العرب بين “الحمديْن” و”المحمّديْن”!.. بقلم: سركيس نعوم

العرب بين “الحمديْن” و”المحمّديْن”!.. بقلم: سركيس نعوم

تحليل وآراء

الاثنين، ١٨ ديسمبر ٢٠١٧

 من زمان لم تكن العلاقة سويّة بين المملكة العربية السعودية واستطراداً دولة الامارات العربية المتحدة من جهة ودولة قطر من جهة ثانية، رغم اشتراكهما في عضوية “مجلس التعاون الخليجي”. لكن ذلك لم يؤد الى قطعها ربما لأن الوضع العربي كان مستقراً في صورة عامة رغم استمرار الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي المزمن من دون حل، ورغم تنامي القلق الخليجي شبه العام من تحوّل الجمهورية الاسلامية الايرانية قوة عظمى في الشرق الأوسط، وتالياً الخوف من انتقالها الى مرحلة تنفيذ مشروعها التوسعي الاقليمي الطموح. لكن بدء “الربيع العربي” في تونس وتوسعه في اتجاه مصر، ثم انتقاله الى سوريا حيث تحوّل عواصف وأعاصير عسكرية لا تزال مستمرة الى الآن، رغم جنوحها الى الهدوء ولكن من دون انتهائها الى تسوية سياسية نهائية. وقد شاركت فيها طهران بفاعلية عبر ابنها حزب الله ثم عبر ميليشيات شيعية حليفة لها من العراق ودول إسلامية أخرى. هذا التحوّل كان بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير كما يُقال. إذ حوّلت العلاقة غير السوية حرباً سياسية واعلامية شعواء بعد اتخاذ السعودية والامارات ومعهما مصر والبحرين قراراً بمطالبة قطر بتنفيذ مطالب اعتبرتها ماسّة بسيادتها وهادفة الى تطويعها فاحتوائها، وكان ذلك في الخامس من شهر حزيران الماضي.
ما هي الأسباب الفعلية لهذا الخلاف الحادّ الذي انفجر أخيراً، علماً أنه كان دائماً جمراً تحت الرماد؟ يعيده باحثون أميركيون جدّيون يتابعون من قرب الأوضاع في الخليج بشطريه العربي والفارسي الى اختلاف كبير بين رؤية “الحمديْن” أي حمد بن خليفة الرئيس السابق لقطر ووالد رئيسها الحالي تميم ونسيبه ووزير خارجيته ثم رئيس حكومته أيام حكمه حمد بن جاسم، ورؤية “المحمّديْن” أي ولي عهد السعودية محمّد بن سلمان وولي عهد الامارات محمّد بن زايد.
فرؤية قطر تظهر واضحة من أعمال وتصرفات وسياسيات ونزعات “الحمديْن” اللذين سيطرا مدة طويلة على علاقاتها الدولية ومواقفها. ورغم أن الاثنين خارج السلطة الآن فإن سياساتهما دمغت بنية الدولة بحيث أن تغييرها من رئيسها الحالي لم يعد ممكناً. فضلاً عن أن “الرئيس أو الأمير الوالد” كما يسمى الآن لم يكن زعيماً عادياً. فهو من حوّل قطر من بقعة منعزلة الى دولة ذات نفوذ فعلي. وفضلاً أيضاً عن اقتناع نخب إقليمية عدّة بأن “الحمديْن” لا يزالان عملياً في السلطة جرّاء تأثيرهما على رئاستها الحالية.
ترتكز الرؤية المُشار إليها الى دور الاسلاميين في السياسات الاقليمية. وصاحباها “الحمديْن” يريان أن دعم الأفراد والمجموعات الاسلامية المنخرطة في “الاسلام السياسي”، هو مقاربة معقولة للعمل السياسي. وقد صارت توجّهاً ظهر في وضوح في ليبيا ومصر ثم سوريا بعد “الربيع العربي”. علماً أن البعض من الخليجيين يعتقد أن قطر مارست هذه السياسة قبل سطوع شمسه في العقد الأول من الألفية الثالثة. وفي هذا المجال لا تنكر نخب قطرية أن دولتها أرسلت دعماً لكيانات متشاركة مع “الاخوان المسلمين”. والأدلّة على ذلك كثيرة وجدّية. لكنها كانت تعتبره دعماً للشعب وليس لتنظيم محدّد. وعلى الأقل هكذا بدا دعمها للرئيس المصري “الاخواني” محمد مرسي الذي كان يحظى بدعم شعبي “إسلامي” محسوس. ووفقاً لنظرة “الحمديْن” للعالم فإن إسهام قطر في صعود الأحزاب الاسلامية في المنطقة يجعل الأخيرة مدينة لها. وذلك يمكّنها من امتلاك نفوذ سياسي وديبلوماسي واستثماري في الدوائر الاقليمية. وهذا إغراء لا يمكن أن يقاومه “الحمدان” اللذان يعرفان صغر حجم دولتهما ودورها في تاريخ المنطقة. في اختصار تموضعت قطر ليس انطلاقاً من حسابات سياسية فقط بل من اقتناع صادق بأن الاسلام يجب أن يلعب دوراً في السياسات العربية، وبذلك تشعر الشعوب أن آراءها وأفكارها ووجهات نظرها أُخذت في الاعتبار. وفي غياب أي مخرج أو متنفّس سياسي فإنها (الشعوب) ستبحث عن مخارج أو متنفسات لإحباطها المتزايد أكثر أذىً.
في مقابل رؤية “الحمديْن” القطريين هل هناك رؤية “للمحمّديْن” السعودي والاماراتي؟ يجيب الباحثون الجدّيون الأميركيون أنفسهم أن وليّي عهد المملكة والامارات محمد بن سلمان ومحمد بن زايد يجسّدان وبقوة الرؤية المضادة لرؤية قطر. فهما يؤمنان بوجوب عدم تسييس الاسلام وبجعله أمراً شخصياً لا دور مباشراً له أو مؤسساتياً في الحكم. وينبع موقفهما من تفسيرهما لأثر الاسلام السياسي على الدول بما في ذلك دولتيهما.