ثلاث حروب محتملة في آسيا والشرق الأوسط.. بقلم: سليم نصار

ثلاث حروب محتملة في آسيا والشرق الأوسط.. بقلم: سليم نصار

تحليل وآراء

السبت، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٧

قبل فترة قصيرة كتب هنري كيسنجر مقالة تحت عنوان «فوضى ونظام في عالم متغيّر» اختصر فيها رؤيته للتطورات الإقليمية والدولية التي ستنشأ عنها، بحسب رأيه، حرب باردة تهدّد استقرار العالم. ونعى وزير الخارجية الأميركية الأسبق النظام العالمي الذي أسسه الغرب عام 1648، مؤكداً انفراط عقده على أطراف الشرق الأوسط.

ويعتبر المؤرخون أن معاهدة «وستفاليا» التي أنهت حروب الثلاثين سنة في أوروبا، تمثل أهم محطات السلام في عالم ذلك الزمان. وأعطى كيسنجر مثلاً على ذلك فقدان السيادة لدى أربع دول حوّلتها الحروب إلى ميادين للنزاع، هي: سورية والعراق واليمن وليبيا. ثم تساءل بعد ذلك عن طبيعة الكيانات التي سترث إقليم تنظيم «داعش». واعترف بصعوبة الجواب لأن الكيانات البديلة أصبحت موضع خلاف بين روسيا ودول الناتو. كما ازدادت حدة المزاحمة بين الدول المنتصرة وفي طليعتها روسيا وإيران وتركيا. ووصف تركيا بأنها تعرضت في عهد رجب طيب أردوغان إلى تحوّل عميق، وانتقلت من دولة علمانية إلى قوة إسلامية أيديولوجية.

وقال إن هزيمة «داعش» ستشرّع الأبواب أمام تعاون وثيق بين روسيا والدول الغربية. وفي حال تعذّر هذا التعاون، فإن تعاظم الفوضى سيصل إلى حدود دول نائية مثل الصين والهند. أي الدول المرشّحة للدخول تدريجياً إلى جانب روسيا بحيث تملأ فراغ نفوذ الغرب الآفل. وهذا بالطبع، يرجّح كفة العودة إلى نمط الحرب الباردة.

ومع أن كيسنجر ساهم أثناء عهد ريتشارد نيكسون في رسم معالم الخريطة الحديثة لبعض المناطق الاستراتيجية في العالم، خصوصاً منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه لم يتردد في الاعتراف بأن العالم الذي بناه الغرب عام 1648 قد تفكّك وتراجعت كياناته أمام هجمة الأيديولوجيات الإسلامية. على ضوء هذا التصوّر، فإن الحرب الباردة الذي حذّر كيسنجر من تداعياتها، وتخوّفَ من أن تنقلب إلى حرب ساخنة… هذه الحرب بدأت تتكون عناصرها في مواقع عدة، بدءاً من كوريا الشمالية، مروراً بكردستان، وانتهاء بإيران وإسرائيل.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب خرج عن المألوف في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ72، وهدّد كوريا الشمالية بمواجهة اختبار لم تشهد مثله من قبل. جاء هذا التهديد بعدما أجرت كوريا الشمالية سادس تجاربها النووية، الأمر الذي أحدث زلزالاً نسبته الدول المجاورة إلى بيونغيانغ خصوصاً بعدما توعّد وزير خارجية كوريا الشمالية ري يونغ هو بأن الزعيم كيم جونغ أون يبحث اختبار قنبلة هيدروجينية على نطاق لم يسبق له مثيل في المحيط الهادئ.

ومنظمة الصحة العالمية طالبت مجلس الأمن بضرورة التدخّل لمنع إجراء التجارب النووية في المحيط الهادئ. وذكّرت أنه قبل توقيع اتفاقية الحظر عام 1996، شهد هذا المحيط أكثر من مئتي تجربة كان من نتائجها إصابة 430 ألف نسمة بالسرطان. وعليه، حذّرت المنظمة من الأخطار التي تهد سكان شبه الجزيرة الكورية. ويُستدلّ من الإجراءات الوقائية والأمنية التي تقوم بها اليابان أن الحكومة في طوكيو تتوقع ضربة مفاجئة من غير إنذار مسبق. والسبب أن زعيم كوريا الشمالية «كيم جونغ أون» أمر باختبار 22 صاروخاً باليستياً سقطت جميعها في بحر اليابان. وترى الحكومة اليابانية أن العمليات الصاروخية الاستفزازية ليست أكثر من حملة تخويف بغرض إجبار اليابان على فك تعاقدها مع واشنطن. أي التعاقد الذي يسمح للقوات الأميركية المرابطة في اليابان بحق الدفاع عن بلد مهزوم في الحرب العالمية الثانية.

ومن هنا تعتبر كوريا الشمالية أن اليابان وكوريا الجنوبية هما الدولتان اللتان منحتا الولايات المتحدة امتيازات استثنائية لنشر قواتها في شبه الجزيرة الكورية. لذلك يحرص الزعيم «كيم» على تهديدهما بالقنابل النووية المسماة «جوشي». وكان جده كيم إيل سونغ هو الذي أطلق هذا الشعار الذي يعني الاعتماد على الذات.

وفي تصور المراقبين، فإن بكين هي التي تقود هذه الحملة ضد اليابان التي احتلت منشوريا في الثلاثينات، ولأسباب ثأرية تبنّت كوريا الشمالية وأرسلت خبراء الذرّة الذين رفعوا من شأن بلد فقير ليصبح مساوياً للولايات المتحدة من حيث قوة الردع النووي. ولم يكن التزام الصين بالعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة بالحد الجزئي من صادراتها النفطية إلى الدولة المشاغبة، سوى تمويه إعلامي لن يبدّل في دور الرعاية، ولا ينتقص من مسؤولية تأمين الحاجات الضرورية.

الموقع الثاني الذي يحمل بين طياته احتمال انفجار إقليمي هو كردستان.

وعلى رغم التحذيرات التي سبقت موعد الاستفتاء على استقلال الإقليم عن العراق، فإن مسعود بارزاني بقي مصراً على تنفيذ وعده، متسلّحاً بعدة أمثلة بينها استقلال جنوب السودان عبر استفتاء شعبي. عقب صدور النتيجة المتوقّعة، رفض رئيس وزراء العراق حيدر العبادي الاعتراف بشرعيتها. وهدّد برفض مبدأ التفاوض، معلناً عبر وسائل الإعلام عن نيته استرجاع المطارات والمعابر الحدودية.

وأمر رجب طيب أردوغان بإجراء مناورة اشتركت فيها فرق الدبابات والمشاة بهدف ممارسة ضغط عسكري على بارزاني، وخلق جبهة رفض داخل كردستان يمكن أن تمنع الانفصال.

كذلك منعت إيران شاحنات النفط من العبور، ووعدت بغداد بممارسة أقسى العقوبات في حال استمرت كردستان في تركيز دعائم الانفصال.

وترى مصادر الأمم المتحدة أن ردود فعل كل من العراق وتركيا وإيران وسورية مبنية على حسابات داخلية ليس لها أي علاقة بكردستان. وبحسب تقديرات المطلعين على أوضاع الأكراد في المنطقة، فإن نجاح هذه التجربة سيشجع كل الجاليات الكردية في الدول الأربع المتاخمة، على التمرُّد وطلب الاستقلال. ويكفي أن نذكر الجالية الكردية في تركيا يزيد عددها على 15 مليون نسمة، وأن أردوغان قد يضطر إلى تسديد صفعة عسكرية إلى كردستان، تنتهي بغزو الإقليم حفاظاً على الوحدة الوطنية. ولكن هذا الخيار قد يشجّع أكراد الدول الأربع على التمرُّد والعصيان!

الموقع الثالث المرشح في المستقبل لأن يكون جبهة حرب ساخنة يمتد من مرتفعات الجولان إلى سورية ولبنان. كل هذا من أجل منع وصول الأسلحة الإيرانية إلى «حزب الله».

وحدث قبل فترة قصيرة أن قصفت طائرات حربية إسرائيلية مستودعات أسلحة تابعة لـ «حزب الله» قرب مطار دمشق.

وسبق لإسرائيل أن قصفت في آخر نيسان الماضي مستودعاً تابعاً لـ «حزب الله» في المكان ذاته. كذلك زعمت تل أبيب أن طائراتها شنّت غارة على مصنع إيراني للصواريخ في الأراضي السورية غير بعيد عن الحدود مع لبنان.

وكانت الحكومة السورية قد اتهمت إسرائيل باستهداف موقع عسكري غرب البلاد، زعمت تقارير صحافية أن دمشق تطور فيه أسلحة كيماوية.

وفسّرت إسرائيل نشاطها المستباح بأنه يأتي في سياق سياسة تقوم على رفضها لأي مراعاة روسية للإيرانيين في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة لأمنها.

بكلام آخر، يرى المراقبون أن القصف الإسرائيلي ضد أهداف تابعة لـ «حزب الله» هو جزء من أمر واقع يسمح بالتحرك الإسرائيلي فوق منطقة سورية خالية من أي وجود إيراني.

والثابت من خلال كثافة الرقابة الإسرائيلية أن بنيامين نتانياهو قد اتفق مع فلاديمير بوتين على إخلاء منطقة جنوب سورية بعمق خمسين كيلومتراً من خط وقف إطلاق النار في الجولان المحتل منذ عام 1967.

من الواضح أن حرية التحرك الإسرائيلي -ولو في منطقة محدودة- تكشف عن عمق علاقة التنسيق القائمة بين روسيا ودولة اليهود في شأن الوضع الأمني. كما تشير أيضاً إلى وجود تفاهم بينهما على المستوى الرسمي. من هنا يرى بعض المراسلين في دمشق أن توقيت الغارات ودقة استهداف مخازن السلاح ينبئان عن وجود تنسيق مسبق مع موسكو.

ولكن، هل يعني ذلك التنسيق أن إسرائيل محصّنة ضد هجوم مفاجئ؟!

تقول مصادر مقرّبة من «حزب الله» أنه يملك ترسانة صواريخ يصل عددها إلى 120 ألف صاروخ من مختلف الأنواع، مخبأة داخل منازل مموّهة. وإن توقيت إطلاقها ينتظر ساعة الصفر… وإن استخدامها متوقف على قرار الرئيس دونالد ترامب، وما إذا كان التهديد بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران هو أمر جدي… أم مناورة لتطمين صديقه نتانياهو؟