قصة "تاجر الصهاينة" والعراب الإسرائيلي لـ"الربيع العربي"

قصة "تاجر الصهاينة" والعراب الإسرائيلي لـ"الربيع العربي"

تحليل وآراء

الخميس، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٧

 لم توفّر إيران وتركيا وبالطبع العراق جهدا في سبيل منع الخطأ (أو من الأفضل أن نقول الخطيئة) الاستراتيجي الذي وقع فيه الأكراد في إقليم كردستان العراق بإجراء استفتاء الإنفصال. خطيئة يتحمل وزرها بشكل كامل شخص مسعود البارزاني الذي سعى القادة الإيرانيون والأتراك وحتى ساعات قليلة سبقت الاستفتاء إلى عدم كسر الجرة.

لعل السبب الرئيسي الذي دفع إيران وتركيا للرهان على تعقل بارزاني كان الانطلاق من مبدأ عدم توتير المنطقة وتحاشيا لتشديد الخلافات فيما بين القوميات الأخرى الغير كردية والأكراد. ولهذا السبب لم يتجهوا لخيارات أكثر تشددا لمعالجة الموقف كما هو الحال اليوم. هذا الأمر جعل بارزاني يستمر في سياسة صمّ الآذان وتوريط الأطراف الكردية الأخرى في لعبة قذرة هو المستفيد الأول والأخير منها.

على أي حال، أجري الاستفتاء وباتت سياسة اللين وقاعدة حسن النوايا البارزانية منسوفة كليا. وبالفعل ارتفع مستوى التصريحات الإيرانية والكردية ليعبر عن واقع حقيقي لم يعد من الممكن غض النظر عنه وهذا الواقع يمكن اختصاره بتصريحين صدرا عن مسؤولين رفيعي المستوى في إيران وتركيا. التصريح الأول صدر عن مستشار الشؤون الدولية للإمام الخامنئي السياسي المخضرم علي أكبر ولايتي الذي وصف بارزاني بعبارة صريحة لا تحمل التأويل قائلا: "هو تاجر للصهاينة" يهدف لتقسيم الدول الإسلامية من خلال ما سماه بإسرائيل ثانية وسط العالم الإسلامي وهو ما لن يُسمح به بالمطلق.

التصريح الثاني كان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصف مسعود بالخائن متوعدا اياه بعقوبات صارمة وغامزا إلى أن رفرفة العلم الإسرائيلي في الاقليم لن ينفعه.

هذان التصريحان المتقدمان وكونهما يعبران عن موقف ورأي أعلى مرجعيات كل من إيران وتركيا يؤكدان أن مرحلة البناء على حسن نوايا بارزاني قد انتهت لندخل مرحلة جديدة من المواجهة الصارمة لمنع قيام كيان يحقق أهداف الصهاينة وسيفكك العالم الإسلامي من الداخل. ومن الواضح أنه وفي هذه البرهة بالذات (وقد أشار ولايتي لهذا الأمر) بدأ الإعداد لمرحلة ما بعد داعش، حيث أن الخطة الغربية الصهيونية لتفكيك دول المنطقة من خلال هذا التنظيم قد باءت بالفشل، اليوم الورقة الأقوى بيد الغرب وتحديدا أمريكا وبريطانيا (من وراء الستار) والكيان الإسرائيلي بشكل علني هي ورقة الأكراد وعلى رأسهم بارزاني.

إسرائيل التي وعلى الرغم من منع رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو أعضاء حكومته من إطلاق تصريحات حول ما يجري في كردستان العراق لا يخفى على أحد دعمها الغير محدود لبارزاني وقراره بالانفصال. كما أن المنظمات الصهيونية العالمية استمرت تدافع عن قرار بارزاني وتكشف المزيد من الخفايا التاريخية في العلاقة بين بارزاني والكيان الإسرائيلي.

هنا من الجيد الإشارة إلى معلومات مهمة تؤكد الدور الصهيوني الأكيد والحتمي فيما جرى ويجري في إقليم كردستان العراق. إنه الفيلسوف الإسرائيلي – الفرنسي "برنارد ليفي" الذي يحلو لبعض العرب وصفه بـ"عراب الربيع العربي" وسبب التسمية أنه تواجد وكان له أدوارا بارزة في عدة ساحات عربية حدثت فيها ثورات وأزمات خلال الأعوام الماضية.

"برنارد ليفي" ظهر في تسجيل مصور خلال يوم الاستفتاء متواجدا مع عائلة بارزاني. حيث تشير المعلومات أنه وبتكليف من المنظمات الصهيونية العالمية حضر الاستفتاء وكان له الدور الرئيسي في توجيه الحملة الإعلامية والدعائية لمسعود بارزاني.

هنا وباختصار نشير إلى أن ليفي الفيلسوف والمنتج السينمائي هو شخصية مثيرة للجدل أخذ حيزا واسعا في الإعلام العالمي أثناء أحداث ما سمي بالربيع العربي، وقد حضر شخصيا في أكثر من ساحة مدعيا الدفاع عن حقوق المواطنين في وجه الأنظمة. ليفي هذا نفسه وعندما يتعلق بالكيان الإسرائيلي يرفض بشكل قاطع أي تعاطف مع الفلسطينيين ويعتبر الجيش الصهيوني هو الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم.

عام 2006 وبعد التظاهرات التي عمت العالم الإسلامي اعتراضا على الرسوم المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وقع مع مجموعة من الناشطين المعادين للإسلام بما فيهم سلمان رشدي بيانا حمل اسم "معا لمواجهة الشمولية الجديدة".

بعيد بدأ الأحداث السورية كتب مقالا وقعه وزير الخارجية الفرنسي السابق "برنار كوشنير" يطالب فيه الغرب بوقف ما سماه المجزرة التي يقوم فيها آل الأسد في سوريا. اليوم وبناء على تصريحاته العلنية في الإعلام هو يعمل حسب قوله على إنهاء "النهضة الإسلامية" في الشرق الأوسط وعلى ضرب النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال دعم الجماعات العلمانية التي تطمح للحرية والاستقلال.

هذا العرض المقتضب يوضح حقيقة دامغة وهي أن الكيان الإسرائيلي قد جيّر كل طاقاته ونفوذه من أجل المساعدة على تشكيل دولة كردية علمانية ليس من أجل مصلحة الأكراد ولا كرمى لعيون البارزاني وإنما حماية لإسرائيل من خلال تفتيت المنطقة والدول الإسلامية من الداخل.