لبنان من اغتيال الرئيس الحريري إلى تحرير الجرود..بقلم: عمر معربوني

لبنان من اغتيال الرئيس الحريري إلى تحرير الجرود..بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الأحد، ٣ سبتمبر ٢٠١٧

يعود تاريخ الإنقسام بين اللبنانيين الى زمن بعيد للوراء ما بعد منح لبنان الإستقلال من الإنتداب الفرنسي مباشرة سنة 1943، حيث كان تثبيت الكيان اللبناني ببعده الحالي تتويجًا لما سُمّي بدولة لبنان الكبير في الأول من ايلول/سبتمبر، والذي صادفت ذكراه الـ97 البارحة، وهو الكيان الذي تكوّن بناءً على قرار عصبة الأمم بوضع سوريا تحت الإنتداب الفرنسي، والذي قام على أساس إضافة مدن الساحل والبقاع وطرابلس والجنوب وسهل عكار إلى المنطقة التي عرفت تاريخيًا بمتصرفية جبل لبنان الذاتية الحكم والتابعة للعهد العثماني.
يجري تداول السلطة في لبنان حتى اللحظة على اساس طائفي استنادًا لإحصاء سنة 1932، الذي صنف اللبنانيين على اساس طائفي وليس وطني وهي المعضلة التي لا تزال رأس العلّة في الإنقسام الحاصل والذي تغيرت الإصطفافات فيه كثيرًا.

فالمسلمون بشكل عام رفضوا قيام لبنان الكبير لأنه حولهم من اكثرية في ظل العهد العثماني الى اقلية، خصوصًا ان رغبتهم بالإنضمام الى دولة عربية كبرى برئاسة الملك فيصل لم تتحقق اضافة الى رفضهم فكرة الإنتداب من اساسها.

الإنقسام الأول بين المسلمين اللبنانيين جاء بعد موافقة الحركة الوطنية السورية على الشروط الفرنسية لمنح الإستقلال بأن تعترف الحركة الوطنية السورية بالكيان اللبناني، وهو ما حصل ما دفع بعض المسلمين في لبنان الى الدخول في تبني "اللبننة"، وهو الأمر الذي عملت عليه قوى النهب الدولي حتى اللحظة في تنامي وترسيخ "اللبننة" حتى وصلت الى حد طرح تيار المستقبل شعار "لبنان أولًا" كشعار يُراد له في حال تعذر اعادة الإمساك بالمنطقة بعد تفكيكها ان يكون مثالًا لـ"سوريا أولًا" و"العراق أولًا" وكل كيان على حدة أولًا، وهو أمر في غاية الخطورة يمسّ هوية المنطقة سواء كانت عربية بالنسبة للقوميين العرب او سورية بالنسبة للسوريين القوميين الإجتماعيين، وهو في كل الأحول ليس موضوع بحثنا.

ربما كانت المقدمة طويلة بعض الشيء ولكنها برأيي كانت التوطئة التي لا بد منها كتعريف بطبيعة المشكلة منذ بدايتها ضمن عناوين اساسية تتحرك بحسب المرحلة والحاجة بما يلبي رغبات الناهب الدولي عبر ادواته المتغيرة والمتبدلة.

ومع ضرورة التذكير بما حدث عام 1958 ونتيجة اللاغالب واللامغلوب وما نتج عن اتفاق الطائف الذي انهى الحرب اللبنانية في بعدها العسكري ولم ينهها في بعدها السياسي، لا يزال التجاذب في كل مراحل ما بعد الطائف هو سيد الموقف، حيث كان مجيء الرئيس الحريري على رأس الحكومة اللبنانية عام 1992 مرتبطًا بالأجواء التي كانت سائدة حينها والمرتبطة بتسوية شاملة للصراع العربي – الصهيوني، وهو ما حاول المعنيون به ترجمته في القمّة العربية التي انعقدت في بيروت عام 2002 والتي وافقت خلالها على "مبادرة السلام العربية" التي اطلقها الملك عبدالله والتي تعامل معها الصهاينة ولا يزالون كأنها لم تكن.

التحول الأخطر في تاريخ المنطقة حصل بعد احتلال اميركا للعراق عام 2003 لندخل مباشرةً في شكل مختلف من الصراع قائم على الهيمنة المباشرة والتهديد والإخضاع، وهو ما حصل بشكل مباشر مع الرئيسين بشار الأسد واميل لحود خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول لهما بعد احتلال العراق، والتي رفض فيها الرئيسان السوري واللبناني التهديدات الأميركية بالمطلق وهو ما جعل اميركا تبدأ بسلسلة تحركات لتحضير الأجواء للمرحلة القادمة والتي تهدف لإخضاع سوريا والمقاومة في لبنان.

أ‌-    اقرار قانون محاسبة سوريا في مجلس الشيوخ الأميركي اواخر في شهر تشرين الأول سنة 2003 بعد ان صدرعن مجلس النواب الأميركي قبل شهر من تاريخ اقراره في مجلس الشيوخ، علمًا بأن القرار كان قيد التداول والنقاش منذ عام 2002.

 ونص قانون محاسبة سوريا على أنّ سياسة الولايات المتحدة هي:
1- أن سوريا تتحمل مسؤولية كل الهجمات التي يشنها حزب الله وباقي التنظيمات الإرهابية التي لها مكاتب في دمشق أو قواعد في المناطق التي تحتلها سوريا من لبنان.
2- أن الولايات المتحدة ستعمل على حرمان سوريا من القدرة على مساندة أعمال الإرهاب الدولي، وكذلك جهودها لتطوير أو حيازة أسلحة دمار شامل.
3- ستواصل واشنطن إدراج سوريا على لائحة الدول التي ترعى الإرهاب إلى أن توقف دعمها لحزب الله والجماعات الإرهابية الأخرى، وتتخلى عن استضافة تلك المنظمات في دمشق.
4- أن استعادة لبنان لسيادته الكاملة ووحدة أراضيه أمر يدخل في نطاق المصلحة القومية للولايات المتحدة.
5- أن سوريا انتهكت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 520 الصادر عام 1982 بمواصلتها احتلال لبنان.
6- أن التزام سوريا بالانسحاب من أراضي لبنان لا يرتبط بتحقيق تقدم في المفاوضات السورية أو اللبنانية مع "إسرائيل".
7- أن حيازة سوريا لأسلحة الدمار الشامل والصواريخ الموجهة يهدد أمن الشرق الأوسط والمصالح القومية للولايات المتحدة.
8- أن سوريا انتهكت كذلك قرار مجلس الأمن رقم 661 الصادر عام 1990، وكذلك قرارات لاحقة للمجلس بقيامها بشراء البترول من العراق.
9- ستقيد الولايات المتحدة المساعدات الأمريكية لسوريا، وستعارض تقديم مساعدات دولية لها حتى تسحب قواتها من لبنان، وتوقف تطوير أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الموجهة، وتلتزم بقرارات مجلس الأمن.

ان صدور قانون محاسبة سورية لم يؤثر في مواقف سوريا، وهو الأمر الذي جعل اميركا ومعها فرنسا وبريطانيا يتجهون لإصدار قرار دولي هدفه السياسي إخضاع سوريا واجبارها على تقديم التنازلات المطلوبة، وهو ما حصل من خلال اصدار مجلس الأمن القرار 1559 في 2 أيلول/سبتمبر عام 2004، وأهم ما جاء فيه:

1.    يؤكد مجددًا مطالبته بالاحترام التام لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي تحت سلطة حكومة لبنان وحدها دون منازع في جميع أنحاء لبنان.
2.    يطالب جميع القوات الأجنبية المتبقية بالانسحاب من لبنان.
3.    يدعو إلى حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها.
4.    يؤيد بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية.
5.    يعلن تأييده لعملية انتخابية حرة ونزيهة في الانتخابات الرئاسية المقبلة تجري وفقًا لقواعد الدستور اللبناني الموضوعة من غير تدخل أو نفوذ أجنبي.
6.    يطالب جميع الأطراف المعنية بالتعاون تعاونًا تامًا وعلى وجه الاستعجال مع مجلس الأمن من أجل التنفيذ الكامل لهذا القرار ولجميع القرارات ذات الصلة بشأن استعادة لبنان لسلامته الإقليمية وكامل سيادته واستقلاله السياسي.
7.    يطلب إلى الأمين العام أن يوافي مجلس الأمن في غضون ثلاثين يومًا بتقرير عن تنفيذ الأطراف لهذا القرار، ويقرر أن يبقي المسألة قيد نظره الفعلي.

بتاريخ 14 شباط 2005 كان لبنان امام زلزال خطير لا تزال تردداته حتى اللحظة وهو اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي اطلق الصراع ببعد غير مسبوق، في اشارة الى اني قمت بمقاربة وتحليل الإغتيال في مقالة سابقة من العام الحالي بعنوان "من أغتال الرئيس الحريري؟"، وشرحت فيها تداعيات الإغتيال وظروفه والكثير من المسائل التقنية والأهداف السياسية المرتبطة به، ومن ضمنها وعلى رأسها إخراج الجيش السوري من لبنان وابتزاز سوريا واجبارها على تقديم تنازلات لم تصل اميركا بشأنها الى اي مكان حتى اللحظة.

ما بعد إغتيال الرئيس الحريري ليس كما قبله بالتأكيد، فقد تم استغلال الإغتيال في البعد السياسي بشكل غير مسبوق وأدّى الى حدوث اصطفافات مغايرة واحدث الأمر انقسامًا اريد له ان يكون ببعد مذهبي على قاعدة الإتهام السياسي لسوريا وحزب الله، وعلمنا حينها ان رأس سوريا والمقاومة في لبنان وفلسطين هو الهدف الرئيسي واننا امام مرحلة شديدة الخطورة، وهو ما تمثل بعدوان تموز 2006 على لبنان بعد تنفيذ المقاومة عملية اسر جنود صهاينة لمبادلتهم بالأسرى اللبنانيين في السجون الصهيونية، وهو ما تم لاحقًا من خلال تحرير عميد الأسرى الشهيد القائد سمير القنطار ورفاقه.

خرجت المقاومة في لبنان منتصرة بعد 33 يومًا من العدوان، الذي اطلقت خلاله كونداليزا رايس مشروع الشرق الأوسط الجديد بالمنظور الأميركي بحضور قادة 14 آذار في لبنان، والذين وقفوا موقفًا معاديًا من المقاومة لا يزال كما هو حتى اللحظة.

استحقاق لا يقل خطورة عن عدوان تموز 2006 حصل في 7 ايار 2008، حيث كنا امام مواجهات عسكرية بين حزب الله وحلفائه من جهة وتيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي من جهة أخرى تسببت بها سلسلة من الضغوطات كان أخطرها القراران الخطيران في مجلس الوزراء بغياب وزراء حركة امل وحزب الله، بإقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير وتفكيك شبكة اتصالات المقاومة الأرضية التي كانت عصب المعركة وأحد الأسباب الرئيسية في نجاح منظومة القيادة والسيطرة خلال العدوان، حيث لم يتمكن العدو من عزل الوحدات المقاتلة عن القيادة وهو ما ساعد في استمرار المواجهة.
القراران لم يكونا سببًا وحيدًا للمواجهة، فإنشاء تيار المستقبل لشركة الأمن SECURE PLUS والتي كانت تُعّد لمواجهة المقاومة وليس لقتال العدو الصهيوني كان سببًا جعل المقاومة تقوم بعمل استباقي قبل استفحال الأمر، وهو ما أدّى الى حسم الأمر بسرعة وانهى الشركة وفككها تحت ضغط المواجهة.

ادركت اميركا بعد سلسلة من المواجهات بما فيها العدوان على غزة عامي 2008 -2009 عجزها عن توجيه ضربة عبر الكيان الصهيوني لأجنحة سوريا في لبنان وغزة، فكان اطلاق الحرب على سوريا عام 2011 وهو الذي كان سبب انقسام مضاف في لبنان مرّ بالعديد من المحطات، وكان لدخول المقاومة على خط الحرب في سوريا تداعياته الإيجابية في حماية سوريا ولبنان معًا، وهو الذي تُوّج اخيرًا بتحرير الجرود الذي لا يزال السجال حوله مستمرًا.

في النتائج يدرك الأميركيون بشكل اساسي ان المتغيرات الكبيرة في سوريا ستنعكس على وضع لبنان، لهذا يستمرون في محاولة شد أزر ادواتهم حتى النفس الأخير، رغم اننا وانطلاقًا من ميزان القوى الحالي امام وقائع لا يمكن نكران نتائجها في تشكيل شرق أوسط جديد مختلف عما ارادته كونداليزا رايس ستكون فيه سوريا لاعبًا اساسيًا لا يمكن لأحد تجاهله، وهو ما يجب على القوى المعادية لسوريا في لبنان ادراكه قبل فوات الأوان أقلّه في البعد المصلحي المرتبط بلبنان ككيان يمكن ان تتغير معالمه الحالية على الأقل في البعد السياسي المرتبط بموقع لبنان من الشرق الجديد، فالرئيس العماد ميشال عون ليس زعيم المسيحيين اللبنانيين بل زعيم مسيحيي الشرق، والسيد حسن نصرالله ليس قائد المقاومة اللبنانية وحسب بل احد القادة الإقليميين الكبار، وهذان الأمران بحد ذاتهما تبدل كبير على اعداء سوريا قراءته جيدًا وعدم الذهاب الى المكابرة اكثر.