السعودية تمنح المنطق القطري ذريعة التفوّق.. بقلم: روزانا رمال

السعودية تمنح المنطق القطري ذريعة التفوّق.. بقلم: روزانا رمال

تحليل وآراء

الأحد، ١٩ نوفمبر ٢٠١٧

أطلق وزير خارجية قطر محمد عبدالرحمن آل ثاني على مقربة من وصول الرئيس سعد الحريري الى باريس، وبعد نجاح الوساطة الفرنسية في فك لغز المصير الذي أربك اللبنانيين لأكثر من 13 يوماً تصريحات تصعيدية باتجاه المملكة العربية السعودية، قال فيها بوضوح إن «هناك أزمات بدأت تخرج عن السيطرة جراء نمط من القيادة المتهوّرة في المنطقة»، وإن «ما حدث لقطر يحدث الآن بطريقة أخرى للبنان». مواقف الوزير القطري ذهبت الى حد اعتبار أن «هناك محاولات للتسلط على الدول الصغيرة في المنطقة لإجبارها على التسليم»، قاصداً لبنان وقطر وأنه بات على كل من السعودية والإمارات فهم أن هناك نظاماً وقوانين دولية يجب احترامها».

الكلام القطري بعد نجاح الفرنسيين بإخراج الحريري من الرياض هو بمثابة استعراض لزهوة المنتصر أمام الدول المعنية، والتي تابعت قضية الحريري على خلفية التصرّف غير الدستوري وغير اللائق بحق لبنان وشعبه وأهله ورئيس حكومته حتى بمعايير التصعيد السياسي التي كان ممكن تقبّلها لدى اللبنانيين، ولو جاءت بإيعاز سعودي خفي. وهم باتوا معتادين على ذلك، لكن من دون أن تخدش مشاعرهم عبر الدوس على هالة ومكانة كرسي رئاسة الوزراء والدستور اللبناني، بغض النظر عن الرئيس وهويته وانتماءاته السياسية.

القطريون اليوم يجدون في أزمة الحريري وما يحدث من اضطراب في لبنان أحد الأمثلة القادرة على تعزيز موقفهم أمام المجتمع الدولي وأمام الدول العربية التي أيّدت لبنان وسعت لإخراج الحريري أيضاً من ضمن المساعي لإعادة الاستقرار إليه. وهي بذلك تجد فرصة غير مباشرة لتظهير موقفها ويصبح المنطق القطري أكثر قرباً للواقع بالنسبة للمتلقّين الدوليين الذين يجدون في قضية المقاطعة لها مبالغة سعودية لجهة العداء الحاصل تجاه دولة خليجية شقيقة.

كل هذا يُضاف إليه الحصار الذي شكلته المقاطعة العربية وأقواها السعودية على الدوحة، اقتصادياً وتجارياً وسياحياً. وهو الأمر الذي من شأنه إرهاق الاقتصاد القطري بالحساب السعودي. وهو الأمر الذي تنسفه التقارير القطرية لجهة محاولة إظهار جانب التعدّي الذي تمارسه السعودية على قطر وعلى كل مَن يخالفها أو يعاندها.

يستقبل الرئيس ماكرون الحريري كرئيس وزراء للبنان بدلاً من استقباله رئيساً مستقيلاً. وهو بدوره يضرب الموقف السعودي بطريقة أو بأخرى، معلناً عدم تقبّل فرنسا لما جرى. وهو الأمر الذي يتكفل بالتصويب عليها من الجهة الأوروبية. فالحريري في فرنسا اليوم هو حدث وخبر أول وهو يتصدّر أخبار الصحافة الفرنسية خصوصاً، وأنه يأتي بإطار حملة أسماها ولي العهد السعودي حملة مكافحة فساد اعتقل فيها عدداً كبيراً من الأمراء والمسوؤلين حتى صار أي خبر يتعلّق بهذه الحادثة او ما يعادلها هو أكثر الأخبار إثارة للجدل.

بذكاء فرنسي للرئيس ايمانويل ماكرون صار ممكناً الدخول مجدداً الى لبنان بزخم أكبر من بوابة استقالة الحريري، وما يعنيه ذلك من متابعة فرنسية ورعاية مباشرة لما بعد قدومه إلى لبنان وإشرافها على العملية السياسية، وما يعنيه ذلك من انتباه للوضع الأمني بالمحافظة على الأمن والاستقرار الذي ينشده الأوروبيون في لبنان.

وبالعودة إلى قطر، فإن قضية الحريري جاءت لوضع النقاط على الحروف بالنسبة إليها، وبالنسبة لكل من التبس عليهم الأمر وعاتبوا الدوحة على عدم احترام مواقف الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية كدولة حاضنة لمجلس التعاون الخليجي، حيث كانت قطر أول من قام بشق صفه بمواقف مغايرة صارت محطّ جدل بين عدد من الدول العربية.

سمحت المملكة العربية السعودية بسلوكها السياسي العنيف والمتسرّع تجاه تنفيذ مخططاتها في لبنان والمنطقة بوضع علامات استفهام كثيرة حول العلاقة معها، وحول كل دولة تنوي تعزيزها. فشكل العلاقة مع الرياض صار بالنسبة لكثيرين أحد المحاذير في العمل السياسي الذي يدرك سلفاً أن حفظ سلامة العلاقة بالمملكة العربية السعودية يعني أن تجاريها بالموقف من دون أي اعتراض او تفكير. وهو الأمر الذي يكرس ما تحاول قطر إيضاحه للمجتمع الدولي والمتمثل بما تسميه الدوحة «التسلّط».

لجهل واضح وعدم دراية بالنسيج اللبناني وخلفيات انتماءات الأحزاب الكبرى وتاريخ السياسة وفنونها نسفت السعودية «الجديدة» كل ما بناه عقلاء المملكة الذين صاروا من الماضي اليوم. فهذه الإدارة تكفلت بخلق ثغرة كبيرة مع اللبنانيين الذين يحتاجون وقتاً طويلاً لاستعادة الثقة بالمملكة وإعادة الحديث عن دور فاضل وفاعل اتجاههم لا، لأن الأمر يتعلق بالحريري، بل لأن الأمر يتعلق بالتعدي على الدستور اللبناني عن سابق تصور وتصميم.

فتحت السعودية المجال أمام القطريين لاقتناص فرصة استغلها المسؤولون في الدوحة في سلسلة اتصالات تابعوا فيها أزمة الحريري شارحين موقف بلادهم مع ثناء واضح على الدور الفرنسي. وهنا تجدر الإشارة الى ان الدور الفرنسي بنفسه يشكل محطة غير مرضية بالشكل الكامل عند السعوديين. فالرئيس ايمانويل ماكرون يعارض المملكة في ملف اليمن ويدعو إلى حل سياسي شامل ويختلف معها في سورية، بعد أن أيّد ماكرون وجود الرئيس الاسد في السلطة، وحيال الازمة القطرية ايضاً، حيث يحتفظ ماكرون بأفضل العلاقات مع امير قطر اضافة الى موقفه من لبنان وقضية الحريري اليوم. وكلها عناصر تضغط على الموقف السعودي الذي صار يحتاج الى حركة تصحيحية أو نقلة نوعية باتجاه تعديل مواقفها وإلا فإنها تجرّ نفسها نحو عزلة «معنوية» تدريجية بعيون المجتمع الدولي مهما كابرت أو نفت.