استراتيجيّة «القباقيب».. بقلم: نبيه البرجي

استراتيجيّة «القباقيب».. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الجمعة، ١ ديسمبر ٢٠١٧

«الزمن، ذلك الذئب الذي يجرني بذيله». هذا القول للكاتبة الأميركية توني موريسون توقف عنده استاذ جامعي باكستاني يعيش في ايرلندا، لدى تعليقه على اجتماع وزراء دفاع 40 دولة مسلمة في الرياض. قال «هؤلاء لا يحتاجون الى ذئب ليجرهم بذيله. ناقة تكفي لكي تجرهم بذيلها».
شخصياً، لا يمكن أن أتقبل ذلك المصطلح الفضفاض، أي العالم الاسلامي، الا اذا كان علينا ان نذهب أكثر في السذاجة، وفي الرياء، ونتحدث عن العالم المسيحي، والعالم اليهودي، والعالم البوذي، والعالم الهندوسي…
تلك الدول تضم نحو مليار كائن بشري أو ما دون البشري. العدد التقديري للجيوش 6 ملايين جندي، أي ما يوازي عدد سكان «الشقيقة العزيزة» اسرائيل. أكثر من 8آلاف طائرة، ونحو 16 ألف دبابة.
أصحاب المعالي التقوا تحت مظلة التحالف الاسلامي، برئاسة الأمير محمد بن سلمان. قرروا استنفار كل امكاناتهم من أجل محاربة الارهاب (أي محاربة الهواء) الذي ترعرع تحت عباءات العديد منهم.
لا وجود لنص الهي يقول أن مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية سيهبطون، ذات يوم، من كوكب آخر، أو من احدى الضواحي في السماء، بعدما حاول أحد منظّري التنظيم الترويج بأن الملائكة يرتدون الزي الأفغاني.
لا ندري لماذا يفترض أن نبقى داخل تلك الكوميديا السوداء, وأن نطفو فوق ذلك الاوقيانوس من النفاق. غالبية الدول اياها من ورق، أو من تنك. القاذفات «غير الاسلامية» كان لها الدور الأكبر في ملاعبة التنظيم ثم الاجهاز على آلته العسكرية، ولأغراض لا علاقة لها بمصالح العرب.
وزراء دفاع 40 دولة باستطاعتهم ان يهزوا الدنيا، وأن يقهروا الامبراطوريات، ومع ذلك تعيش العشرات من تلك الدول، أو بعضها، برئاسة المملكة العربية السعودية، بحماية الأساطيل الأميركية.
أي ارهاب يقاتل هؤلاء؟ مرة أخرى، لسنا معنيين بالنموذج الايراني في هيكلية السلطة، وفي البنية الايديولوجية للدولة. ولي العهد السعودي يعتبر أن ايران هي أكبر منتج للارهاب في العالم. لماذا لا يكون تحالف، وبقيادة جنرال سعودي يشبه الزير المهلهل لازالة الاحتلال الايراني لدول عربية؟ للعلم فقط جيء بالرئيس السابق للأركان الباكستانية لقيادة القوات العربية المشاركة في القتال على أرض اليمن.
نذكّر من يعنيهم الأمر أن «عاصفة الصحراء» عام 1991 كانت بقيادة الجنرال الأميركي نورمان شوارزكوف، لا بقيادة أي جنرال عربي والا كنا أمام «عاصفة في فنجان».
لن نسأل عن فلسطين على طاولة وزراء الدفاع في 40 دولة اسلامية. فلسطين «ظاهرة خرافية». هكذا قالت شخصيات عسكرية واكاديمية واعلامية سعودية. اسرائيل هي الحقيقة التاريخية التي استعادت ألقها بعد 3000 عام من التيه في الأزمنة وفي الأمكنة.
للمرة الأولى في التاريخ نشهد لقاءات لأربعين وزير دفاع. لا ليضعوا الخطط الخاصة بحرب النجوم (أحدهم قال عبر مواقع التواصل الاجتماعي…حرب الأرانب)، وانما لاقامة السور العظيم بين مجتمعاتهم والسيد الزمن. باراك اوباما قال لهم الخلل فيكم.
وزير الدفاع ذاك الذي يمتلك يختاً بنصف مليار دولار، في حين أن ضباطاً في الجيش المصري بالكاد يمتلكون دراجات هوائية، وفي حين أن ضباطاً في الجيش السوداني يضطرون لاستخدام الحمير، أو العربات التي تجرها الحمير، للانتقال من موقع الى موقع، وفي حين أن ضباطاً من الجيش الموريتاني يمشون حفاة على الرمال.
كوميديا العصر أم تراجيديا العصر؟ ضحك على الناس، وعلى ذقون الناس. مذهل ما تكتبه الصحافة السعودية الآن عن رجب طيب اردوغان، كما لو أن التعاون العسكري والاستخباراتي لم يكن في ذروته بين البلاط السعودي والبلاط العثماني.
الصحافة اياها تغاضت عن حديث المليارات التي وضعت بين يدي الرئيس التركي لتدمير سوريا. استفاضت في الحديث عن استجلاب، واستضافة، وتدريب، عشرات الآلاف من شذاذ الآفاق للقتال تحت الرايات السوداء.
أكبر بكثير من هؤلاء الأربعين حدث ويحدث في الأروقة الخلفية. تغييرات دراماتيكية في قواعد اللعبة، وفي المعادلات. آرون ميلر أشار الى الثالوث الاستراتيجي (روسيا، تركيا، ايران) ليتصل في اليوم التالي دونالد ترامب بنظيره التركي، وحيث التصفية المرتقبة للميليشيات الكردية على الأراضي السورية.
كرنفال ساذج. لم يكن ينقص أصحاب المعالي سوى قبقاب غوار الطوشي يدوّي في القاعة. استراتيجية القباقيب!!