أكاديميات 2 .. بقلم: طائر الفينيق

أكاديميات 2 .. بقلم: طائر الفينيق

تحليل وآراء

الاثنين، ١٣ نوفمبر ٢٠١٧

هنالك فرق كبير بين القيادة والإدارة، وعليه فليس كل إداري قيادياً وليس كل قيادي إدارياً ناجحاً. ولكن الطامة الكبرى تكون حينما يتوهم شخص ما انتفخ حتى أخر أوداجه بأنه شخص ناجح ومخلّص دون أن يدري أنه بيئة مستساغة وعذبة لجميع أنواع العقد النفسية التي قد تخطر وقد لا تخطر ببال. وبما أننا أتينا على ذكر العقد النفسية فلا ضير في الحديث عن أكثرها شيوعاً وهي عقدة النقص.
 
عقدة النقص تعريفاً هي شعور المرء بالدونية بسبب عجز عضوي أو نفسي أو اجتماعي تؤثر على سلوكه. وقد تترافق مع تعالٍ وغرور لأن الشخص لا يستطيع التعويض عن شعوره بالنقص إلا عبر التكبر والغرور والاستعلاء على الآخرين. وهذا هو محور حديثنا، وخاصة عندما يكون لنتائج تلك العقدة إسقاطات بالغة الخطورة على مكان العمل. فعندما يتولى شخص ما زمام إدارة مؤسسة أكاديمية وهو يعاني من هذه العقدة التي نشأ عليها أصلاً، سواء أكان مدركاً لها أو غير مدرك، فلنا أن نتخيل الأوضاع الناجمة عن ذلك. قد يحاول تجميل صورته والتصرف بلباقة ولكنه لن يستطيع المدارة طويلاً لأن طبيعته ستغلب وسيتبدى كل ما هو دفين في لحظة عري حقيقية.


الغريب في الأمر أنه عندما يتولى هكذا أشخاص الإدارة يحسبون وكأنهم تولوا قيادة دفة سفينة هي بحكم الغارقة وأنهم سينتشلونها بسبب خبرتهم الفائقة وقدراتهم الإعجازية غير عارفين أن عملية التخريب والإغراق بدأت لحظة توليهم. والأغرب أنهم قد يمارسون ألعاباً صبيانية للإيقاع بين العاملين في المؤسسة بحيث يسودون هم وحدهم لتبقى الأمور تحت السيطرة.
 
ليس العيب في عدم امتلاك خبرة إدارية كافية لإدارة المؤسسة ولكن العيب يكمن في نكران كل ما قُدِّم سابقاً والتخلص حتى منه والتذرع ببذل جهود جبارة لإعادة الأمور إلى نصابها، مع الحرص الشديد على أن يترافق ذلك مع إشاعات تطلق هنا وهناك تصل أصداؤها إلى كل مكان وتصل معها إنجازات القائد الإداري الفذ ... الوهمية طبعاً. هذا هو رجع الصدى الذي يطلقه ويحب أن يعود إليه؛ ذم وقدح للغير وإعلاء ورفع لقيمة النفس.
 
يا حبذا لو تستثمر كل تلك الطاقات في عملية البناء وليس التهديم. يمكن لأي منا أن يلجأ إلى أسلوب النقد والتقريع والإساءة والإشاعة والتحقير والذم والتسخيف وبالتالي تتم عملية التهديم في أقل من عام واحد. ولكن في المقابل كم نحتاج من جهود جبارة لإعادة بناء ما تهدم. كيف لنا أن نعيد للكوادر والكفاءات قيمتها ونسترضيها ونعلي قيمتها من جديد لكي تعاود عملية العطاء بأساليب ابتكارية وإبداعية لا تخطر على بال، وتعيد عملية الإعمار؟
 
التعويل على الكفاءات هو الأهم في هذه المرحلة وليس على حملة أعلى الشهادات. فقد يصيب حامل الشهادة العليا الغرور وينظر من برجه الألماسي إلى القطيع ويفكر في أنهم لا يستحقون علمه وخبرته اللذين تعب في تحصيلهما فيعزف عنهم ويغني مقطوعته الموسيقية التي لن يسمعها إلا هو وحده بمعزل عن كل الآخرين. لنقتدِ بالجامعات الغربية التي تعتمد على الخبرات والكفاءات حتى ولو لم تكن تحمل أعلى الشهادات إن أردنا نهضة حقيقية وإعماراً يبدأ من المستويات الدنيا ولا سقف محدداً له.
 
هذه حقائق وليست خيالات وهوامات كاتب، لأننا إذا ما أمعنا النظر سنجد هؤلاء الإداريين موجودين بيننا وحولنا سواء في الدائرة القريبة أو البعيدة.
الوطن يستحق منا إعادة نظر بأوضاع كفاءاتنا وتأهيل أو إعادة تأهيل قياديينا لكي يبقى شامخاً واللبنة الأولى هي التعليم عموماً والأكاديمي على وجه الخصوص.
 
يتبع