تصريحات المعلم والاستعداد للتفاوض مع الأكراد: هل تكون رسالة عابرة للحدود؟

تصريحات المعلم والاستعداد للتفاوض مع الأكراد: هل تكون رسالة عابرة للحدود؟

تحليل وآراء

الأحد، ١ أكتوبر ٢٠١٧

في مطلع تشرين الثاني من عام 2014، قلنا في مقال بعنوان: «عن «البطة العرجاء» والرهان على الوقت.. هكذا تصرف حافظ الأسد»: «إذا كان البعض يعتبر أن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم يزين عباراتهِ بميزانِ الذهب فإن الأدق أن موازين الذهب تأخذ معايرتها من كلام المعلم».
هذا الكلام لم يأتِ عن عبث، فالرجل يتقن ببساطةٍ أسلوب «ماقل ودل»، مع الأخذِ بعينِ الاعتبار أن الكثير من عباراته التي يطلقها قد نحتاج للوقت كي ندرك ما الهدف منها، فهل كان أحد منا يدرك ما عناهُ عندما خاطب وزير الخارجية الفرنسي الأسبق آلان جوبيه الذي توعد باقترابِ نهايةِ النظام السوري بالقول: «اللي بعيش يا سيد جوبيه بشوف».
منذ لقائه الأخير على قناة «روسيا اليوم»، تركت التصريحات التي أدلى بها وليد المعلم ارتياحاً لدى المواطن السوري، لكن هذا الارتياح ربما شابهُ الكثير من التساؤلات عن المغزى من الجواب المتعلق بالانفصاليين الأكراد وقوله: « إنهم يريدون شكلاً من أشكال الإدارة الذاتية في إطار حدود الجمهورية، وهذا أمر قابل للتفاوض والحوار»، تحديداً أن هذا الإعلان جاء متعارضاً ولو جزئياً في الشكل مع ما قالهُ في اللقاء ذاته عن معارضةِ حكومة الجمهورية العربية السورية للاستفتاء الذي أقامتهُ حكومة الإدارة الذاتية في إقليم كردستان العراق، فهل أن هذه التصريح هو نقطةُ تحولٍ في طريقةِ إدارة القيادة السورية للملف الكردي، أم هي رسالة عابرة للحدود لابد من الالتفاتِ إليها؟
بدايةً، دعونا نعترف أن التخوفات على المستوى الشعبي كانت منطقية، تحديداً أن العبارة تحتمل أوجهاَ كثيرة أولاً، وثانياً أنها جاءت في وقتٍ حساس نوعاً ما، فالمواطن السوري يرى أن ما يحصل اليوم في إقليم كردستان العراق بدأ بالأساس مع إعطاء الأكراد شكلاً من هذه الإدارة الذاتية خلال الرئيس الأسبق صدام حسين، ليكونوا الخاصرة الرخوة التي شكلت أحد أهم الجهات التي ساهمت بسقوط نظام الحكم في العراق، لينتهي بهم المطاف أن يضربوا عراق التاريخ بسيف الغدر الانفصالي.
ربما السيناريو ذاته بدأ يحدث في سورية وإن كانت النهايات لا تزال بعيدة ومصيرها بأيدينا، لكن في معظم المراحل أثبتت الطُّغم الانفصالية، أنها الوجه الآخر للطغم الدينية، فالانفصالي يتشارك مع حاملي رايةَ «الإسلام السياسي» أن كلاهما لا يشبع، وسياسة الابتزاز التي يريدون اتباعها لسرقة الأوطان من جذورها لا تختلف قيد أنملة، فمن بدأ بمطالبَ من قبيلِ تجنيسِ بعض الأكراد الذين هربوا من المجازر العثمانية جنوب تركيا واستوطنوا في هذه الأرض بعد أن فتح لهم أبناؤها الأذرع لنجدتهم، باتوا اليوم يتحدثون عن حق تاريخي في الأرض لا يشبههُ إلا الحق التاريخي لليهود بفلسطين المحتلة، وتحولوا من سياسة التطهير العرقي إلى سياسة «أرضنا التاريخية حيث تصل دباباتنا».
يبدو أن هذه الرغبات لا حدود لها حتى تنتهي بحلمِ وصل ضفتي نهر دجلة لبناء الدولة المنشودة، وكل هذه المعطيات بدت نوعا ما هاجساً للمواطن السوري الذي يرى أن الابتزاز الذي يمارسهُ أصحاب الطموحات الانفصالية لا حدود له وبمعنى آخر: ما شكل الإدارة الذاتية التي ستفاوضهم الدولة عليه ليقولوا بعدها أن المطالب قد تحققت؟!
اعتاد الخطاب الرسمي السوري أن يتعاطى مع الملف الكردي ببديهية أن حل هذا الموضوع مرتبط بما يتفق عليه السوريون في قضايا الحل السياسي، وهو أمرٌ متعلقٌ بالدستور الذي سيحدد شكلَ سورية القادمة، فهل سيقبل السوريون مثلاَ بأن يكونوا «دولة فدرالية» أو «اتحادية»؟
يبدو هذا الأمر مستحيلاً، والانفصاليون الأكراد بالنهاية لا يملكون هذه الكتلة الشعبية الوازنة التي تتيح لهم فرض وجهةَ نظرٍ من هذا القبيل، لذلك هم يدركون أن طوق نجاتهم الوحيد هو فرضَ أمر واقع على الأرض، لكن بالإطار العام، فإن شكل الدولة التي سيحددها الدستور مختلف عن شكل النظام الإداري الذي سيتم من خلاله إدارة المؤسسات العامة، بمعنى آخر هناك من لا يميز بين نظام سياسي فدرالي هو بالنهاية تقسيم غير مباشر وبين نظام إداري متعلق بهيئات الدولة يعتمد اللامركزية.
ربما يكون هذا الأمر عليه إجماع من السوريين لأنه بالنهاية لا يمس كيان الدولة الواحدة بل هو يعطي نوعاً ما انسيابية في اتخاذ القرارات على مستوى كل محافظة أو منطقة، كما أن هذا الأمر لا علاقة له بمكون كردي أو آشوري أو عربي، هذا الأمر يتعاطى مع حاملي الجنسية السورية ويُطبق عليهم جميعاً دون استثناء، أما ما تبقى من قضايا باعتراف بالوجود واللغة والمناهج وما إلى هنالك في إطار عام لا يمس جوهر سورية الوطن الواحد لجميع السوريين، فهو حكماً أمر قابل للنقاش، بالتالي خارج هذا الإطار لا يمكن للسوريين الذين دفعوا دماءً غالية من أجل إعادة وصل جهاتِ الوطن، أن يقدموا للبعض هدايا على مذبح طموحاتهم الوهمية، تحديداً أن محاباتهم بكل ما يريدونه هو نوع من الضرب مستقبلاً بمستقبل سورية، بل إن ما يمارسه هؤلاء من تكتيك في التعاطي أظهر أنهم ليسوا مجرد حلفاء للأميركيين، لكنهم في الوقت ذاته هم الورقة الأميركية البديلة لداعش والمقاربة بسيطة: لم يكن قيام وزارة الدفاع الروسية بنشرِ صورٍ جوية تثبت تسلّمَ ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية – قسد» حقول الغاز من داعش بإشراف أميركي هي الدليل الأول على ما قلناه ولن يكون الأخير، فما جرى قبل أمس من هجومٍ للتنظيم الإرهابي استهدف القريتين والسخنة وطريق تدمر دير الزور، هو من أجل إشغال الجيش العربي السوري والحلفاء عن متابعة العملية القائمة حالياً باتجاه الريف الشرقي لدير الزور، أو باتجاه استعادة السيطرة على حقل عمر النفطي والتي تريد «قسد» الوصول إليه قبل الجيش العربي السوري.
هذه المعطيات تؤكد فرضية أن هؤلاء الانفصاليون باتوا خارج فرضية «سورية دولة واحدة»، والحل ليس بفتح الباب أمام ابتزازهم، الحل بأن يقتنع هؤلاء بأن أحلام الدولة المسخ المحاصرة من الجهات الأربع من دون منفذ بحري هي كمن يحفر قبره بيديه، فهل إن الدول المتضررة من طموحاتهم فعلياً قادرة أن تثبت لهم ذلك، أم إنهم يناورون لكسب الوقت حسب وعودٍ تلقوها بأن هناك من بات جاهزاً للانقلاب على مواقفه، فكانت تصريحات وليد المعلم كرسالة عابرة للحدود الشمالية؟
لا شك بأن زعيم النظام التركي رجب طيب أردوغان رجلٌ بلا مبادئ، أو كما يبرر له محبوه بأنه يتمتع بالبراغماتية السياسية التي تجعله كالزئبق يأخذ الشكل المناسب للحيز الموجود فيه، وهذه الواقعية مثلاً دعت نظام «العدالة والتنمية» لبناءِ أفضل العلاقات مع الطغمة الحاكمة في إقليم كردستان، فهو من ناحيةٍ أمّنَ مردوداً اقتصادياً ضخماً متعدد الأفرع، ومن جهةٍ ثانية أمّنَ نوعاً من الفرملةِ لـ«حلم الدولة الكردية» من جهة الحدود العراقية، حتى التدخل التركي لوقف عملية الاستفتاء قد يبدو تدخلاً صورياً بل قد نذهب أبعدَ من ذلك لو قلنا إن النظام التركي قد لا يلتزم بحالة الحصار المفروضة على الإقليم إذا ما شعر أن هناك ضمانات أميركية بعدم انتقال العدوى الانفصالية إلى جنوب تركيا، فهل كان من الضروري التلويح للنظام التركي بأن التعاطي الحكومي مع الملف الكردي في الشمال السوري سيكون مختلفاً؟ ربما قد يكون هذا ما عناه وليد المعلم في تصريحاته الأخيرة، بل إن هذه الرسالة قد لا يطول الوقت حتى تتدفق نتائجها، وهي عملياً محكومة بالسلوك الأردوغاني الذي سيكون أمام خيارين: إما تطبيق كل ما تم الاتفاق عليه بما يتعلق بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنقرة بما فيها الموقف مما يجري في إدلب، أو العودة للحضن الأميركي، لكن هذه العودة ستكون هذه المرة محفوفة بالمخاطر فماذا ينتظرنا؟
لا يبدو أن الهجوم الذي تشنه داعش منفصل عن الهجمات التي شنتها باقي العصابات الإرهابية في المناطق المشمولة بوقف العمليات القتالية، بل يبدو أن محركها واحداً، وبالمطلق لا يبدو أن التركي اليوم قادر أن يحرك كل هذه الأصابع دفعة واحدة، وحده الأميركي فعلياً قادر على ذلك، والهدف واضح، منع أردوغان من الذهاب بعيداً بتطبيق التفاهمات التي تم إطلاقها عقب زيارة بوتين الأخيرة لتركيا، فهل سينجح الأميركيون في ذلك؟ ليست القضية إن نجحوا أم لم ينجحوا، تحديداً أن أردوغان يتقن المزايدة في لعبة البازار السياسي، لكن عليه أن يعي أن الضمانات الأميركية حول مصير الأكراد جنوب تركيا سبقتها رسالة وليد المعلم بأن الدولة السورية جاهزة للتفاوض مع نظرائهم في الشمال السوري، فهل وصلت الرسالة؟