هجوم أميركي مضادّ في المشرق يُربِك ولا يُربِح.. بقلم: د.وفيق إبراهيم

هجوم أميركي مضادّ في المشرق يُربِك ولا يُربِح.. بقلم: د.وفيق إبراهيم

تحليل وآراء

السبت، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٧

تتحرّك السياسة الأميركية بسرعة مذهلة لوقف انهيار جبهتها التاريخية في «المشرق»، فتدفع الكرد لتفجير سورية والعراق وتجعل منهم هراوة في وجه تركيا وإيران.

وتعيد تجميع أعوانها في لبنان في حركة قد تصل إلى تفجير حكومته ورفع الغطاء الدولي عنه، ولا تنسى جبهة فلسطين، فتصدر تكليفاً للرئيس السيسي بإنهاء قضية العرب الأولى عبر مصالحة بين حركتًي فتح وحماس مشتبه بها، ثمّ تذهب في اتجاه لجم الخلافات بين فريقي الغزو السعودي والإماراتي لتحقيق نتائج أكبر في المجازر المروّعة التي يقترفونها في حقّ الشعب اليمني.

ضمن هذه التحضيرات والهجمات، يمكن استيعاب الهجوم الأميركي الترامبي غير المبرّر على إيران، بذريعة أنّها تخرق «روح الاتفاق النووي»، فيما تؤكّد الدول الكبرى الخمس الموقّعة على اتفاق النووي أنّ إيران ملتزمة به «نصّاً وروحاً وبنوداً»، وتبصم على ذلك أيضاً وكالة الطاقة الدولية، لكنّ ترامب لا يقبل، ومعه وزير خارجية آل سعود الجبير ووزير خارجية الإمارات.

بالمقابل، تحاول واشنطن تقديم صورة «حديثة» عن أعوانها، فتفرض على آل سعود إصدار قرار يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارات!!

والطريف أنّ قراراً أميركياً صدر في الوقت نفسه، يسمح للمرأة الأميركية بقيادة «جيش المارينز» الذي يصل إلى مئات آلاف العناصر والضباط، بما يجعل الفارق في الحداثة بين القرارَين نحو ألف عام فقط!! وقد يزيد..

هناك إذاً، هجوم أميركي مضادّ يستهدف منع التحالف الروسي السوري الإيراني من الاستفادة السياسية من انتصاراته، على مستويي المشرق والمرجعية الدولية، لأنّ ما حصل في سورية أكبر من إنجاز، فبعد انفلاش الإرهاب على أكبر قدر ممكن من أراضي سورية بمعونة من كامل قوى الإقليم، باستثناء إيران، نجح تحالف الدولة السورية مع الروس والمقاومة في استعادة ثلاثة أرباع البلاد، مدمّراً البنية الأساسية للإرهاب، ومعطّلاً الدور السعودي الخليجي الأميركي، ومستنزفاً الطموحات التاريخية التركية.

لم يبقَ لواشنطن إذن إلا ورقة الكرد ومعارضة سوريّة وهمية، فعملت على تنشيط الأكراد وحرّكتهم بمعونات عسكرية وتذخيرية، ووفّرت لهم مستشارين أميركيين وغربيّين، وتحالفات مع عشائر عربيّة موّلت السعودية شيوخها بكلّ ما يلمع، من دون نسيان معلومات الأقمار الاصطناعية والمخابرات الأردنيّة المتعمّقة في أعراف العشائر، وكان المطلوب منهم منع الجيش السوري من الانتقال إلى شرق الفرات، ما أدّى إلى نشوء كانتون كرديّ من الحدود مع تركيا إلى الحدود مع العراق في مناطق شرق البلاد، يعادي جيش بلاده منسّقاً مع الإرهاب والأميركيين، ومطالباً بفدراليّة مشبوهة وممارساً دور الجاذب لانتباه الدولة السوريّة، ليسمح لجبهات أخرى معادية بالتحرّك ضدّ سورية.

أمّا العراق، فادّخر له الأميركيون مفاجأة انفصال إقليم كردستان عنه، عقاباً له على نجاحاته في القضاء على الإرهاب الذي كان منتشراً على نصف مساحته، وتقلّص بعد انتصارات الجيش العراقي والحشد الشعبي إلى بؤر ضيّقة غير متّصلة.

وما كان يمكن لإقليم كرديّ لا يمتلك سواحل بحريّة وطرقات برّية وأجواء مفتوحة أن يعلن استفتاءً على الانفصال عن العراق، لولا الدعم الأميركي الموعود الذي يذهب كما يبدو في اتّجاه تفتيت العراق إلى أكثر من دولتين، مراهناً على تيّارات عربيّة سنّية قد تحاول الانفصال بدورها، بدفع سعوديّ إماراتي، ومزوّداً الكرد العراقيين بسلاح الفتنة السنّية الشيعية للحصول على تأييد العراقيين من العرب السنّة الذين لم ينجرّوا إلى هذه اللعبة رغم التحريض الإعلامي الخليجي المركّز على «هيمنة طهران على بغداد».

ويبدو أنّ واشنطن أقنعت الكرد بإمكان فتح طرقات برّية وجويّة لهم من تركيا، وتعهّدت بإقناع أردوغان، لكنّ هذا الأخير يشعر بسكّين كرديّ ينغرز في خارطة بلاده المهدّدة بالتفتيت إلى أكثر من دولتين، لذلك لن يكون أردوغان مجرّد سياسيّ سهل أمام الضغوط الأميركية، لكنّه لن يذهب بعيداً في دعم بغداد إلا بعد استحصاله على مكافآت نفطية هامّة واقتصادية في أكثر من قطاع.

ولم يوفّر الأميركيون لبنان بعد تأكّدهم من عمق التحالف العوني مع حزب الله، وسلسلة تصريحات الرئيس عون التي اعتبر فيها سلاح الحزب ضرورياً لمجابهة «إسرائيل»، بالإضافة إلى اللقاء الذي جمع بين وزيرَي خارجية سورية وليد المعلم ولبنان جبران باسيل، لذلك تحرّكت السعودية للجمع بين حلفائها المشتّتين بسبب انتصارات حزب الله على الإرهاب في جرود عرسال والمنطقة، واكتساح الجيش اللبناني مواقع الإرهاب في جرود المنطقة الشرقية ودعوته لمحاسبة المتخاذلين، وكلّهم من أنصار السعودية.

لذلك، ما كاد وزير الدولة السعودي ثامر السبهان يغادر لبنان بعد جولة استنهض فيها حلفاءه، حتى استدعت الرياض رئيس حزب القوّات سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل إليها. كما عملت السفيرة الأميركية في بيروت على توزيع تعميم على الحلفاء بالاستعداد لمرحلة الهجوم على حزب الله والرئيس ميشال عون، بعد الصدور المتوقّع لعقوبات أميركية قاسية جداً تستهدف حزب المقاومة وحلفاءها وجمهورها في الأسبوع المقبل، وتفرض على التيار الوطني الحرّ مقاطعة الحزب أو تفجير الحكومة، وبالتالي كامل الوضع السياسي.

فهل يمكن عند هذا الحدّ من الهجوم الأميركي المنسّق اعتبار الضغوط المصريّة الفلسطينية الخليجية التي تستهدف حركة حماس بريئة ولا علاقة لها بالهجوم الأميركي المضاد؟ لا يمكن قطعاً تأسيس حلف خليجيّ عربي «إسرائيلي» تعمل عليه واشنطن إلا بعد إنهاء القضية الفلسطينية، وهذا ما يعمل عليه الرئيس السيسي مستعيناً بإمكانات مصر على محاصرة غزّة، التي تصبح مخنوقة بالضغط الخليجي المصري «الإسرائيلي»، ومن جانب السلطة الفلسطينية التي تمنع كلّ شيء عن «القطاع» المأسور بما فيه الهواء النظيف.

هناك إذن، حركة أميركية كاملة لم توفّر حتى اليمن، ولأنّها استاءت من «صموده الغريب» أمام آلة حربيّة حديثة، فإنّها تحاول إنهاء الصراع على النفوذ بين السعودية والإمارات، أي الأطراف الأساسية في اجتياح اليمن، مع التركيز على اقتراف أكبر كمّية ممكنة من المجازر والتدمير لفرض الاستسلام على صنعاء، خصوصاً بعد خسارة مشروعها في بث الخلاف بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح في حزب المؤتمر، والحوثيين من حزب أنصار الله، لذلك بدأت تركّز مراهناتها على الغارات الجويّة القاتلة والتجويع لبث الخلافات في المناطق المقاومة.

هذه هي العناوين الأساسية للتحرّك الأميركي المضادّ الذي يعتبر أنّ التحالف الروسي الإيراني العراقي السوري وحزب الله، هو أخطر ظاهرة تجابهها السياسة الأميركية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989، وتهدّد بدرجات كبيرة احتكاره للقوّة والهيمنة، وقد تدفع باتجاه تحرّك جهات أخرى من العالم في وجه التسلّط الأميركي بحق الإنسانية. ولأنّ واشنطن متمسّكة بهيمنتها الأحادية على العالم، فإنّها تقاتل بأوراقها الأخيرة، ولم يعد لديها إلا الحرب العالمية والخيار «الإسرائيلي»، وهما وسيلتان شديدتا التكلفة، لأنهما قد يدفعان نحو دمار كونيّ هائل وخسارة «تلّ أبيب» لمشروع تقاربها مع الخليج وعرب آخرين.

لذلك تجد روسيا نفسها مدفوعة للاستمرار في معركة القضاء على احتكار القوّة الأميركي مع تحالفاتها في الشرق الأوسط والصين والبريكس وشانغهاي.

العرب وحدهم قابعون خارج التاريخ، وتعتقل أنظمتهم المواطنين في سجون «القانون الوسطى» في خدمة السيد الأميركي، معتقدين أنّ السماح للنساء بقيادة السيارات تقدّم فعلي في وقت أصبحت مشاركة النساء في العالم موجودة ومطلوبة في كل القطاعات الإنتاجية. فهل ينجح هذا الهجوم الأميركي؟ قد يربك المشهد مرجئاً ترجمة النصر إلى حين قريب، لكنّ القوى المجابهة تمتلك من القدرات لإلحاق هزيمة مدوّية بالأميركيين والتخلّف العربي للمرّة الأولى منذ ثلاثة عقود.