استراتيجية إمبراطورية لأفغانستان. بقلم: د. منار الشوربجي

استراتيجية إمبراطورية لأفغانستان. بقلم: د. منار الشوربجي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣٠ أغسطس ٢٠١٧

الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي معلناً سياسة إدارته في أفغانستان كان حافلاً بالعبارات البليغة وشحيحاً في التفاصيل، ولم يقدم للأميركيين والعالم أكثر من الإعلان عن أن الوجود الأميركي في أفغانستان مستمر لأجل غير مسمى.

فترامب الذي طالما دعا، حتى قبل ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة بسنوات، للانسحاب من أفغانستان، عقد اجتماعاً في كامب ديفيد مع فريقه للأمن القومي، أو من يطلق عليهم تعبير «جنرالاتي»، ليعلن أن الولايات المتحدة ستكثف وجودها في أفغانستان. وهو بعد أن اعترف ضمنياً بالفشل الأميركي هناك، شرح الأسباب التي دعته لتغيير رأيه. فهو قال إن الانسحاب سيخلق فراغاً لن يملأه سوى الإرهاب.

ورغم أنه كان واضحاً من الخطاب أن الولايات المتحدة مستمرة في انتهاج ما أطلقت عليه إدارة أوباما «أف-باك» أي استراتيجية لأفغانستان تمتد لتشمل باكستان أيضاً، إلا أن ترامب أكد أن هناك «اختلافاً دراماتيكياً» عن سياسات سلفه. ومن بين أهم ما أشار له كتغيير محوري كان التأكيد على أن إدارته ستتعمد عدم الإفصاح عن أعداد القوات الإضافية التي سيتم إرسالها لأفغانستان.

ولن تعلن أبداً المدى الزمني لاستمرار وجودها هناك. أما الهدف من إرسال المزيد من القوات، فقد أكد ترامب على أنه لن يكون أبداً المساعدة في «بناء الدولة والمجتمع» وإنما سيكون التركيز فقط على «قتل الإرهابيين».

مشيراً إلى أن الاستراتيجية الجديدة «ستحددها الأوضاع على الأرض لا جدول زمني تسعفي». ثم أضاف أن من بين الجديد في استراتيجيته هو التكامل بين العسكري والدبلوماسي والاقتصادي، فضلاً عن منهج جديد في التعامل مع باكستان.

والحقيقة أن عدم الإفصاح عن عدد القوات والجدول الزمني معناه الوحيد استمرار الوجود الأميركي لأجل غير مسمى. فالجدول الزمني هو أحد المعايير التي يستخدمها الكونغرس، المنوط به دستورياً الرقابة على أداء المؤسسة التنفيذية، لتقييم الأداء ومدى النجاح أو الفشل الذي تحققه تلك القوات. ومما يؤكد ذلك المعنى أن تعريف النصر.

كما حدده الخطاب يصعب قياسه فهو «مهاجمة أعدائنا والقضاء على داعش والقاعدة ومنع طالبان من كسب أرض جديدة وحماية الولايات المتحدة من هجمات الإرهابيين»، وتلك لغة فضفاضة للغاية إذ كيف يمكن مثلاً قياس «مهاجمة» الأعداء؟

أما التكامل بين أدوات السياسة الخارجية المختلفة فرغم أنه ليس جديداً إلا أنه خال تماماً من التفاصيل حتى إن الاستراتيجية الجديدة بدت وكأنها معتمدة بالكامل على المكون العسكري، بل وتأجيل تلك المكونات الأخرى لحين «تحقيق فاعلية» من جانب تلك القوات. فرغم أن ترامب ألمح إلى إمكانية دخول طالبان طرفاً في المفاوضات السياسية، إلا أنه ربط ذلك بقوله «يوماً ما وبعد جهد عسكري فعال»، ربما يكون ذلك ممكناً.

ورغم أن الرئيس الأميركي اعتبر الضغط على باكستان «جديداً» في سياسة بلاده، إلا أن إدارة أوباما كانت تفعل ذلك بالفعل وهناك عشرات التقارير في هذا الصدد.

إلا أن الجديد بالفعل في خطاب ترامب كان إقحام الهند في المعادلة ومطالبتها علناً بالإسهام بدرجة أكبر في أفغانستان، عبر المساعدات الاقتصادية وجهود التنمية. بعبارة أخرى، بدا وكأن استراتيجية أميركا الجديدة هي قيام الهند بمهمة «بناء الدولة والمجتمع» في أفغانستان التي قال ترامب إن بلاده لن تقوم بها، والسبب، عنده، هو أن «الهند تكسب المليارات من تجارتها مع الولايات المتحدة.

ونريدهم أن يساعدونا بدرجة أكبر في أفغانستان». وهو الأمر الذي يتسق مع موقف ترامب من الدول التي تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري معها. بعبارة أخرى، وباستثناء دور الهند، بدت الاستراتيجية الجديدة لا جديد فيها، بل وخلت من التفاصيل التي تجعلها بمثابة استراتيجية أصلاً.

لذلك كان لافتاً رد فعل الإعلام الأميركي، بل والدوائر السياسية تجاه ما جاء في خطاب الرئيس. فلعلها مفارقة أشار لها حتى بعض المراقبين الأميركيين المنصفين، أن الإعلام الأميركي الذي لا يكف عن انتقاد ترامب وجده فجأة «يبدو رئاسياً» عندما أعلن استمرار الوجود العسكري في أفغانستان!

وقد أكد ذلك الإعلام أن أفغانستان هي أطول الحروب الأميركية مكرراً ما قاله ترامب نفسه من أنها استمرت 17 عاماً، رغم أن الصحيح هو أن التورط الأميركي هناك بدأ منذ نهاية السبعينات حينما سعت أميركا في عهد جيمي كارتر لاستدراج الاتحاد السوفييتي لغزو أفغانستان فيما أسماه مستشاره للأمن القومي بريزينسكي «فيتنام السوفييتية».

لكن لعل الأهم من هذا وذاك والذي يستحق الـتأمل والدراسة هو رد فعل الدوائر السياسية الأميركية إزاء خطاب الرئيس. فما يسمى بالوسط السياسي والذي يضم جمهوريين وديمقراطيين أثنى على الخطاب وبدا وكأنه يتنفس الصعداء لأن ترامب لم ينفذ تعهداته الانتخابية بالانسحاب من أفغانستان.

والمفارقة هنا، هي أنه بغض النظر عما إذا كانت الاستراتيجية غامضة أو بلا أفق واضح للنجاح في تحقيق أهدفها، فإن الدوائر السياسية في واشنطن صارت تفضل الطابع الإمبراطوري للسياسة الخارجية الأميركية على أي شيء آخر.