الحرف الأول من اسمها السعودية.. بقلم: إيهاب زكي

الحرف الأول من اسمها السعودية.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأحد، ١ أكتوبر ٢٠١٧

بيروت برس
"الحرف الأول من اسمها السعودية"، قد آثر السيد نصرالله أن تكون الأحجية هذه المرة أكثر صعوبة، حيث أينما وجدت مصلحة أمريكية صهيونية، تجد تلك الدولة التي يصرّ السيد على حرفها الأول دون حل كامل الأحجية، ومن باب التخمين فقد يكون الحرف الثاني فشل أو هزائم أو رعونة أو تبعية أو "تنبلة" اختصاراً لكل الحروف، فتكون الدولة هي سعودية الفشل أو سعودية "التنبلة" وهكذا، وقد نأى السيد بنفسه هذه المرة عن التأكيد على أن يكون هو مصدر المعلومات عن مساعي لتلك الدولة المجهَّلة، لصناعة تكتلات جديدة أو تم تجديدها في سبيل دفع لبنان نحو مواجهة داخلية، تشغل حزب الله في نفسه عن مواجهة "إسرائيل" وأدواتها على امتداد المنطقة، وأعتقد أنّ نأي السيد بنفسه عن مصدرية المعلومات، ونسبها إلى صالونات سياسية وإعلامية، هي من باب التخفيف من حدة موقفه فيما لو اعتبرها معلومات موثقة من قِبله، لكنه في ذات الوقت نصحها-تلك الدولة- بالكفّ عن هذا المخطط فيما لو صح ما يتم تداوله.
السيد نصرالله يدرك أنّه صحيح، ولولا ذلك لاعتبره من لهوِ الحديث الذي لا يستحق ذِكراً، وكذلك حين تحدث بالشأن الداخلي وأعرب عن مواقفه، حاول قطع الطريق على كل ما يمكن أن تتخذه تلك الدولة عبر تكتلها المستجد لتفجير المواجهة، فقال إننا مع بقاء الحكومة لآخر يومٍ من استحقاقها الدستوري، ولا يجب التعامل معها من باب تقطيع الوقت، بل من خلال التعاطي الإيجابي وحل المشكلات، وأننا مع عدم تأجيل الانتخابات ولو ليومٍ واحدٍ حتى لأسبابٍ تقنية، ثم تحدث عن الأمن في لبنان الذي يتفوق على مثيله في واشنطن، حيث تأمن الناس على أرواحها وأموالها وأعراضها وأرزاقها، وهو ما ينفي الحاجة لافتعال مظلومياتٍ كاذبة بحجة وجود السلاح، فضلاً عن أنّ جزءًا كبيراً من هذا الأمان هو بفضل هذا السلاح و(فائض القوة) بتعبير السيد، ولكن السيد رغم أنّه حاول تجنب التهديد الصريح كان شديد القسوة في التحذير، حيث أنّ ما قال عنه فائض القوة، هو قادر على الحسم ولو سياسياً في أفضل الأحوال، قبل التورط في معركةٍ عسكريةٍ خاسرة أخلاقياً، يتجنبها حزب الله منذ 2006، وعدم التورط في معركة عسكرية خاسرة أخلاقياً يتطلب حسماً أسرع من البرق، وهو ما يستبطنه حديث السيد.
والخسارة الأخلاقية هنا ليس المقصود بها طبيعة المعركة ذاتها، بل ما سيتم تسويقه عبر الماكنة الإعلامية لنفس الدولة ذات الحرف الأول، بأنّها معركة سنية شيعية وعربية فارسية، حيث تريد السعودية أن تكون السنية والعروبة أدواتٍ "إسرائيلية"، واستذكر هنا أدبيات حركة فتح بعد هزيمتها في معركة غزة أمام حركة حماس، كانت تدأب على أنّ فتح انتصرت أخلاقياً فيما حماس خسرت أخلاقياً، بمعنى أنّ قوات الحركة وقوات السلطة لم يرفعوا السلاح ولم يتعمّدوا القتل أو القتال، فيما فعلت حماس ورفعت البندقية في وجه شعبها، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فقد سعى الطرفان للحسم وإنهاء أحدهما الآخر، ولكن يبدو أنّه لا عزاء للمهزومين سوى ستائر الأخلاق، لذلك فإنّ ذات الأطراف التي عملت على استبدال داعش باستفتاء البرزاني، هي ذاتها الأطراف التي تعمل على استبدال تهديد القلمون والسلسلة الشرقية، بتهديد داخليٍ يضع الحزب في زاويةٍ أخلاقيةٍ حرجة، ولكن الفاشلون أبداً لم يدركوا قدرة الحزب على تحويل التهديد إلى فرص، وقد يكون لهذا التخلف الإدراكي، علاقة بما أسماه السيد يوماً "التنبلة السعودية".
إنّ المناصحة التي قدمها السيد للسعودية لوقف النفوذ الإيراني عبر الحوار، هي القشة الأخيرة التي يمكن أن تحمي عرش آل سعود من الغرق، ولكن المعضلة أنّ هذه العائلة لا تملك الأخذ بهذه النصيحة حتى لو أرادت، فعقلها في واشنطن وقلبها في "تل أبيب"، والحالة الوحيدة التي يمكن للسعودية فيها أن تفتح حواراً مع إيران، هي حالة الأمر الأمريكي بذلك، فهذه العائلة حتى لو رأت أنّ عرشها ينهار وأنّ إيران هي المنقذ الوحيد، لن تلجأ لهذا الخيار دون إذنٍ أمريكيٍ صريح، وهذه الحالة آتية لا محالة حين يستنفذ الأمريكي كل حاجاته من وجود هذه العائلة، حينها بالإمكان أن تقدم هولندا أو كندا مشروع قرار للأمم المتحدة عن جرائم العائلة، وسيقبله مجلس الأمن حتى لو كانت جزر الكناري هي صاحبة مشروع القرار، لذلك فإنّ القادم من الأيام ستكون المنطقة في حالة مخاض لولادة معارك جديدة بأدواتٍ جديدة ولكن لنفس الأهداف.