رسالة.. بقلم: سامر ضاحي

رسالة.. بقلم: سامر ضاحي

تحليل وآراء

الخميس، ٣٠ نوفمبر ٢٠١٧

لم يكن إعلان الحكومة السورية قبل أيام تأخير وصول وفدها إلى جنيف، ثم وصول الوفد في وقت لاحق يوم أمس، مجرد تأخير لوجستي لساعات قد يحدث في أي طاولة مفاوضات عادةً، وخصوصا إذا ما أخذنا بالاعتبار، التطورات الميدانية التي سبقت انعقاد هذه الجولة من المحادثات.
وبالعودة إلى تطور هذا المسار منذ انطلاقته في 2012 وانتهاء بالجولة السابعة التي اختتمت في النصف الأول من تموز الماضي، فإن الملاحظ بأن الحكومة السورية كانت تسابق إلى إعلان المشاركة في كل جولة، عدا الأولى التي غُيِّبت عنها، وتمارس براغماتية مكنتها من التحرر من قيود «جنيف1» بعد جولة واحدة، ليتحول أساس التفاوض منذ الجولة الثالثة في شباط من العام الماضي إلى القرار الأممي 2254، واستطاع حلفاؤها الروس والإيرانيون، ابتداع مسار جديد تجلى في 7 جولات من الحوار السياسي العسكري في أستانا، كانت نتائجه أكثر وضوحاً من مسار جنيف نفسه، على حين كان الأخير يواصل التعثر جولة بعد أخرى، إن بفشل الأمم المتحدة ومن ورائها القوى الغربية والإقليمية من جهة، أو بنجاح الحكومة السورية بتبريد السخونة التي كانت ترافق أي جولة.
وبمقارنة موعد الجولة الحالية والتطورات الميدانية، يمكن التكهن بأن دمشق أرادت تأخير انعقادها حتى يتحقق لها الوصل الاستراتيجي مع العراق وإعلان ريف دير الزور نظيفاً من تنظيم داعش الإرهابي، فكان الموعد قبل أيام من هذين الأمرين متسرعاً من وجهة نظرها، لكنه مطلوب في ضوء التفاهمات التي تحققت خلال اللقاء الثلاثي بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا، وصيغت قبلها بيومين خلال قمة الرئيس بشار الأسد ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وبالتالي يمكن التكهن بأن دمشق أرادت من إعلان تأخير وصول وفدها، كسب كرت تفاوضي جديد لتوجه رسالة واضحة وصريحة تعلن فيها تقسيم مسار جنيف إلى مرحلتين، الأولى ما قبل الانتصارات في دير الزور، والثانية ما بعد الوصل مع العراق الذي بات قاب قوسين أو أدنى.
يوازي ذلك الرفض الحكومي لمفاوضات مباشرة رغم أن كل الجولات السابقة كان هذا الوفد هو من يرفع هذا الطلب عالياً، وبالتالي لا تريد فقط دمشق تقوية موقفها التفاوضي فحسب، وإنما رسم معالم الفريق الآخر متسلحة بالـ2254 نفسه الذي يمنحها هذا الحق بما أكد عليه من ضرورة تمثيل كل القوى السورية بما يضعف التكتل المقابل واقعياً في النهاية.
وبانتظار الإمكانية المتناقصة لانعقاد مؤتمر سوتشي للحوار السوري، الذي يبدو أنه ذهب في مهب الريح بانتظار قدرة موسكو على فرض وجود الأكراد فيه على تركيا، فإن دمشق تدرك بوضوح أن رؤيتها الإستراتيجية تقترب جداً مع المطلب الدولي بضرورة تمثيل كل السوريين، ولذلك لم تعد مستعجلة للذهاب إلى أي جولة تفاوض، ما لم تكن قد صاغت مخرجاتها المبدئية بنفسها، لأن المعارضة المقابلة مجزأة ومقسمة، وهي تتصارع خارجياً على المقاعد ضمن الوفد «الواحد» المنبثق عن مؤتمر «الرياض2» رغم كل ما تحاول أن تحيط بنفسها من مظاهر التوافق والتوحد، وهي داخلياً ليست بالقوة التي يمكن لها أن تشكل ضغطاً شعبياً على دمشق، وعامل الزمن يسير في صالح الأخيرة ميدانياً وإقليمياً ودولياً، ومن هنا تقل احتمالات خروج «جنيف 8» بنتائج ذات قيمة، هذا إن نجح المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بداية بعقد أي محادثات رسمية.
وبالتالي سيكون لمسار أستانا المساحة الكافية للمضي قدماً في ترتيبات الحل وتطوير «اتفاقات خفض التصعيد» مع كل ما استطاعت أن تحققه من استقرار ميداني شرط القدرة على جذب الولايات المتحدة الأميركية إلى هذا المسار، بعد النجاح الروسي بجذب تركيا كضامن، والسعودية كداعم أولاً، وفي ضوء تضارب المصالح المحلية والإقليمية والدولية في شمال سورية ولاسيما بين موسكو وواشنطن ثانياً، بموازاة العمل على الداخل السوري لترسيخ هذه التفاهمات وتبسيطها لتصبح قابلة للاستمرارية ثالثاً، ونقل كل هذا إلى جنيف، بعدما باتت الأزمة السورية تهدد بلدان الجوار أكثر مما تضغط على دمشق.