ماذا بعد دير الزور؟.. بقلم: عمر معربوني

ماذا بعد دير الزور؟.. بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الجمعة، ٨ سبتمبر ٢٠١٧

تعوّدنا أن يكون عنوان مقالاتنا بعد كل انتصار يحرزه الجيش السوري في منطقة ما ان نسأل ماذا بعد؟ ونُدرج اسم المدينة او المنطقة، لكن هذه المرّة يختلف سؤالنا عن المرّات السابقة لإرتباط الأمر بتحولات ومتغيرات ستؤسس لنهاية الحرب على سوريا، بدأت مع إطلاق عملية الفجر الكبرى وانتهت منذ يومين بفكّ الحصار عن مدينة دير الزور وحاميتي المطار والفوج 137.

قبل الدخول بمقاربة الموضوع، اود الإشارة سريعًا الى أنّ الغارة الصهيونية على مركز للبحوث العلمية بالقرب من مصياف يأتي في توقيت مشابه لغارات سابقة تمّ تنفيذها بعد كل انتصار يحرزه الجيش السوري وحلفاؤه، بفارق ان حجم ونتائج الغارة هذه المرّة لم يكن متناسبًا مع حجم الذعر الصهيوني بسبب سلسلة الإنتصارات، وهو أمر يسلب النوم من عيون القادة الصهاينة وعلى رأسه فك الحصار عن دير الزور وربط الحدود السورية – العراقية واستعادة مساحات هائلة من الجغرافيا السورية في اتجاهات البادية المختلفة، وهو الأمر الذي دحض وأنهى مقولة "سوريا المفيدة" التي تشدق اعداء سوريا بها كثيرًا واستخدموها لفترات ليست بالقليلة.
وحتى لا اطيل كثيرًا بما يرتبط بالغارة الصهيونية، فإني ارى ان الرسالة الأساسية من هذه الغارة تهدف الى تأكيد قوة الردع الصهيونية امام الجمهور الصهيوني، ومحاولة لرفع معنويات الجماعات الإرهابية لن تنفع في تعديل ميزان القوى ابدًا بعد دخوله مرحلة حاسمة لمصلحة محور المقاومة.

مع وصول القوات الى دير الزور وفكّ الحصار عنها نستطيع القول إنّ عملية "من البحر الى النهر" التي أطلقها الجيش السوري ما بعد الدخول الروسي على خط الحرب تسير على ما يرام وكما هو مُخطط، مع الإشارة الى أنّ عملية الفجر الكبرى هي عملية بمسمّى يرتبط بتقسيم الخطة الأساسية على غرار عملية تحرير الأحياء الشرقية في حلب وسائر العمليات اللاحقة في اتجاه ريف حلب الشرقي الشمالي والجنوبي وكذلك تحرير مدينة تدمر ومحيطها.

يعلم المتابعون لمقالاتي أنّي لم أغامر في استخدام المصطلحات وكنت حذرًا حتى في انتصار حلب الكبير ان أسمي النتيجة نصرًا هامًّا وليس استراتيجيًا، وهو ما ينطبق على باقي وسائر انتصارات الميدان في سوريا، رغم أننا بعد انتصار حلب كنّا على يقين ان هذا الإنتصار سيؤسس لتحولات جيوسياسية كبيرة لا بل كبيرة جدًّا، وهو ما شاهدناه مباشرة من خلال انعقاد لقاء استانة الأول الذي حضرته تركيا ولا تزال كضامن وشريك بنسبة مقبولة، وهو برأيي استدارة محدودة تتوسع زاويتها يومًا بعد يوم، لنكون امام التحول السياسي الأول الذي نتج عن استعادة الجغرافيا الهامّة وهي احياء مدينة حلب الشرقية في بعديها الميداني والمعنوي، وما تلاها من عمليات في الريف الشرقي الشمالي والجنوبي اغلقت الطريق على القوات التركية ومنعتها من التقدم باتجاه الرقّة، وهو عامل اضافي اجبر الأتراك على الذهاب الى استانة.

شكّل اتفاق مناطق خفض التصعيد مقدمة لفرض وتثبيت واقع جديد كان على رأس اولويات الدولة السورية وروسيا وايران لجهة حصر مناطق الإشتباك وإطلاق عملية الفجر الكبرى التي سبقتها انجازات كبيرة في محيط العاصمة دمشق ووادي بردى، سواء عبر الحسم العسكري او التسويات، كان اهم مكاسبها تأمين السيطرة على مساحات واسعة من الجغرافيا استطاع الجيش السوري ان يحرّر من خلالها تشكيلات عسكرية كبيرة كانت تعمل كقوات دفاع وتثبيت ويحولها الى قوات زجّ واقتحام ضمن عمليات جبهية، كانت اولى نماذجها واضحة لنا في عمليات ريف حلب الشرقي وبدأنا نراها بشكل كبير مع بداية عملية الفجر الكبرى، حيث كنا مع بداية العملية امام عمليات تطويق واطباق بنمط فكّي الكمّاشة ادّت الى عزل عصابات داعش داخل جيوب تم التعامل معها ضمن اقواس شبه مغلقة واجبارها اما على الإستسلام او الفرار، لينتج عن هذا النمط من العمليات مجموعة من النتائج:

1-    تحرير ما يقارب الـ65 الف كيلومتر مربع من اراضي البادية وارياف حمص وحماه والرقة ودير الزور بما تتضمنه من اهمية عسكرية واقتصادية وسياسية.
2-    تغيير وتعديل ميزان القوى بما يرتبط بالصراع مع الكيان الصهيوني وليس فقط مع أدواته الإرهابية، من خلال ربط الحدود السورية – العراقية، وهو امر مرتبط بخط الإمداد الإستراتيجي من طهران الى بيروت الذي سيغير من حجم القوى والوسائط التي ستشارك في اي مواجهة قادمة مع الكيان الصهيوني، وهو ما رفع مستوى الذعر لدى الكيان الصهيوني وسيرفعه اكثر بعد انجاز تحرير كل سوريا.

بعد فك الحصار عن دير الزور ستُستكمل العمليات لتحرير كامل المدينة وجوارها المباشر مع انهاء وضع البقعة الحالية بين دير الزور ومعدان شمالًا، والتي فقدت قدرة التأثير في الميدان ومن ثم تحويل دير الزور الى قاعدة الإرتكاز الأساسية لإستكمال عملية تحرير مدن وبلدات حوض الفرات من ثلاثة اتجاهات اساسية، وهي اتجاه دير الزور نحو الجنوب واتجاها المحطة الثانية وحميمة نحو الشرق، وهي العمليات التي لن تتوقف الا بالوصول الى البوكمال كآخر نقطة على الحدود السورية – العراقية وربطها مع باقي الحدود جنوبًا.

بعد دير الزور لن يكون كما قبله، فسيتم تفعيل المصالحات والتسويات في العديد من مناطق خفض التصعيد التي بدأت فيها ملامح تشكيل لجان المصالحة وخصوصًا في القلمون الشرقي والمنطقة الجنوبية، مع امكانية تفعيلها في الغوطة الشرقية وشمال حمص، لتبقى مشكلة ادلب التي ترتبط بالكثير من التعقيدات والتي قد تذهب للحسم العسكري، مع الإشارة الى أنّ آخر الملفات التي سيتم حسمها هي مسألة الأراضي التي تسيطر عليها القوات الكردية المدعومة من اميركا، ليبرز اليوم امر طارئ وهو انسحاب قوات العشائر من شمال شرق السويداء ومن الجنوب الشرقي لدمشق حيث سيتم نقلهم الى الشدادي بهدف المشاركة بعمليات تدعمها اميركا لقطع الطريق على الجيش السوري نحو الميادين والبوكمال بشكل اساسي، وهو ما اعتقد انه سيجعل الجيش السوري يفعّل عملياته نحو الإتجاهين من المحطة الثانية وحميمة كإجراء استباقي لمنع الأميركيين من تحقيق مكاسب ميدانية تهدف الى تحسين شروط المفاوضات وليس الى تعديل ميزان القوى الكلّي الذي بات تعديله لمصلحة الأميركيين صعبًا ومعقدًا.

في كل الأحوال سنكون في المرحلة القادمة امام تطورات هامّة لإستكمال الإنتصارات، حيث بات عاملا الزمان والمكان اكثر لمصلحة سوريا وحلفائها.