«جنيف».. إما الإقرار وإما النعي.. بقلم: موفق محمد

«جنيف».. إما الإقرار وإما النعي.. بقلم: موفق محمد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٩ ديسمبر ٢٠١٧

لم يكن الأمر يحتاج إلى مزيد من عناء التفكير والاجتهاد والتحليل للتنبؤ بما كانت ستنتهي إليه «جنيف 8»، مقدمات ما قبل مرحلتي الجولة، بشرت سلفا بنتيجة أطول جولة، لا بل أفشلها على الإطلاق في إطار هذا المسار.
دمشق أبدت تريثا بشأن المشاركة في الأيام الأولى من مرحلتها الأولى، ثم تريثت أكثر عن بداية مرحلتها الثانية، صيغة «لاغالب ولا مغلوب» باتت وراء ظهرها، وفدها ذهب وهو يرتدي عباءة المنتصر ميدانيا باستعادتها السيطرة على أغلب مناطق البلاد، والمنتصر سياسيا بعد الاستدارات الكبيرة في المواقف الدولية والإقليمية.
في كواليس قصر الأمم المتحدة بجنيف، وفد الحكومة امتنع عن الدخول بمفاوضات مباشرة قبل سحب بيان «الرياض 2» الذي يفترض أنه محصلة دفع من الدول الداعمة للمعارضة لتكون أكثر واقعية وتأخذ بعين الاعتبار مستجدات الواقع الميدانية والسياسية، لكن البيان الأخير جاء نسخة طبق الأصل عن بيان «الرياض 1» المتضمن في معظمه شروطا مسبقة مرفوضة من قبل دمشق، وبالتالي لم تحصل لا مفاوضات مباشرة ولا غير مباشرة.
في المقابل، وفد المعارضة، ذهب مرتديا ثوب الهزيمة، هزيمة ميدانية بتقلص رقعة سيطرة أدواته وبشكل كبير على الأرض، وهزيمة سياسية بتراجع مساندة داعميه الإقليميين والدوليين، ذلك ليس تحليلا وإنما إقرار لمعارض بارز نقلت عنه وكالات الأنباء أن الولايات المتحدة ودولا أخرى دعمت المعارضة مثل السعودية وقطر والأردن وتركيا لكنها سلمت لرؤية روسيا، لا بل إقرار بأكثر من ذلك بالقول إن «العالم بأسره سئم من تلك الأزمة».
لم يكن من السهل على وفد المعارضة تجرع كأسي سم الهزيمة الميدانية والسياسية والاعتراف بالواقع، أصر في الأيام الأولى من المرحلة الثانية وهو يحاور نفسه والمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا على شروطه المسبقة «رحيل (الرئيس بشار) الأسد في بداية المرحلة الانتقالية» و«الانتقال السياسي»، وما لبث بعد ذلك أن رشف من هذين الكأسين عبر بيان صوري أعلن فيه تخليه عن «الشروط المسبقة»، مع مواصلة أعضائه ترديد سيمفونية تلك الشروط.
ورغم اعتراف طرفي المفاوضات بفشل الجولة وسط كمٍ من التصريحات والاتهامات المتبادلة بتحميل المسؤولية بالفشل على الأخر، وكذلك إقرار الأطراف الدولية بهذا الفشل، إلا أن دي ميستورا لم يقر بذلك خوفا من انتهاء المسار بشكل عام وذلك حفاظاً على مهمته ووظيفته، وراح يبدي أسفه على «ضياع فرصة حقيقية»، ويتحدّث عن جهودٍ بذلت، لكنها لم تفضِ إلى مفاوضات حقيقية، وتوجيه الاتهامات إلى الوفد الحكومي بأنه «لم يسعَ حقيقة إلى الحوار»، بدلاً من أن يعترف بحقيقة أن الشروط المسبقة لوفد المعارضة هي السبب في إخفاق هذه الجولة والجولات السبع السابقة لها.
بالتالي كسابقاتها، لم تشهد هذه الجولة أي مفاوضات حقيقية، واقتصرت على لقاءات أجراها المبعوث الأممي بشكل منفصل، مع وفدي الحكومة والمعارضة.
مواصلة وفد معارضة «الرياض2» ودي ميستورا تجاهل الواقع الميداني والسياسي، يجعل من مسار جنيف صوريا ليس إلا وربما يوشك على إخفاقه كليا ويصل الأمر إلى نعيه وتشييعه، خصوصاً أن روسيا تجهد بالتحضير لمسار سياسي في سوتشي يوازي مسار أستانا العسكري، وسلمت العديد من الدول الغربية والإقليمية به، وتصرف مخرجاته في جلسة شكلية بجنيف.