الأكراد في العراق وسورية… فوضى جديدة ترسم حدود الشرق الأوسط

الأكراد في العراق وسورية… فوضى جديدة ترسم حدود الشرق الأوسط

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٧

مما لا شك فيه أن غالبية الأكراد العراقيين قالوا «نعم» في الاستفتاء ليحققوا حلم نحو 30 مليون كردي – يقطنون العراق وتركيا وسورية وأرمينيا – بإقامة دولة مستقلة بداية في كردستان العراق.

وعلى الرغم من إعلان الزعيم الكردي مسعود بارزاني ان الاستفتاء ليس سوى بداية مفاوضات مع الحكومة المركزية في بغداد وليس «طلاقاً» من دولة العراق، فهو يأمل أن يتم الاعتراف بالطريق نحو الاستقلال كحقيقة وواقع يفرضه على الجميع ويُقْبل من المجتمع الدولي. ومن المؤكد أن هذا الاستفتاء سيؤدي الى إعادة تعريف خريطة الشرق الأوسط – إذا طُبقت نتائجه – ولا سيما حدود سورية والعراق.

قال قادة أوروبيون وأميركيون إن خريطة الشرق الاوسط لن تعود كما كانت قبل العام 2011 – بالاشارة الى احتلال تنظيم «داعش» وأَثَره في تقسيم سورية والعراق – من خلال الملف الكردي. وهكذا فإن الإرادة الكردية لإقامة دولة مستقلة تعطي قوة أعظم لتركيا التي أصبحت في وضعٍ تَحمل فيه مفاتيح الدولة المستقبلية الكردية وتقسيم الشرق الأوسط. وفي الواقع فإن أنقرة ستلعب دوراً حاسماً في الأشهر المقبلة وسنة 2018 في إعادة رسْم خريطة بلاد الرافدين والشام.

إن كردستان تصدّر عائداتها الرئيسية النفطية عبر تركيا، ما يضع أربيل تحت رحمة انقرة. وبالتالي فإن من الطبيعي ألا تتردّد تركيا بإرسال قوات برية إلى كردستان إذا اعتبرت الاستقلال الكردي خطراً على أمنها القومي، وهو ما لن يتسبب بأي ردة فعل من بغداد.

وفي الأيام الماضية، زار وفد كردي بغداد مقترحاً تاريخاً محدداً للاستفتاء إذا قررت أربيل تأجيله وواضعاً شروطاً اعتبرتْها بغداد تعجيزية. وهذا ما دفع رئيس الوزراء حيدر العبادي الى اطلاق التهديدات ضد أربيل معلناً ان السماء أُغلقت بوجه الاقليم، وطالباً من تركيا وايران (اللتين استجابتا) اتخاذ الخطوة ذاتها، الا أن الحدود البرية لا تزال مفتوحة.

وقال نوزاد ادهم، مدير عام وزارة التجارة والصناعة في كردستان، ان حجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران من جهة واربيل من جهة اخرى يتجاوز الـ 10 مليارات دولار سنوياً. وتستورد كردستان العراق أكثر من 95 في المئة من احتياجاتها الزراعية وتعتمد على تركيا لتصدير نفطها.

ونجت كردستان من معظم الدمار الذي سببته حرب الخليج الأولى العام 1991، وكذلك ما سببه الاحتلال الأميركي العام 2003، وأيضاً الحرب على «داعش» العام 2014. ويسيطر الاكراد على مساحة 40 ألف كيلومتر مربع وعلى 40 في المئة من النفط العراقي، وتُقدر احتياطات كردستان النفطية بـ 45 مليار برميل نفطي، و150 ترليون مكعب من الغاز، وهي تصدّر نحو 560000 برميل من النفط اليومي عبر تركيا.

ويُعتبر النفط المصدر الاول للنزاع بين بغداد واربيل، ففي اكتوبر 2011، وقّع الأكراد صفقة مع شركة النفط الاميركية العملاقة «اكسون موبيل» – التي كان يترأسها وزير الخارجية الحالي ريكس تيليرسون – للتنقيب في ست كتل نفطية في كردستان من دون الرجوع الى بغداد. وهذا ما شكل أول مواجهة رسمية مع الحكومة المركزية. ومنذ ذلك التاريخ تمتنع كردستان عن تقديم أي حسابات لبغداد وتمنع عنها المراقبة المالية التي تتعلق بمراجعة واردات النفط التي استلمتها اربيل. ومنذ ذلك الحين تمتنع بغداد عن دفع 17 في المئة من اجمالي عائدات النفط حيث ان أربيل تبيع وتتصرّف بـ 25 في المئة من اجمالي عائدات النفط العراقي.

ويعتبر المسؤولون الغربيون ان أكراد العراق هم الشريك الاميركي الأفضل ضد «داعش». وللتذكير، فإن مسعود بارزاني كان أول مَن دعم احتلال «داعش» للموصل العام 2014 لأن التنظيم أعطى الفرصة التي انتظرها الأكراد لتقسيم العراق ايضاً. وقد فقدت القوات العراقية (ومعها قوات الحشد الشعبي) أكثر من 10 آلاف رجل لاستعادة غالبية المناطق التي احتلها «داعش» في حين ان الاكراد اقتصر عملهم على الدفاع عن كردستان واستعادوا مدينة سنجار الحدودية مع سورية بساعات قليلة ومن دون أي قتال يذكر بعد انسحاب «داعش» من المدينة.

ويعوِّل بارزاني على الاعتراف الدولي «بدولته الجديدة» في المستقبل على الرغم من الاعتراض الشفوي من اميركا وبريطانيا والامم المتحدة ودول أخرى. وكذلك يعتبر أنها «فرصة تاريخية لا تُفوّت» بينما تعتقد بغداد انها خطأ تاريخي سيندم عليه الأكراد لاحقاً. ومن المتوقع أن يتخذ العبادي تدابير متدحرجة ضد بارزاني لتطال الاكراد المقيمين خارج كردستان ومصالحهم ووظائفهم. وهناك أكثر من مليون ونصف مليون كردي موظف يتقاضى راتبه من الحكومة المركزية في بغداد سيجدون أنفسهم في موقف سيئ اليوم. ومن غير المستبعد ان تحدث اشتباكات ومواجهة عسكرية ولا سيما حول مدينة كركوك وحقولها خارج المدينة والمناطق المتنازع عليها.

أما في سورية فمن المتوقع أن يبدأ الاكراد المطالبة بالفيدرالية قبل الانتقال نحو خطوة «الدولة» كما هي الحال في العراق. وهذا سيدفع دمشق وأنقرة الى التعاون ما سيجبر الحكومة السورية على أن تؤجل مطالبتها باستعادة الأراضي التي تحتلها تركيا في الشمال السوري. إلا أن «دولة» او «فيدرالية» كردية غنية على حدود تركيا يشكل خطراً عليها أيضاً بسبب تواجد 16 مليون كردي فيها.

نعم يتمتع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمكانة مميزة اليوم في وسط العراق وسورية، إلا أنه يحتاج الى لعب هذه الورقة بمهارة وعناية فائقة لتفادي العواقب على أرضه، عندما يُظهِر أكراد العراق رغبتهم بإقامة دولة فإن كل أكراد المنطقة لن ينتظروا طويلاً قبل اتباع نفس المسار.

والواقع ان أكراد سورية يشكلون نحو 8 في المئة من مجمل التعداد السكاني ولكنهم يسيطرون على 25 في المئة من الاراضي السورية و40 في المئة من موارد الطاقة إذا استطاعوا السيطرة على آبار النفط والغاز في دير الزور وشمال شرق سورية. وها هم يبدأون بانتخابات البلديات المحلية وسيجرون انتخابات للمجالس المحلية ليتم انتخاب برلمان السنة المقبلة.

إن نهاية «داعش» على أراضي سورية والعراق مؤكَّدة بحلول نهاية العام 2017، الا ان من المؤكد ان الشرق الاوسط يدخل فوضى جديدة تضرب الحدود وتؤثر على استقرار المنطقة.