الطريق إلى «سوتشي» يمرّ بالبوكمال.. بقلم: د.وفيق إبراهيم

الطريق إلى «سوتشي» يمرّ بالبوكمال.. بقلم: د.وفيق إبراهيم

تحليل وآراء

الجمعة، ٣ نوفمبر ٢٠١٧

تنطلق عشرات التساؤلات المشكِّكة بقدرة روسيا على إنجاح مؤتمر للحوار السوري دعت إليه، وسط رفض سعودي أميركي إعلامي حتى الآن، وحربي لجهة «إسرائيل»، وتردّد تركي بسبب دعوة ممثلين عن قوى كردية.

لذلك، يقتصر تأييد المؤتمر الذي ينعقد في مدينة سوتشي الروسيّة هذا الشهر على موسكو وطهران، كفريقَين راعيين، وبعض أنواع المعارضات في تيار الغد الذي يقوده أحمد الجربا ومنصّة موسكو تحت قيادة قدري جميل. عشرات الشخصيات.

وما موافقة الدولة السوريّة على هذا المؤتمر المخصّص لمناقشة أمور عدة مثل الدستور الجديد والانتخابات النيابيّة، وما يليها من انتخابات رئاسيّة، إلا الدليل الواضح على أهميّته واستثنائيّته في إطار المرحلة ما قبل النهائية للأزمة السورية المستمرّة منذ 2011.

لذلك، يجب الربط بين الجعجعة الإعلامية لمعارضات تعمل في خدمة المشاريع الدوليّة والإقليمية، وبين غارة «إسرائيلية» استهدفت أنحاء حمص، وإعلان صدر فجأة من وزيرَي الخارجية والدفاع الأميركيَّين تيلرسون وماتيس، يقولان فيها إنّ الجيش الأميركي لا يحتاج إلى إذن جديد من الكونغرس لقصف أهداف للدولة السوريّة، لأنّ الإذن القديم لا يزال ساري المفعول. وهذا يُعتَبَر في علم السياسة إعلان حرب أو التهيئة لها أو التهديد بها.

وكان طبيعياً أن يأتي الردّ مناسباً وموازياً أوّلها زيارة الرئيس بوتين إلى إيران التي تعتبر ردّاً يساوي بأهميّته الردّ على انهيار الاتحاد السوفياتي، لأنّه يؤسّس لبناء هرم سياسي كوني جديد له أبعاد «شرق أوسطية» واقتصادية، وصولاً إلى المرحلة الكونيّة التي تعني اضمحلال الهيمنة الأميركية والعودة إلى التفاهمات الدولية المسبَقة لاحتواء الأزمات المهدّدة للسِّلم العالمي…

ضمن هذا الإطار، يمكن أيضاً استيعاب حركة القاذفات الاستراتيجية الروسيّة التي عبرت بحر قزوين والعراق لتضرب أهدافاً في دير الزور. واعتبار هذه الحركية «روداجاً» وتأهيلاً لهذا الخط السياسي المؤسس للتفاعلات الدولية الجديدة؟!

هذه هي الأبعاد التي تجعل من السهل فهم تصريحات طهران بأنّ صواريخها تستطيع إصابة أهداف على بُعد ألفَي كيلومتر، بما يعني أنّ القواعد الأميركية في المناطق العربية هي تحت خط النار الصاروخية الإيرانية، ومعها بالطبع الأهداف «الإسرائيلية».

وإذا كانت روسيا قريبة جداً من حسم معركة انتقالها إلى الأدوار الإقليمية فالدوليّة، تأسيساً على التوازنات العسكريّة الجديدة في سورية، فكيف تعدّ واشنطن لإجهاض هذه الانتصارات؟ وكيف بإمكانها لجم الكثير من المعارضات السوريّة التي قبلت بمؤتمر الحوار في سوتشي؟

مراهنات الأميركيين متواصلة، وتعكس إصراراً أميركياً على إرجاء الترجمة السياسيّة للانتصار الروسي الإيراني بوسائل عدّة أوّلها تحريك معارضات جيش الإسلام والهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف الوطني السوري لاستهداف موسكو إعلامياً وشيطنتها بمختلف الأساليب، منها اتّهام روسيا باستخدام الكيميائي مباشرةً في سورية، وقتل المدنيّين وتدمير الإسلام وضرب المنشآت المدنيّة والصحّية واحتلال سورية.

وتعتقد واشنطن أنّ تركيا لن تتأخّر بالتحرّك ضدّ مؤتمر سوتشي الأمر الذي قد ينسف تقاربها مع موسكو، وذلك بسبب دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي تُصرّ تركيا على أنّه الفرع السوري لحزب العمال الكردي التركي… وتنسى واشنطن أن براغماتيّة أردوغان وحاجته الماسّة إلى روسيا وإيران في الوقت الحالي للاحتماء من التآمر الأميركي عليه، ولأسباب تتعلّق بتمرير أنابيب الغاز الروسيّة والإيرانيّة والقطريّة من بلاده إلى العالم. وهذا يمنحها موقعاً اقتصادياً مرموقاً لا توفّره لها العلاقات مع واشنطن وحلف الناتو.

أمّا القطبة المخفيّة في المشروع الأميركي، فتتعلّق بإصرارها على دعم قوّات سورية الديمقراطية الكرديّة للوصول إلى مدينة البوكمال السوريّة المحاذية للعراق قبل الجيش السوري، وهذا غير قابل للتحقيق إلا بمشاركة أميركية مباشرة على المستويين البرّي والجوّي، بالتوازي مع مفاوضات سرّية للغاية بين قوّات التحالف الأميركية والفصائل الكردية من جهة، ومنظّمة «داعش» الإرهابيّة من جهةٍ ثانية، وبما يؤمّن دخول «قسد» إليها وسيطرتها عليها بعمليّات عسكرية وهميّة تخفي التنسيق السرّي مع «داعش»، وذلك مقابل السماح برحيل قادة «داعش» الأجانب إلى أماكن في بعض بلدان العالم، منها الصين وباكستان وأعالي أفغانستان والأجزاء الإسلامية من روسيا.

وهناك كلام عن إمكانيّة استخدامهم في بعض أنحاء أفريقيا، بما يلبّي الحاجات الأميركية في بعض الأماكن لجهة تفتيتها. أما عرب «داعش»، فبإمكانهم الرحيل أيضاً إلى الأماكن نفسها وبالرعاية الأميركية.

وهناك اعتقاد أنّ «سوريّي داعش» يستطيعون الانضمام إلى قوات سورية الديمقراطية، مشكّلين معها فريقاً واحداً في وجه الجيش السوري وحلفائه. ويبدو أنّ المخابرات الأميركية والفصائل الكردية تعهّدوا بإعادة عائلات الإرهابيين من نساء وأطفال إلى دول الانطلاق.

ما يؤسف له، أنّ هذا المشروع جرى تطبيقه بين الأميركيين وأعوانهم و«داعش» و«النصرة» في العديد من المدن السوريّة في الطبقة والرقّة، وكثير من المواقع في شرق الفرات وبعض الأنحاء الشمالية الغربيّة من الحدود التركية.

وهكذا تستطيع السياسة الأميركية أن تُشاغل الجيش السوري بغارات «إسرائيلية»، وحزب الله باستهدافات سياسيّة واقتصاديّة في عرينه اللبناني، مع إمكانيّة إحداث توتر عسكري بينه وبين «إسرائيل» عند حدود لبنان مع فلسطين المحتلة.

وهذا يوضح مدى المراهنة على مدينة البوكمال لعرقلة ترجمة الانتصار الروسي السوري الإيراني سياسياً، وذلك لحاجة واشنطن لمزيد من الوقت حتى تستكمل مرحلة بناء معارضات جديدة لها في الميدان السوري على قاعدة توسيع انتشار «قسد» بالتحالف مع معارضات سوريّة.

في المقابل، تعرف موسكو أنّ طريق حلّ الأزمة السوريّة مرهون بالقضاء على «داعش» في بؤرة البوكمال، وتعرف أيضاً أنّ البوكمال هي النقطة الاستراتيجية التي يجب أن يصل الجيش السوري إليها لفتح بولفار موسكو، طهران بغداد، دمشق بيروت. وهو من الممرّات القوية التي تلجم العدوانية الأميركية بأساليب عسكرية واقتصادية وسياسية، لأنّ بوسعه تطوير حركة اقتصادية كونيّة تجعل من سكك حديد موسكو وخطوط المترو فيها تصل إلى بيروت، بعد اجتيازها الخطوط الحليفة. وهذا يعني مدى إمكانيّة علاقات اقتصادية متوازنة، تؤدّي إلى تطوير وازدهار لدول التحالف كلّها.

ما يمكن استنتاجه في المحصّلة، أنّ مدينة البوكمال بصدد اكتساب صفحات من التاريخ الدولي، لأنّها المكان الذي يؤسّس لولادة مرجعيات دولية وإقليمية جديدة، تضع خاتمة لعجرفة أميركية طال أمدها، وهيمنة «إسرائيلية» يواصل حزب الله وحلفاؤه تدميرها، مقابل إعادة ترميم دولة سوريّة شامخة تمثّل دائماً عقل المنطقة وقلبها، وسيفها الذي لا يكلّ ولا يملّ في مقارعة المعتدين والمنحرفين.