بعد داعش.. ستبدأ حروب كثيرة.. بقلم: نور نعمة

بعد داعش.. ستبدأ حروب كثيرة.. بقلم: نور نعمة

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٧ أكتوبر ٢٠١٧

اقتربت الامور في سوريا والعراق الى القضاء على «داعش» واستعادة الاراضي التي سيطر عليها يوم اعلن دولته، وهذا يشير الى ان تطهير المنطقة من الاصوليين بات في المرحلة الاخيرة. ومع انحسار «داعش»، جراء اشتباكات عنيفة وحروب شرسة شنت ضده سواء من «قوات سوريا الديموقراطية» او من الجيشين العراقي والسوري، تبرز في الافق حروب كثيرة ستشهدها المنطقة، وهذه النزاعات كانت نارا تحت الرماد وتأجل اندلاعها بسبب بروز «داعش» الذي هب الاضداد لمحاربته موحدين بوصلة معاركهم بوجه التنظيم.

انما بعد سقوط «داعش»، لن تعود المياه الى مجاريها ولن يعم السلام في المنطقة بل ستطفو المشاكل المزمنة على السطح وستؤدي على الارجح الى نزاعات داخلية، البعض منها سيكون بين الاكراد السوريين والاتراك من جهة ومع النظام السوري من جهة اخرى، والبعض الاخر قد يكون بين الدولة السورية والجيش التركي الذي عزز مواقعه في ادلب، اضافة الى مواجهة الجيش العراقي اكراد اقليم كردستان.

هذه النزاعات التي ذكرناها يعود البعض منها الى طموحات فريق معين بانشاء دولة له وبالحكم الذاتي وبتكوين شخصية مستقلة عن محيطه، فيما البعض الاخر يكمن في سياق الحل السياسي للازمة السورية. وعليه، الاكراد السوريون يريدون ترجمة قتالهم ضد التنظيم الى واقع يعترف بقوتهم ونفوذهم وهذا الامر ترفضه تركيا جملة وتفصيلا سواء من الجهة السورية او العراقية. رفع الصوت الكردي والمطالبة بدولة لهم سيدفع تركيا الى شن ضربات عسكرية متعددة لتحجيم قوة الاكراد الذين سيردون بدورهم على الاعتداء التركي وسيكون للميدان كلمة الحسم بين هذين الجانبين. هنا طبعا تتداخل مصالح دول كبرى في الصراع الذي سيدور بين الاتراك والاكراد وسينجلي موقف واشنطن اكثر فاكثر مع احتدام المعارك بين الطرفين. فهل ستدعم واشنطن «قوات سوريا الديموقراطية» في قتالها ضد الجيش التركي على غرار ما فعلته في معاركها ضد «داعش»؟ هل ستسمح واشنطن بأن يستقل اكراد كردستان عن العراق؟ هل سيؤدي ذلك الى التصعيد بين الولايات المتحدة من جهة وبين تركيا وايران من جهة اخرى؟ بيد ان ايران وتركيا اعلنتا بكل وضوح رفضهما لاستقلال اقليم كردستان عن العراق وصحيح ان واشنطن لم تؤيده ولكن لم تأخذ اجراءات عقابية لهكذا قرار بل اكتفت بموقف سياسي رافض لذلك.

اما عن الحرب التي قد تندلع بين النظام السوري والجيش التركي فتصب في خانة مقومات الاتفاق السياسي لوقف النزاع الدموي السوري بيد ان تركيا دخلت ادلب ولا يبدو انها ستنسحب منه في المدى القريب. ذلك يسرع احتمال المواجهة بين الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الاسد والجيش التركي الذي يريد حصة له في سوريا، ودورا فعالا يعطى له في مفاوضات استانا او جنيف. هذا الامر لن ترضى به دمشق وسيؤدي الى زيادة التوتر والاحتقان بين الجانبين وقد تتطور الامور الى مواجهة عسكرية بما ان النظام السوري يحرص جيدا على عدم السماح لتركيا بالتوسع داخل سوريا.

وبالعودة الى الاكراد ومطالبهم بدولة مستقلة لهم وقد رأينا ان كردستان اقدمت على الاستفتاء رغم المعارضة التركية والايرانية وكذلك الحكومة العراقية، وهذا يؤكد ان طموح الاكراد يقترن هذه المرة بافعال عملية وبتشجيع اسرائيلي على رفض الانخراط في الدولة العراقية وبالتشبث بحدود جديدة رسموها لدولتهم. ولكن الاكراد في الوقت ذاته على دراية ان تحقيق حلمهم لن يتم بسهولة وان المواجهة العسكرية مع الجيش العراقي والتركي لا يمكن تجنبه.
باختصار، سقوط «داعش» يعني نهاية دولة الاصوليين على الاراضي السورية والعراقية الامر الذي كان لن يطول بطبيعة الحال، ولكن ذلك لا يعني انه بانحسار رقعة الاراضي التي سيطر عليها التنظيم، ويكون انتهى جزء كبير من الحرب التي تعصف بسوريا والعراق انما سيكون بداية لحروب اخرى ستكشف ما يحاك للمنطقة كلها.