نقطة تحول إستراتيجية جديدة تضاف إلى إنجازات محور المقاومة ولم ينته الأمر بتحرير الموصل، بل إن استمرار تقدم الجيش العربي السوري محرزاً مزيداً من التقدم وتحرير المساحات الواسعة من الأرض السورية سهل عملية التقاء الجيشين السوري والعراقي عند نقطة الحدود المشتركة بين البلدين، ما أسهم في توجيه الضربة القاضية إلى الحلم الإسرائيلي الأميركي القاضي بإقامة كيانات إثنية وعرقية بين العراق وسورية من أجل تفتيت المنطقة وفصل الحدود بين سورية والعراق لعشرات السنين.
وإذا ما انتقلنا إلى ليبيا المكلومة الممزقة، نرى أن المشهد المأساوي أخذ بالتراجع وبدأ يتجه اتجاهاً مختلفاً بالتزامن مع احتدام الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي، ما أسهم إلى حد بعيد بوقف الدعم المالي غير المحدود للتنظيمات الإرهابية، كما أسهم في تقليص مناطق نفوذ أدوات المشروع الأميركي الخليجي من التنظيمات الإرهابية لمصلحة الجيش الليبي.
فها هي فرنسا تنجح في جمع رئيس الحكومة الليبية فايز السراج مع قائد الجيش خليفة حفتر لينتهي الخلاف المستحكم بين الرجلين بالإعلان عن اتفاق تبدأ معه مرحلة جديدة في ليبيا تحت مظلة الأمم المتحدة في دلالة واضحة على وجود رغبة دولية في الانتهاء من تلك الأدوات الإرهابية بعد أن ثبتت خطورتها على الأمن الإقليمي والعالمي.
وبانتقالنا إلى اليمن الذي أنهكته حرب ظالمة عبثية لأكثر من ثلاث سنوات من دون انقطاع، نرى أن نتائج خلاف دول مجلس التعاون الخليجي أرخى بظلاله إيجابياً على اليمن، فالمعلومات تشير إلى البدء بإعادة ترتيب الأولويات عند جميع الأطراف اليمنية الداخلية وحتى الدول المنغمسة في الحرب ولاسيما السعودية وإيران على أساس الشروع في صياغة اتفاق بين الأطراف المتصارعة يمكن من خلاله الوصول إلى نهاية المأساة.
وفي لبنان يعاني البلد انقساماً سياسياً داخلياً مستحكماً بين مختلف التيارات السياسية من معارض لمبدأ المقاومة اللبنانية معتبراً أن ما تقوم به المقاومة يشكل خرقاً للسيادة اللبنانية، وبين مؤيد للمقاومة ومتمسك بالمعادلة الذهبية المتمثلة بالجيش والشعب والمقاومة، معتبراً أن السيادة اللبنانية تبقى منتهكة ما دام وجود التنظيمات الإرهابية على الجغرافية اللبنانية محمياً من البعض في الداخل اللبناني تنفيذاً لأجندات إقليمية.
وتكللت العملية العسكرية المحكمة والناجحة التي قامت بها المقاومة اللبنانية بهدف تحرير جرود منطقة عرسال من التنظيمات الإرهابية بالنجاح، وسجلت المقاومة اللبنانية وبالتنسيق الميداني مع الجيش العربي السوري، انتصاراً استراتيجياً يضاف إلى تراكم نجاحات محور المقاومة وأنقذت لبنان من خطة لإذكاء نار فتنة محكمة من خلال دحر الإرهاب وكسر شوكة أهم أدوات المؤامرة على لبنان والوطن العربي.
نخلص للقول إن نجاح روسيا وأميركا في تنفيذ مناطق خفض التصعيد في سورية رغم توتر العلاقة بينهما، خاصة بعد فرض العقوبات الأميركية الاقتصادية على روسيا، لهو دليل على وجود تصميم دولي للبدء في عملية لملمة أزمات المنطقة بشكل عام وبصورة خاصة ملف الأزمة السورية، إضافة للأداة العسكرية التي استُعملت بالحرب على سورية وإنهاء مسببات وجود التنظيمات الإرهابية وإقفال سبل تمويلها.
إنها إستراتيجية لملمة الملفات والشروع في التسويات حسب التوازنات، ونحن على أبواب مرحلة جديدة ترسم فيها معالم توازن دولي إقليمي جديد تمتلك فيه سورية ومحور المقاومة الورقة الرابحة، ما يخول سورية أن تتبوأ مركزاً متقدماً وريادياً يمكنها رفض ومقاومة أي مشروع غربي ليس بمصلحة الجمهورية العربية السورية ومصلحة الأمة العربية ضمن خريطة النظام العالمي والإقليمي الجديد.