هل يحتاج العالم العربي التعقل أم الجنون ؟.. بقلم: المهندس  ميشيل كلاغاصي

هل يحتاج العالم العربي التعقل أم الجنون ؟.. بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٧

( لأننا في الشرق الحنون حيث تكثر العاطفة وتقل الحنكة , وتكثر الدروس وتقل العبر , لأننا تعشق الماضي , ونلفظ حاضرنا  وربما نكره مستقبلنا , ونرى أولادنا يسقطون في النهر واحداً تلو الاّخر , ونسبح و نغوص لإنقاذهم , ونتعب و تخور قوانا , ونلوم سباحينا و منقذينا إن تأخروا , ولا نكلف أنفسنا عناء صعود التلة لنرى من يقذف بهم في النهر , فيما يضحك ويطرب ذاك المجنون بصراخ أولادنا وهو يدفعهم نحو الحافة ويستمتع بسقوطهم المريع , وعسانا نعرفه ونجالسه ونمازحه  ونطيعه ونتقاسم معه رزقنا ولقمة عيشنا , فهو مجنون ومسكين ويستحق حناننا , لا تستغربوا فنحن نختلف عنكم يا معشر الأمم كما نختلف فيما بيننا تماماً, ولم نعد نُجمع أو نَجتمع على شيء , فلو تكلمنا بالتاريخ , لعلت أصواتنا , وتشبث كل منا بصفحته , ولو تكلمنا بالجغرافيا يا إلهي! ستكون خرائطٌ و قصصٌ تبدأ ولا تنتهي , ولو تكلمنا في الدين , لشمت فينا الملحدون , ولو تكلمنا عن أصحابنا  وأعدائنا لإختلط الحابل بالنابل , ولتساوى الأصدقاء بالإعداء , ولو تكلمنا بالعلوم لتساوى العقل والصخر , ولو تكلمنا في السياسة لإنقسمنا بين مناضلين وخونة , ولو تكلمنا في الشعر لأصابت سهام الهجاء والرثاء والمديح والذم كلها مجتمعةً صميم قلوبنا , واحتجنا لسيارات الإسعاف , .. لا تستغربوا جيراننا و أعدائنا وأصدقائنا , فنحن راسخون في الشرق الحنون إلى ما لا نهاية ).
ولأننا نحبكم , نفتح أسواقنا لكم , ولأننا نقدر جهودكم وعلومكم لا ننافسكم , ولأننا نهتم بمستقبلكم فنفضلكم على أنفسنا , ولأننا نرى إهتمامكم بالمستقبل نعطيكم المساحة ونبقى في الماضي , ولأنكم مساكين وبلا ثروات سنورثكم مالنا , ولأنكم بسطاء وصادقون سنركن ظهورنا لكم ... ولأنكم تكرهون أخينا , سنعينكم عليه , لأنكم تريدون احتلال بلادنا سنريحكم و نعطيكم إياها بالمجان , لأنكم ولأنكم فنحن لكم ومعكم وتحتكم وورائكم وفي خدمتكم .. لا تستغربوا فنحن الشرق الحنون ... ولأنكم أقوياء لن نختبركم , لأنكم أصحاء سنفرح لكم , لأنكم جياع سنطعمكم , ولأنكم ولأنكم فنحن لكم و معكم وتحتكم وورائكم وفي خدمتكم.
مالذي حدث وحوّل شعوب الأمة الواحدة إلى خصوم وأعداء , ودفع بالوهن والضعف لينخر عظام الأمة , ويشرّع أبوابها أمام الطامعين والغزاة الكُثر !؟.. ولماذا خرج من رحمها من أراد دمارها و زوالها ؟ ومنح المستعمرين والصهاينة والغزاة إجازةً, و تولى عنهم مهمة ضياع الأمة وتشرذمها وتفككها !.
كيف لمواطننا العربي أن يفهم أن العداء والإقتتال العربي– العربي هو الحلم والغاية والمبتغى, وأن الدماء وقطع الرؤوس والإرهاب ليس سوى أسلوبنا وطريقتنا لتحقيق أهدافنا وأحلامنا بغدٍ أفضل, وحياةٍ رغيدة , ومستقبلٍ مشرق تسوده الحرية والديمقراطية والكرامة !؟.
وكيف لبعض المتطرفين الحاقدين والمتخلفين الفاسدين , من عرب الممالك والمشيخات الخليجية أن تقود حروب تدمير الأمة العربية , بمالها ودعمها وبسيوف أولادها ممن امتلئت رؤوسهم بالأوهام والأحقاد , وتمعن في قتل العرب وتدمير مدنهم وجيوشهم ومؤسساتهم ومقدراتهم !.
مالذي يدفع اّل سعود واّل  ثاني وجميع الاّلات لفعل هذا ؟ أهو الحب والود القاتل للشعب السوري والعراقي واليمني واللبناني ..إلخ ؟ أم هو عدم قدرتهم على مواكبة العصر الحديث , فكان الهروب نحو الماضي وعصور التخلف والهمجية ؟ أم هي أصولهم المجهولة–الغريبة , ونتاج رزاعة الإستعمار البريطاني والصهيونية العالمية في جسد أمتنا.
لم يكن, ولم يعد خافياً على غالبية الشعوب العربية , تاريخ تلك العائلات الحاقدة , ولم ينجو بلدٌ أو شعبٌ عربي واحد من تاّمرهم وحقدهم , بما فيها تلك التي تعيش تحت سطوتهم ... لقد حاولوا مراراً شراء الدولة السورية وتهديمها ودعم الإنقلابات السياسية فيها , ونشر وتعميم الفساد فيها عبر أزلامها ومال نفطها القذر, عشرات المؤامرات كشف بعضها التاريخ ومذكرات الصهاينة , ومحاضر ووثائق أجهزة الإستخبارات البريطانية والأمريكية والمصرية , ناهيك عن الوثائق السورية .. ومع ذلك تحمّلت الدولة السورية الكثير وعزفت عن فضحهم لسنوات , ولم تكن لترضى بأن يسيء لهم أحد , وهمّها الوحيد وحدة الصف العربي , ومنع الإنقسام والحفاظ على سمعة الأمة وصون مقدراتها , وعدم فتح باب المناكفات والخلافات والخصومات , في وقتٍ تعاني الأمة من صراعٍ مريرٍ مع العدو الصهيوني المدعوم أمريكياً وأوروبياً ولا نبالغ إذ قلنا عالمياً, ولاتزال فلسطين والجولان السوري وبعض أراضي لبنان في قبضة الهيمنة الصهيو- أمريكية , وتحت نير الإحتلال الإسرائيلي المباشر.
يعرف العرب والسوريون خصوصاً , ومنذ أمدٍ بعيد, أن فكراً تكفيرياً حاقداً يقود تلك العائلات الحاقدة , وأن بدعاً دينيةً مشوهة تحركهم وترسم تحركاتهم وسياستهم , وليس ما يحدث الاّن في فضحهم هو طفرةٌ أو إكتشافٌ جديد .. فقد بلغ السيل الذبى, ووصل الغيّ والحقد مبلغاً لم يعد مقبولاً معه استمرار السكوت , لقد وضع اّل سعود خناجرهم على رقاب السوريين واليمنيين وأمعنوا في قتلهم , وفي التدخل في شؤونهم , والتحكم بمصيرهم ومستقبلهم.
و ما يثير الإستغراب صمت العالم على جرائمهم بحق سورية والسوريين والعديد من الدول والشعوب العربية , والتي تعدتها إلى التدمير الممنهج لمفهوم الأمة العربية والإسلامية  , وما عجز عنه الغرب المتصهين وقوى الإستكبار العالمي, تتجرأ مملكة الشرّ على فعله.
فها هي اليوم , تتاّمر على عوامل نشوء وتكوين الأمة بهدف إنهائها و زوالها , إذ تسعى لإنهاء القضية الفلسطينية وتقديمها أرضاً وشعباً هديةً لشعبٍ غاصبٍ يدّعي أنه "المختار" , وتندفع نحو خراب سوريا  وتقسيمها وتشظي الأرض العربية في استهدافٍ واضحٍ لعامل الأرض , ولتشويه وضرب الدين الإسلامي الحنيف كعامل ثانٍ , وبتشجيع اللغات المحلية والمحكية في العالم العربي الغني بالإيدولوجيات والإثنيات والأصول العديدة , فلم تعد لغة الضاد مسموعةً ولا مفهومة , وبالكاد تستطيع التحاور مع العربي بلغته الأم , وما يخص الأحلام والاّمال العربية الواحدة المشتركة , لم تعد واحدة , إذ يتباهى البعض بأصوله الفرعونية , واّخر بالاّشورية والسريانية والفينيقية والصحراوية والمغاربية ...إلخ , و تحولت الأمال والطموحات نحو التفرقة والشرذمة.
كما أصبح للعرب مفاهيمٌ ونظرة خاصة بأعداء الأمة , فالبعض يرى أن الصهاينة والإسرائيليون ليسوا أعداء , في حين غَنِمَت الخيانة وجهات نظر مختلفة , فأصبح الجيش المصري يحتل مصر , والسوري يحتل سوريا , ومقاومة العدو الصهيوني جريمةٌ يُعاقَب عليها المقاومون , وتحوّل الحديث عن هلالٍ سني واّخر شيعي , وتحولت إيران إلى دولة معادية تعقد لأجل قتالها الأحلاف والتكتلات العربية وتُحشد جيوش الإرهابيين والبلاك ووتر لقتال "الفرس" , وتحولت حروب وصراعات العالم ودول المنطقة إلى حروبٍ دينيةٍ , قد لا تُبقى على الأخضر واليابس .
يرى العالم ويراقب ما يحدث بعين الرضى وكله أمل بتحقيق أهدافه بالمجان وعلى جثث الشباب العربي والشباب المتطرف غير المرغوب بوجوده على أراضيهم وفي بلادهم... وها هي السعودية تقود تحالفاً ضد الدولة الإيرانية , يتخطى القطيعة وقطع العلاقات الدبلوماسية , وعينها على دفعها للإنجرار لحربٍ دينيةٍ بغاياتٍ قذرة , يستفيد منها أعداء الأمة في الغرب الأمريكي والأوروبي والعدو التركي والعدو الإسرائيلي تحديداً .
إن سعي اّل سعود لتفجير الحروب الدينية ما كان ليحصل لو قال العالم الحر كلمته , وطبّقت دول العالم ما توافقت عليه في سلسلة القرارات الأممية بمنع تمويل ودعم الإرهاب , وتوجيه تهمة القتل إلى القاتل السعودي مباشرةً ,  فصمت العالم على إغتيال اّل سعود, العلامة وشهيد المحراب العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي , دفعها لإغتيال الشهيد الشيخ نمر باقر النمر , وصمته عن تدمير سوريا شجعها على تدمير اليمن , والعودة إلى تدمير لبنان من بوابة إختطاف رئيس حكومته وإجباره على الإستقالة , وكشف ظهر المقاومة اللبنانية أمام عدوانٍ إسرائيلي جديد , في الوقت الذي يواجه فيه رجال المقاومة جيوش التكفير في "داعش" وأخواتها.
لم يعد الركض السريع ينفع من كان متأخراً, فهروب المملكة إلى عصور الجاهلية أثبت عقمه , ونتيجةً واحدة للهروب إلى الأمام , فسورية ستنتصر, ولن يجن العالم ويخوض حروب اّل سعود , وستبقى الشعوب العربية في مواجهة الحرب التي لن تخوضها الجيوش , والتي ستُترك  للواعين والمثقفين والمفكرين , اللذين لن يتوانوا عن امتلاك الشجاعة في تنقية التاريخ العربي من شوائبه ونزع ملايين الصفحات المزورة , ومواجهة الحقيقة , علّهم بذلك يضعون أقدام الأمة على الطريق الصحيح .. فتاريخ ودماء من ضحوا بدمائهم لبقاء الأمة حتى يومنا هذا تستحق أن نفعل ما يليق بنا كشعوب وأمة عربية.... ويبقى السؤال , هل يحتاج العالم العربي التعقل أم الجنون ,, أم لكليهما معاً !.