الصراع مع «إسرائيل» بين المقاومة والتطبيع..بقلم: عمر معربوني

الصراع مع «إسرائيل» بين المقاومة والتطبيع..بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الأحد، ٢٧ أغسطس ٢٠١٧

يعود تاريخ بدء الصراع بين العرب و"إسرائيل" لعقود الى الوراء، عندما بدأت الحركة الصهيونية بتثبيت اقدامها في فلسطين من خلال تنظيم الهجرة اليها عبر استقدام مئات آلاف اليهود من اصقاع العالم في ظل وضعٍ ساده الكثير من الفوضى والنتائج التي لم تكن لمصلحة العرب بعد الحرب العالمية الأولى، وما اسفرت عنه اتفاقية "سايكس – بيكو" لناحية تقسيم المنطقة الى كيانات الهدف منها تحقيق مسألتين:
1-    تثبيت انقسام دائم بين مكوّنات المنطقة من خلال انشاء كيانات سياسية وظيفية كالنظام السعودي وفيما بعد النظام الأردني وممالك وامارات الخليج ودول تابعة وضعيفة بما فيها مصر وسوريا.
2-    تأمين اعلى مستوى من الأمان للكيان الصهيوني الناشئ، عبر تقديم كل اشكال الدعم له وخصوصًا العسكرية وصولًا الى تزويده بالتقنية العسكرية النووية لتحقيق التفوق الدائم على كل الجيوش العربية مجتمعة.
وإن كان الكلام عن مرحلة ما قبل نشوء الكيان الصهيوني قد مرّ بالعديد من المحطات التي يطول ذكرها، والتي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالعديد من المخططات التي تمّ وضعها بهدف السيطرة على المنطقة وثرواتها انطلاقًا من العاملين المذكورين اعلاه وهما تقسيم المنطقة العربية الى كيانات وانشاء الكيان الصهيوني.

حتى سنة 1952 بعد اربع سنوات من نشوء الكيان الصهيوني، كانت الأمور تسير بالشكل المرسوم لها بفارق اندلاع ثورة الضباط الأحرار في مصر والتي حصلت بسبب اشتراك اغلب الضباط الذين شاركوا بالثورة بما سمّيَ حينها حرب الإنقاذ وادراكهم مدى التآمر الذي شاركت به الكيانات العربية حينها، سواء لجهة المشاركة بالخطط القاضية بنشوء الكيان او صفقات الأسلحة الفاسدة التي سُلمت للجيوش العربية وكانت وبالًا عليها، اضافة الى العوامل الداخلية المرتبطة بسوء ممارسات النظام الملكي في مصر.
شكّلت ثورة الضباط الأحرار حينها نافذة النور الوحيدة في بحر من الظلمة، وكان لطرح قضية فلسطين صدىً كبيرًا في تشكّل روح ثورية عارمة على مستوى الجماهير العربية وصلت بعد سنوات وخصوصًا بعد هزيمة اطراف العدوان الثلاثي مدًّا جماهيريًا ادّى الى تغييرات جوهرية في شكل وبنية الصراع، رغم خسارة 1967 التي كانت محطة تمت الإستفادة منها فيما بعد لتحقيق انتصار حرب تشرين عام 1973 والتي اعادت العرب الى ساحة السياسة الدولية واكدّت قدرة المقاتل العربي على الإنتصار في ظل ظروف معقدة، في حين ان نكسة 1967 كان يُراد منها كسر ارادة القتال وانهاء قضية فلسطين حيث كان الرد مزيدًا من التمسك بالقضية وانطلاق منظمة التحرير الفلسطينية كحالة ثورية عسكرية ورد على عنجهية الكيان الصهيوني وداعميه.

منذ سنة 1952 حتى سنة 1973 يمكن القول ان الحالة الثورية المقاوِمة كانت في حالة صعود، إلّا ان الإستثمار في نتائج حرب 1973 جاء مخيبًا للآمال بسبب الممارسات التي واكبت سلوك انور السادات والذي توّج سلوكه وممارساته بالذهاب الى الكيان وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، وهي اتفاقية التطبيع الأولى التي تلتها اتفاقية وادي عربة مع الأردن واتفاقية اوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي الوقت الذي شكّل فيه اجتياح لبنان عام 1982 محطة سيئة ادّت الى خروج منظمة التحرير الفلسطينية وتوقيعها فيما بعد اتفاقية اوسلو، إلّا أنّ نشوء حالة مقاومة متجددة في لبنان بدأت مع جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وتطورت فيما بعد مع المقاومة الإسلامية التي استفادت من كل التجارب السابقة وسجّلت عام 2000 للمرّة الأولى بعد عقود من الهزائم والهبوط الإنتصار المدّوي على الجيش الذي لا يُقهر واخرجته ذليلًا من لبنان، علمًا بأن القوى الوطنية اللبنانية تمكنت من اسقاط اتفاقية 17 ايار التي سار بها حينها رئيس الجمهورية انذاك امين الجميل والتي كان يُراد منها اخراج لبنان نهائيًا من الصراع وتطويق سوريا واخضاعها، وهو الأمر الذي تأخرت مفاعيله الميدانية حتى سنة 2011 بعد سلسلة من محاولات الإخضاع منذ سنة 2003 بعد احتلال العراق وبعد الهزيمة الثانية للجيش الصهيوني عندما شنّ عدوان 2006 على لبنان، وهو الأمر الذي تكرّر في غزة اعوام 2008 – 2009 و2012 و2014 بهدف اخضاع المقاومة الفلسطينية، احد اجنحة المحور المقاوم الذي تشكلت ملامحه الأولى عام 1980 بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران بين سوريا وايران وفيما بعد حزب الله وفصائل من المقاومة الفلسطينية.

الآن وبعد ست سنوات ونصف من الهجمة على سوريا والتحولات الكبيرة والجذرية في الميدان لمصلحة محور المقاومة والتحولات المرتقبة ايضًا، لا نستطيع القول ان مشروع الهجمة قد هُزم ولكننا نستطيع التأكيد ان هذا المشروع في حالة تعثر كبيرة، واننا دخلنا مرحلة مختلفة في الصراع بعد ربط الحدود العراقية – السورية والانتصارات الكبيرة في سوريا والعراق، وكذلك الأمر في لبنان وصمود اليمن التي تتعرض يوميًا لأبشع المجازر بالمدنيين الأبرياء بعد ان دمّر العدوان السعودي اغلب البنية التحتية ورغم ذلك لم يستطع اخضاع اليمنيين الذي يطورون اساليب المقاومة والصمود.

في التوصيف، يمكننا القول ان الخط البياني لمحور المقاومة في تصاعد دائم وان الخط البياني لمحور الهجمة في هبوط، وهو ما ستتم ترجمته في المرحلة القادمة التي ستشهد تراجع الأدوات ودخول الصراع مرة اخرى بين محور المقاومة والأصيل الصهيوني الذي يعيش هذه الأيام حالة قلق وذعر بسبب المتغيرات الكبيرة والتي تجعل الصهاينة يعيشون حالة خوف وجودي حقيقية وهي الحالة التي قد تدفع الأمور الى المواجهة الشاملة ببعد استباقي لم يعد الصهاينة قادرين على تحمل تراكماتها المتصاعدة لمحور المقاومة، حيث يشعر الصهاينة هذه المرّة ان الصراع في ابعاده المختلفة لم يعد في مصلحتهم بسبب الخلل الديموغرافي وايضًا بسبب تنامي قدرات سوريا والمقاومة وايران وفصائل المقاومة الفلسطينية وعدم القدرة على اخضاع اليمن، وحيث سيقاتل محور المقاومة في اي مواجهة قادمة مجتمعًا وعلى كل الجبهات.
ولّى زمن الهزائم ودخلنا زمن الإنتصارات، وهو ما سيؤدي يومًا بعد يوم الى تراجع الأنظمة الوظيفية ووصولها الى مرحلة الزوال في ظل توفر عوامل الصمود والصعود والانتقال من الدفاع الى الهجوم بتوقيت محور المقاومة وليس توقيت محور الهجمة.