سياقات جنيف: نصائح مجانية للمعارضة.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

سياقات جنيف: نصائح مجانية للمعارضة.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٨ ديسمبر ٢٠١٧

على مر الجولات الثماني التي شهدتها جنيف حتى الآن، لم تحقق أي من جولات التفاوض أي تقدم يذكر ولو كان جزئياً أو بسيطاً، والسبب في ذلك هو بسيط أيضاً، فجنيف يبدو محفلاً لتوازنات إقليمية ودولية متضاربة في مصالحها على الأرض السورية، ومن الصعب إيجاد نقاط تلاق لها، وخصوصاً أن الأمر لم يعد قائماً بين خندقين اثنين تتراصف في كل منهما قوى عديدة في مواجهة نظائر لها في الخندق الآخر، وإنما أضحت هناك العديد من الخنادق التي تتصارع في العديد من الاتجاهات.
ما أظهرته جولة «جنيف 8» التي أعلن عن انتهائها الخميس الماضي، هو تكاثف المشاريع، والذي ظهر في الطروحات على طاولة المفاوضات، لم يزل يرخي بظلاله الثقيلة ويحول من دون حدوث اختراق يمكن أن يفضي إلى الدخول في فضاءات الحركة بدلاً من فضاءات المراوحة الحاصلة حالياً.
من الواضح أن طروحات المعارضة تريد العودة إلى توازنات العامين 2012-2013 وإلغاء كل ما تحقق بدءاً من عودة حلب إلى الحضن السورية قبل عام من اليوم، مروراً بمناطق خفض التصعيد الأربع، وصولاً إلى لقاء حميميم والذي كان إيذاناً بإطلاق تحالف إيراني تركي سوري عراقي برعاية روسية وقد تكون مصر أحد أركانه قريباً، وجميع ما سبق له دلالاته التي يجب أن تبين كلها في أطياف السلال التي يجري التفاوض حولها، وما يجب على المعارضة أخذه بعين الاعتبار هو أن المرجعيات التي يجري الاستناد إليها في جنيف يمكن لها أن تصبح مرجعيات بالية في حال لم تلب مطالب السيادة ووحدة البلاد، حتى القرارات الدولية التي غالباً ما تكون نقطة التقاء دولية حول أزمة ما، لا يمكن لها أن تكون محل ترحيب أو قبول فيما إذا كانت تتنافى، أو هي تريد القفز، فوق معطيات الميدان والتوازنات الإقليمية والدولية القائمة، وما كان يجب على المعارضة أن تفهمه في هذا السياق بالإيماء كان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا قد قاله لها بوضوح قبل يومين من الإعلان عن انتهاء الجولة الماضية: إن إخفاق جنيف سوف يعني تلقائياً الانتقال إلى سوتشي، ثم أضاف بطريقة من يسدي النصح مخاطباً الدائرة الضيقة في قيادة المعارضة: لم تعودوا تحظون بأي دعم دولي بل حتى الحلفاء الأميركيين باتوا يشيحون بوجههم عن كامل المشهد، وهو بذلك إنما أراد القول إن المطالب يحب أن تكون على قدر الأوزان والحجوم.
لا يمكن النظر إلى المفاوضات إلا على أنها استمرار للمعارك لكن بوسائل أخرى، وهو ما أراد رئيس الوفد السوري بشار الجعفري إيضاحه للمبعوث الأممي حين وضع أمامه الخريطة السورية مشيراً إلى مناطق سيطرة الجيش السوري فيها، وهي في المجمل تشكل الغالبية الساحقة من تلك الجغرافيا، الأمر الذي فسرته جهات محسوبة على المعارضة بأنه يمثل إهانة للعملية التفاوضية بل وللأمم المتحدة أيضاً، لتذهب، تلك الجهات، إلى حدود اتهام الوفد السوري بتسريب الفيديو الذي يرصد تلك الحالة السابقة في اليوم الأخير من المفاوضات، وكأن عرض الوقائع يمثل تهمة أو هو إهانة للآخرين.
إلى اليوم من المؤكد أن المعارضة السورية لم تجر مراجعة شاملة لمواقفها التي اتخذتها منذ بدء الصراع إلى اليوم، ولا هي قيمت الخيارات التي ذهبت إليها وفي الذروة منها خيار اعتماد السلاح خياراً وحيداً لقلب الأوضاع في البلاد، وهي لو فعلت فإن تلك المراجعة سوف تؤدي بالتأكيد إلى نتائج مهمة في الذروة منها بروز إخفاق الخيار الأساس الذي اعتمدته، والأهم في حينها الاعتراف بالنتائج التي ستفضي إليها تلك المراجعة والإعلان على الملأ بكارثية خيار الاعتماد على السلاح.
عندها فقط يمكن القول إن المعارضة السورية قد وضعت أيديها وأرجلها في المسار الصحيح تمهيداً للعب دور ايجابي في ذلك المسار، وفي حينها فقط يمكن القول إن من هزم في المعارضة هم «الجلبيون» دعاة التدخل العسكري الخارجي، وكذا «رياضيو الترك» الذين أفتى زعيمهم بنظرية «الصفر الاستعماري» التي أوصلت أصحابها للنظر بايجابية للاحتلال الأميركي للعراق لأنه قد نقل هذا الأخير من التطور السالب إلى الصفر الايجابي، على حين الصراخ والدعاء كانا ينصبان على الأميركيين للقيام بنقل الحالة السورية هي الأخرى إلى ذلك الصفر.
الآن بعد أن تم الإعلان رسمياً عن إخفاق جنيف، سوف يكون لزاماً الذهاب إلى سوتشي المقرر انعقاده في شباط المقبل، ولربما سيكون المفترق الذي ستجد المعارضة نفسها عليه هو الأخطر وخياراته هي الأضيق، فرفض المشاركة سيكون خياراً انتحارياً في الإطار العام، ولسوف تكون له تداعياته على بنيان المعارضة الداخلي، ومن المؤكد أن ذلك الخيار سيؤدي إلى إعادة الانقسام داخل صفوف المعارضة من جديد، وربما إلى بروز قيادات جديدة، أما خيار المشاركة فهو سيؤدي إلى تعرية الحجم الحقيقي لكيانها بعد أن تزول «إكسسوارات» جنيف التي كانت تعطي بريقاً خادعاً ولا يعبر على الإطلاق عن حقيقة المشهد، وهو في الآن ذاته سيؤدي أيضاً إلى إنتاج معادلات جديدة داخل المعارضة حيث سيكون الخاسر فيها هم ائتلافيو الرياض.
في مطلق الأحوال فإن المطلوب من المعارضة الآن هو أن تنسف كل خيوط العنكبوت التي كانت تعتصم بحبالها في السابق ولربما لا تزال، والعودة من جديد إلى التعاطي مع الوقائع والحقائق بواقعية مشوبة ببراغماتية ظاهرة، وفيما عدا ذلك سيكون بانتظارها المزيد من التهميش الذي اختطت هي بأيديها رسومه وحدوده، بدءاً من رفضها لمنصتي موسكو والقاهرة الذي أفضى إلى ولادة مؤتمر أستانا الذي أضحى فيما بعد خزاناً لكل التوافقات الروسية الأميركية، أما رفض هذا الأخير فقد استولد مناخات القرار 2254 الذي أوصى بوجوب مشاركة كل أطياف المعارضة السورية في العملية السياسية الجارية.
يبقى الآن الموقف الذي سوف تتخذه من سوتشي وهو سيراكم عبر كلا حديه، المزيد من التهميش لها، ومع ذلك فقد كان أداؤها الخاطئ هو الذي دفع باتجاه هذا المآل الأخير.