سورية تنتصر.. «وحي» فورد لا يبرر هزيمة بلاده.. بقلم: ميشيل كلاغاصي

سورية تنتصر.. «وحي» فورد لا يبرر هزيمة بلاده.. بقلم: ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

الجمعة، ٨ سبتمبر ٢٠١٧

تجاوز المشهد العسكري في سوريا آمال المتفائلين ومشاعر المتشائمين، وأصبح واقعًا ونصرًا منجزًا في أهم مفاصله، ويقينًا حسابيًا وعمليًا في جزئه المتبقي، على الرغم من شدة تعقيد المشهد وتشابك ملفاته وارتباطها الوثيق بالمشهد الدولي والإقليمي الذي بدأت معالمه تتّضح شيئًا فشيئًا، بعدما أنهى الرسام الدمشقي مرحلة وضع الخطوط الأساسية وانتقل إلى مرحلة تلوين خارطة سوريا الواحدة الموحدة بفسيفسائها الزاهي بألوان النصر من قاسيون الإباء والكرامة ومن أعلى قمم العالم ومركز توازنه، بالتوازي مع تفاوت التوقعات ومواعيد إنتهاء المعارك العسكرية، بحسب قدرة وذكاء اللاعبين على قراءة المشهد، وبات إنتقالهم إلى المعركة السياسية بكامل إنتصاراتهم وهزائمهم وخدوشهم وندوبهم حتميًا، ما فرض على الجميع تحضير المناخات والأدوات والأجندات المناسبة لخوض المعركة السياسية القادمة، وكل بحسب زرعه سيكون حصاده.

في المشهد العام

تبدو سوريا وحلفاؤها الطرف الأكثر هدوءًا وثقةً، بعدما راكمت حصاد إنتصاراتٍ ميدانية أطاحت بالمخططات والمشاريع الغربية الكبرى في سوريا والمنطقة، وبالأحلام الإقليمية والأحقاد الخليجية السخيفة، وبدأت الدولة السورية باقتلاع حقيقي لكافة التنظيمات والأذرع الإرهابية التي اعتمدتها واشنطن و"إسرائيل" بديلًا عن جيوشهما بأسماء وأشكال متعددة، بريطانية وأمريكية المنشأ، قاعدية الأصول.. في وقت تعجز فيه واشنطن عن إخفاء قلقها وارتباكها وانعدام أفق تحركها العسكري، يتعالى معه الصراخ الإسرائيلي الذي حمله نتنياهو إلى موسكو وواشنطن، على وقع معادلات الردع الجديدة والتمركز الجديد لمحور المقاومة، بالإضافة إلى تغير المواقف الأوروبية لصالح بقاء الرئيس الأسد ورمزية هذا الإعتراف.. فيما تغرق السعودية بهزائمها في كل الجبهات، وباتت تبحث عن تفادي استهداف الإرهاب لأراضيها، وعن آلية هادئة لإنتقال العرش إلى محمد بن سلمان الأهوج الصغير المسؤول عن الدماء اليمنية والقرارات المتهورة، والتي تكللت بهزائم كبرى في سوريا والعراق واليمن، وأفقدتها دورها العربي والإقليمي وعقّدت مهمة تلميع سمعتها أمام كافة دول وشعوب العالم.. فيما يترقّب أردوغان المنبوذ بصمت غير معتاد، تطورات المشهد خصوصًا في الشمال السوري، دون أن يجرؤ على تنفيذ ما هدد وتوعد به لسنوات.. في وقت تقترب فيه مصر من سوريا عبر خطوات سياسية لم ترتق بعد إلى مستوى العلاقات العسكرية والأمنية بينهما.. وسط إرتباك أردني بين الدور الوظيفي ووضوح موقف غالبية الشارع الأردني الداعم للدولة والشعب والجيش السوري، بالتزامن مع المشهد الدرامي لتهاوي المعارضات السورية الدونكيشوتية، في معارك بينية بحثًا عن مصالحها الخاصة ومصالح مموليها، وبين كلام المبعوث ديمستورا بضرورة حمل النتائج الميدانية إلى طاولة المفاوضات.

الإنتصارات والمشهد الميداني

من الأهمية بمكان العودة إلى توقيت تحرير حلب، الذي جاء بمثابة الفالق الأرضي وضربة الفأس المتقنة التي استهدفت الفترة الإنتقالية للإدارة الأمريكية، والتي مهدت لفتح مروحة التحرك العسكري السوري نحو تحرير دير الزور، إنطلاقًا من تحرير تدمر والبادية بما فيها محاصرة القوات الأمريكية والبريطانية في التنف، والوصول إلى الحدود العراقية، بالتوازي مع التقدم الكبير في ريفي حماة وحمص، ومهدت لاحقًا لتحرك القوات بإتجاه دير الزور، ونجاحها بالوصول إلى المدينة وإلتقاء قواتها وبفك الحصار عن مطارها العسكري وحاميته الصامدة منذ ثلاث سنوات، وأصبح التحرك نحو تطهير المدينة وإنقاذ أهلها المحاصرين مسألة وقت بما لا يتعدى بضعة أيام.. بالتأكيد جاء هذا الإنتصار، بعدما أنهى الجيشان السوري واللبناني والمقاومة تطهير ما تبقى من المناطق الحدودية على الجانبين السوري واللبناني، والقضاء النهائي على تواجد تنظيم "داعش" عبر التنسيق الكامل بين الجيشين والمقاومة، على الرغم من كل الأجواء والمناخات السلبية التي أشاعها بعض الساسة والأطراف اللبنانية إنسجامًا مع موقفهم السياسي المعروف ضد شعبهم ووحدة وطنهم، والذي يخدم ويصب في صالح العدو الإسرائيلي.

في المشهد الأمريكي

منذ أن أبرمت واشنطن إتفاق كيري – لافروف مع الدولة الروسية، وهي تدرك أن المعركة العسكرية على سوريا إنتهت حسابيًا، لكنها سعت لإطالة أمد المعارك بهدف تدمير الدولة السورية بداعي الإنتقام، وإضعاف محور المقاومة المنتصر الذي شق طريقه من طهران إلى بغداد ودمشق ولبنان وفلسطين المحتلة، وبهدف إدارة الصراع مع القوى الكبرى وعلى رأسها روسيا والصين وإيران وبعض المزعجين في أوروبا كألمانيا وفرنسا وتركيا، ولإبتزاز حلفائها.
واختبأت وراء ضعفها، وعدم قدرتها على منع الإنتصار السوري، ومواجهة عودة موسكو إلى غرفة قيادة العالم، في عالم متعدد الأقطاب، ورفعت شعار "أمريكا أولًا" لتتهرب بعجزها عن حماية أدواتها وخصوصا ربيبتها "إسرائيل"، وتقدمت بمشهد سخيف للصراع الداخلي بين ما يسمى بالدولة العميقة وإدارة الرئيس ترامب، ما سمح لهذا الأخير بتبريد بعض الرؤوس الحامية عبر إقالتها ورميها خارج البيت الأبيض والبنتاغون بطريقة مهينة، وأطلقت عنان السفير روبرت فورد لينطق "وحيًا" أمريكيًا وعلى دفعات وموجات، وأشبه ما يكون بصوت الدولة العميقة، ليبشر بنصر سوريا وروسيا وحزب الله، ويملي على العواصم الأوروبية ما يجب فعله، وضرورة لجم من تسول له نفسه التفكير بإعادة فتح السفارات والعلاقات الدبلوماسية مع دمشق، فمن الواضح أنها تجد صعوبة في إبتلاع وإجترار هزائمها، على الرغم من مراهنتها على كافة التناقضات والصراعات الخفية في الشمال والشرق السوري، عبر وعود واهية لتقسيم سوريا وتوزيع الغنائم على خدمها من الحالمين والإنفصاليين، من الذين شملهم وحي فورد بنصائحه حول ضرورة إتجاههم نحو التفاوض مع الدولة السورية، واستحالة مساعدتهم عسكريًا في تحقيق أحلامهم.

ما قبل المعركة السياسية

إذ تجد واشنطن نفسها بحاجة إلى سرقة ومصادرة نتائج النصر، وتهرع إلى زرع المفخخات على طريق المقاومة من طهران إلى العراق وسورية ولبنان، للتشويش ولفرض صورة ضبابية تعيق وضوح الرؤية على هذا الطريق وتعكر صفوه، فلجأت إلى تكليف السعودية بتبريد الأجواء مع إيران، وإعادة نسج العلاقات مع بعض الشخصيات والتيارات العراقية، ودفعت بكلمة السرّ لتعود "جوقة" لبنان إلى حفلات "زجلها"، للضغط على المقاومة وإرباكها وإشغالها في معارك وتفاصيل الداخل، فبدأت مباشرة بالتصويب والإصرار على ضرب العلاقات السورية – اللبنانية، من بوابة إنكار التعاون والتنسيق العسكري مع سوريا في معارك تطهير المناطق الحدودية في كلا البلدين، ومن باب التخوين وإعتبار النصر هزيمة و"عار" حيال صفقة ترحيل من تبّقى واستسلم من الإرهابيين بعد الضربات المحكمة والموجعة التي تلقاها التنظيم هناك، على الرغم من تحقيق الجيش اللبناني والمقاومة أهداف العملية العسكرية بالكامل.

صراخ نتنياهو

إن فشل الإدارة الأمريكية والإسرائيلية في الحرب الإرهابية على سوريا، يدفع إدارة ترامب للإسراع بتشكيل غرفة عمليات أمريكية جديدة في لبنان، تضمن لها قيادة المعركة السياسية من أقرب نقطة إلى دمشق و"تل أبيب"، بعدما أفضت نتائج الحرب الكونية على سوريا إلى كسر قواعد الإشتباك القديمة، واستبدلتها بمعادلات الردع الجديدة (الزحف نحو الجليل، استهداف حاويات الأمونيا، واستجلاب مئات آلاف المقاومين من أصقاع الأرض)، بالإضافة إلى تواجد حزب الله والحرس الثوري والمقاومة العراقية واليمنية والفلسطينية والمقاومة السورية إلى جانب قوات الجيش العربي السوري على حدود الأراضي المحتلة في لبنان والجولان السوري وفلسطين، ناهيك عن التواجد العسكري الروسي القوي والممتد على مساحة كبيرة من الأراضي السورية، في وقت لم تنفع معه دموع نتنياهو وخطوطه الحمراء واستجداؤه الضمانات الروسية في لقائه الأخير مع الرئيس بوتين في موسكو، وعلى الرغم من المناورات العسكرية الواسعة التي بدأها جيش العدو الثلاثاء 592017 والتي تحاكي حربًا مع "حزب الله"، ووصفت بأنها أضخم مناورات من نوعها منذ قرابة عشرون عامًا.. إذ يحاول نتنياهو إسماع صوته وصراخه وغضبه من توازي الإنتصارات العسكرية السورية وخاصة ما يحدث حاليًا في تحرير دير الزور، والذي يبشر بنهاية سريعة للحرب العسكرية، واندحار أدواتها الإرهابية التي دعمتها لسنوات وكلفتها عشرات الملايين من الدولارات بدون فائدة، ووجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع مصيرها المحتوم في أي مواجهة قادمة.

فقد جرت العادة أن تحمل المناورات العسكرية التي تقوم بها الدول رسائل لخصومها وأعدائها، لكن وعلى ما يبدو أن مناورات العدو الإسرائيلي الحالية - بطابعها الدفاعي -، سعت لطمأنة نفسها وجبهتها الداخلية فقط، فحالها لم يعد خافيًا على أحد، خصوصًا مع انتصار سوريا وتنامي قدرات محور المقاومة، ما يجعل مخاوفها قد أصبحت حقيقية ووجودية وجزءًا من الواقع، وعليه تبقى مناوراتها كصراخ الجبان والخائف في سيره بين القبور.

فلجأت اليوم إلى توجيه ضربة صاروخية على موقع عسكري بمنطقة مصياف في ريف حماة واستهدف مستودعًا للذخيرة في معسكر يستخدمه الجيش للإنطلاق نحو عمليات تطهير الأراضي السورية، في محاولة لتوجه صراخها في وجه واشنطن وموسكو تحديدًا، لتعرض قبولها بإنهاء الحرب على سوريا مقابل شروطها، ودونها تهديدٌ - فارغ - بإقحام المنطقة والعالم بحرب جديدة، لا نعتقد أنّ أحدًا في الكون قادر على منحها أية ضمانات، وهي أعجز من أن تشن حربًا على المقاومة في لبنان أو حربًا شاملة في سوريا، وعليها أن تجتر هزائمها وتقبل بنتائج الحرب المفتوحة لهذه المرحلة، فإمكانية تراجع محور المقاومة عن المكاسب التي حققها بدماء شهدائه تبدو مستحيلة، بالإضافة لعجز العالم كله عن إقناع الرئيس الأسد بالتراجع ولو قيد انملة عن إنتصارات دفع ثمنها السوريون أغلى الأثمان، فقد حمل الرئيس الأسد حلم السوريين بالنصر الكبير بما فيه الجولان، وبإستعادة كامل الحقوق العربية بتفويض الشعب السوري والشعوب العربية والمقاومة الحقيقية، ليس في الوطن العربي فحسب بل على مساحة العالم.

"وحي" روبرت فورد

لا يمكن الإعتماد على تفاسير "الوحي" الأمريكي للسفير فورد في تفنيد أسباب هزيمة المشروع الصهيو- أمريكي وحصرها بعدم توقع واشنطن دخول القوات الروسية والإيرانية وعشرات المقاتلين العراقيين وغيرهم للوقوف إلى جانب القوات السورية، وبعدم تقديم واشنطن مشروعًا سياسيًا مقبولًا تحمله أكتاف المعارضين، وبإدخال الإرهابيين إلى صفوفهم..
لا بد للسيد فورد معرفة أنّ سوريا انتصرت لأنها خاضت معركة الدفاع عن نفسها بمفهوم الدولة السورية الممثلة لكافة شعبها، وبعيدًا عن اللغة والمخطط الطائفي الذي رسمه مخططو الحرب، لتكون حربًا دينية طائفية يتصارع فيها محورين أو طرفين تمكنت واشنطن من تصنيع أحدهما على أكتاف وأحقاد وبدع السعودية وقطر وكل من لف لفهم وشكلوا الفريق المزيف والذي دعوه بالطرف "السني"، وانتظرت واشنطن أن يبتلع محور المقاومة والشعب السوري الطعم ويقعوا في فخ الإنقسام، وبالتأكيد سيكون النصر لصالح مشروع الدولة اليهودية الذي يحلم به قادة الحركة الصهيونية بنسخها الإسرائيلية والأمريكية - الغربية والعربية منذ أمد طويل.
لهذا تسعى واشنطن للتنقيب عمن يمضي بمشروعها في العراق ولبنان وبين صفوف المعارضات في سوريا وحتى في إيران، لذلك دفعت بالسعودية نحو إيران بهدف التهدئة، ونحو بغداد لتلقف موقف التيار الصدري وغيره، ونحو لبنان بصافرة البداية للوزير السعودي ثامر السبهان، للتحضير للمعركة السياسية القادمة في سوريا على المدى المنظور، ولتأسيس منصة الحروب القادمة على المدى البعيد، وهذا ما عبرت عنه هيلاري كلينتون بالعنجهية الأمريكية الذليلة، بقولها أن الرئيس بشار الأسد "عرقل مشروع الشرق الأوسط الكبير"، بما يعني الهزيمة المرحلية للمشروع وليس إنهاءه، على الرغم من عظمة الإنتصار، وضخامة تداعياته على مستوى سوريا والمنطقة والعالم.