الحريري... بين الزنزانة والعباءة !!.. بقلم: نبيه البرجي

الحريري... بين الزنزانة والعباءة !!.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٧

الرئيس سعد الحريري خرج من الزنزانة السعودية. هل بامكانه الخروج من العباءة السعودية ؟
الأمير محمد بن سلمان (ويل للذي يخرج عن طاعته) قال لتوماس فريدمان «خلاصة قضية استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري تتمحور حول أنه، وهو مسلم سني، لن يستمر (انتبهوا... لن يستمر)  في توفير غطاء سياسي للحكومة اللبنانية التي تخضع، وبشكل رئيسي، لسيطرة ميليشيات «حزب الله» الشيعية اللبنانية التي، بدورها، تخضع لسيطرة طهران».
لا نحتاج الى عيني زرقاء اليمامة، ولا الى أذنيها، كي ندرك أنه يقول للرئيس الحريري «انت في قبضتي ولو ذهبت الى المريخ، وليس فقط الى قصر الاليزيه أو الى قصر هليوبوليس (الاتحادية)».
ما يستشف من كل المواقف التي أعلنها الأمير الشاب أنه في صدد بناء دولة (أو أمبراطورية) هي، لا ايران، من تملأ الفراغ في المنطقة. لا مشكلة في التعاون الاستراتيجي، وحتى الايديولوجي، مع اسرائيل، ما دام مفتي الديار السعودية قد قال بالمصالحة الالهية بين اسحق واسماعيل. الاثنان ابنا ابراهيم، وهو أب اليهود مثلما هو أب العرب.
العرب يحلمون بأن يكون لهم قائد بتلك المواصفات. اجتثاث الفساد، سيما اذا كان الفاسدون من أهل البلاط، والانتقال من ثقافة ابن تيمية الى ثقافة ألبرت اينشتاين، وقد شدّد الأمير على البعد التكنولوجي في تصوره للمملكة العتيدة.
نسأل، وقد قرأنا ما قاله، وما قام كتبة البلاط بتسويقه من أن هذا الشرق سني، هل صاحب السمو يطرح نفسه قائداً سنيا أم قائداً عربياً؟
وهل يليق بمن يسعى لابدال فتاوى عبد العزيز آل شيخ بمفاتن الليدي غاغا، عبر المدينة (الدولة) التي يزمع اقامتها على شواطىء البحر الأحمر، أن يتكلم، بل ويقتفي أثر البعض في ايران الذين يخلطون بين المفهوم الديني والمفهوم الجيوسياسي للدولة؟ كيف يمكن أن يكون سنيّاً فقط، ويكون ملك ملوك العرب الذين بينهم الشيعي. والمسيحي، والدرزي، والعلوي، وحتى الايزيدي والبهائي، ناهيك عن الصابئة والمرجئة ؟  
واذا كان المنطق يقول لا دولة حديثة دون ديمقراطية، وهذه الكلمة لم ترد البتة في أحاديث الأمير، كيف يمكن أن يقع في «الحالة الايرانية» ؟
أليست تهمته الى ايران بأنها تتولى تأجيج المذهبية وتوظيفها استراتيجياً، حين لحظت المذهب الجعفري كمرجعية فقهية في الدستور، في حين يصف رئيس الحكومة اللبنانية بـ«السني» لا في مقاربة لهيكلية السلطة في لبنان وانما لدفعه الى الزاوية في هذه الظروف الهائلة.
قال للشيخ سعد «أنت الى جانبي في الصراع ضد ايران وحزب الله». هل يمكن تفسير كلامه لـ«النيويورك تايمز» بغير ذلك ؟ في هذه الحال، أين هو النأي بالنفس داخل مهرجان الحرائق؟ نسأل صاحب السمو، وكلنا قناعة بأن الصراع السني ـ الشيعي مبرمج اقليمياً ودولياً، ولأغراض سياسية: هل الذي يحصل في مصر، أو في ليبيا، أو في تونس، وحتى في الصومال، له علاقة بصراع القبور بين السنّة والشيعة؟
لعل الأمير محمد لا يدري أن الحوثيين الذين يقاتلهم، ويقتلهم، الآن، هم من وقفوا الى جانب المملكة في حربها ضد ثورة عبد الله السلال، وضد الجيش المصري. لولاهم لكان صوت جمال عبد الناصر يدوي في شبه جزيرة العرب.
حقاً، سعد الحريري في مأزق وجودي. يعلم من هم بين قيادات تيار المستقبل من أعدوا العدة (أحدهم أتى بحصان أبيض) لمبايعة بهاء الحريري بعدما أبلغوا تامر السبهان بأن الشيخ سعد، وبالحرف الواحد، أقرب الى أن يكون كازانوفا من أن يكون زعيم السنّة في لبنان.
هؤلاء قالوا أيضاً أنه، الغارق مالياً، يتعلق بأسنانه بالرئاسة الثانية ولو اقتضى الأمر أن يعمل باشكاتب في القصر الجمهوري.
صاحب السمو قال لتوماس فريدمان كلاماً يفترض برئيس الحكومة الذي اخترع له مستشاروه كلمة «التريث» أن يفقهه وأن يأخذ به.السؤال البديهي هنا، وكل شيء مرتبط باحتمالات التسوية الاقليمية، هل يستطيع محمد بن سلمان اسقاط الرئيس ميشال عون أو اخراج السيد حسن نصرالله من الميدان؟
هذه هي المعادلة التي سعى اليها البلاط. وضع بهاء الحريري في مواجهة عاصفة مع القصر. لم يدرك أن لعبة الأمم تقول بالحفاظ على الستاتيكو في لبنان. الرئيس الحريري يعلم ذلك. لا يفكر بالخروج من العباءة السعودية، ولا يستطيع. هل يقبل أن يكون تمثالاً من الشمع؟ هنا المسألة...