«بوتين ترامب2»: اتفاق مرحلي للعبور

«بوتين ترامب2»: اتفاق مرحلي للعبور

تحليل وآراء

الأحد، ١٢ نوفمبر ٢٠١٧

بالرغم من أن الزعيمين الروسي والأميركي لم يعقدا لقاء منفصلاً على هامش قمة «أيبك» في وسط فيتنام، إلا أنهما وقعا اتفاقاً جديداً بخصوص سورية، سيضبط الحراك الدولي والإقليمي حولها على مدار الأشهر المقبلة.
الاتفاق الذي وصفه الرئيس فلاديمير بوتين بـ«فائق الأهمية»، وأثنى عليه نظيره الأميركي دونالد ترامب لأنه «سينقذ عدداً هائلاً من الأرواح»، جدد الشراكة الروسية الأميركية لمكافحة ما تبقى من تنظيم داعش في شرق سورية، مبشراً بقرب إطلاق التسوية «النهائية» للأزمة السورية «في إطار عملية جنيف ووفقاً للقرار 2254»، من دون أي ذكر لـ«مسار استانا» سوى مخرجاته من «مناطق خفض التصعيد».
أكد الاتفاق استمرار التنسيق الروسي الأميركي للقضاء نهائياً على داعش مسدلاً ضماناً روسياً أميركاً متبادلاً لأمن «القوات الشريكة» مع الجيشين الروسي والأميركي، في إشارة إلى «قوات سورية الديمقراطية- قسد»، والجيش السوري، والمستشارين الإيرانيين، ومقاتلي المجموعات المنضوية تحت لواء «الحشد الشعبي» العراقي، وأخيراً عناصر حزب اللـه اللبناني، مقابل التشديد على وحدة، استقلال وسيادة سورية، في إشارة على الرفض الروسي الأميركي المشترك للتقسيم أو أي خطوة تقوم بها ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية المنضوية تحت لواء «قسد» من شأنها التأثير على وحدة الأراضي السورية.
في الوقت ذاته أدخل الرئيسان تعديلاً طفيفاً على معادلة «شرق غرب الفرات»، التي حكمت العمليات العسكرية للتحالف الدولي ولروسيا في شرق سورية إلى ما قبل اللقاء، هذا التعديل سيمهد لانتقال عمليات الجيش السوري وحلفائه، بعد مدينة البوكمال، الواقعة على ضفة نهر الفرات الغربية، إلى المناطق المزنرة للضفة الشرقية من النهر.
كما توصل الزعيمان إلى تفاهم حول سبل تنفيذ اتفاقهما السابق على تأسيس «منطقة خفض تصعيد» في جنوب غربي سورية، والتي أعلناها على هامش قمة «مجموعة دول العشرين» بمدينة هامبورغ الألمانية في شهر تموز الماضي، لكن بيان الأمس لم يقدم أي تفاصيل جديدة بخصوص تفاهمات بوتين ترامب بشأن الجنوب السوري، على الرغم من أن الأردنيين كانوا تحدثوا قبل نحو أسبوع عن ضم بلدة بيت جن في ريف دمشق الجنوبي الغربي، والتي تشكل بوابة محافظة القنيطرة وتطل على القسم المحتل من الجولان السوري، إلى «منطقة تخفيض التصعيد» بالجبهة الجنوبية الغربية، والشيء الوحيد الذي ذكره البيان الأميركي الروسي هو توقيع ممثلين عن الولايات المتحدة وروسيا والأردن، في العاصمة الأردنية عمان، على مذكرة مبادئ «منطقة تخفيض التصعيد» في جنوب غرب سورية، وأبرزها «خفض وفي النهاية سحب القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من تلك المنطقة».
هذا بالنسبة لسورية أما بالنسبة لمحيطها، فسيولد اتفاق بوتين ترامب انعكاسات فورية هناك، وسيكون له وقع خاص في كل من أنقرة والرياض وطهران، وبموجب الاتفاق سيتم تثبيت جزئي للخطوط القتالية في الشرق السوري، وتقسيم عمل ما بين الروس والأميركيين ضد الجيب الأخير لتنظيم داعش في شرق محافظة دير الزور، وهو ما من شأنه إتاحة الفرصة أمام تحريك مزيد من مقاتلي القوات السورية وحلفائها إلى محافظة إدلب بالشمال الغربي، ضد جبهة النصرة المنحلة، التي تقود حالياً «هيئة تحرير الشام»، وإذا ما تم ذلك فإنه سيقود إلى اختلال المعادلة التي استندت إليها روسيا وإيران وتركيا في اتفاق «منطقة خفض التصعيد» في إدلب، لغير صالح أنقرة، كما سيشد الاتفاق الروسي الأميركي الجديد من عضد الروس في رفضهم للمطالب التركية التي لا تنتهي، والرامية إلى تأسيس «منطقة تخفيض تصعيد» في محيط عفرين أو تل رفعت بريف حلب الشمالي الغربي.
بعد اتفاق هامبورغ تقاربت أنقرة وطهران بشدة، لكن من غير الواضح ما ستفعلان بعد هذا الاتفاق، أما الرياض، فستصاب بخيبة أمل لأن الاتفاق ينطوي على تجديد الضمانة الأميركية الروسية لدور حزب اللـه في مقارعة داعش، وهو ما يعني استطراداً منع زعزعة استقرار الوضع اللبناني، الورقة التي لعبتها السعودية مؤخراً عبر استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة.
هكذا، صك الزعيمان الروسي والأميركي من فيتنام، الخطوط العريضة للمرحلة الانتقالية التي ستشهدها سورية والمنطقة إلى ما بعد داعش، وأبرزها إعادة إطلاق عملية جنيف، لكنهما لم يعالجا التوتر الإقليمي المشتعل، الناجم عن التحولات التي طرأت على ميزان القوى الإقليمي بعد سبع سنوات من الأزمة السورية.