إيران ومجهر الأعداء.. بقلم: رفعت البدوي

إيران ومجهر الأعداء.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٨ يناير ٢٠١٨

لم يكد العام الجديد يطل برأسه حتى تحولت الأنظار إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتصدرت أخبارها عناوين الصحف كما احتلت شاشات التلفزة النقل المباشر لتغطية التظاهرات والأحداث الجارية على الساحة الإيرانية.
انشغل العالم في المتابعة الحثيثة لمجريات الأحداث الدائرة وتطوراتها المرتقبة خصوصاً بعد تحول التظاهرات المطلبية من احتجاجات مدنية على ارتفاع أسعار المحروقات والسلع الأساسية إلى عمليات تخريب وتكسير الممتلكات العامة ليجتاح حال من الفوضى العارمة وأعمال الشغب المتعمد إضافة إلى سقوط عدد من القتلى المدنيين أجزاء واسعة من مناطق إيرانية كانت تعتبر الأكثر أمناً في إيران.
بادئ ذي بدء بدت التظاهرات والاحتجاجات لآلاف الأشخاص الذين خسروا جنى العمر من أموالهم ومدخراتهم جراء إفلاس عدد من البنوك والمؤسسات الاستثمارية مثل مشروع شانديز وكاسابيان وباندر، أمراً عاديا ومطلباً محقاً لاسترداد المدخرات والتعويض عن الخسائر، ولغاية اليوم التالي لانطلاق التظاهرات الشعبية المحقة لم تكن أي من الشعارات التي تطالب بإسقاط النظام في إيران قد ظهرت بيد أن ما تلاهما من أعمال عنف وقتل متعمد وشغب وتخريب مع رفع شعارات معادية مطالبة بإسقاط النظام وإعادة حكم الشاه المخلوع حظي بتغطية إعلامية من بعض المحطات المأجورة في محاولة مكشوفة لتأجيج الفوضى والتهليل بأن النظام الإيراني قد انتهى دوره وأن ما تشهده إيران هو عبارة عن ربيع إيراني بالمقارنة مع إفرازات الربيع العربي وسرعان ما استعاد المسؤولون في إيران المشهد السوري في بداياته عام 2011 وانطلاق المطالبة بتحسين الأحوال الشعبية لتتحول بعد ذلك إلى تنفيذ أعنف مؤامرة تدميرية ضد سورية استمرت لسبع سنوات لم يشهد التاريخ مثيلا لها وذلك لأن سورية رفضت المساومة أو الإذعان للمطالب والاملاءات الأميركية تماماً كما يحصل في إيران.
صحيح أن الدولة الإيرانية تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما آلت إليه الأمور وذلك نتيجة خطأ حكومة حسن روحاني وفريقه لأنهم راهنوا على مردود الاتفاق النووي مع الغرب وأميركا وعلى الرساميل العائدة التي تقارب 170 مليار دولار إلا أن حكومة روحاني وقعت في الفخ لأن رهانها كان خائبا ولم يصرف منه شيء في الداخل الإيراني ولا خارجه بل إن أميركا نكثت بالاتفاق المبرم مع إيران ولم تفرج عن الأموال الإيرانية وأبقتها محتجزة في البنوك الأميركية لديها، ما أصاب الاقتصاد الإيراني بالضرر البالغ وتوقف تنفيذ المشاريع فيها جراء إبقاء العقوبات المفروضة عليها واحتجاز الأموال الإيرانية، ما دفع السلطات الإيرانية للجوء إلى رفع أسعار السلع الأساسية الأمر الذي لم تتحمله أغلبية الطبقة المتوسطة والفقيرة ما أدى إلى مشهد الاحتجاجات تاركاً الباب مفتوحاً أمام أجهزة مخابرات الدول المتربصة بإيران مثل أميركا والعدو الإسرائيلي وبعض دول الخليج لتحقيق خرق خطير في المجتمع الإيراني منتهزة الفرصة للعبث بأمن إيران ونشر الفوضى فيها. وجاء اكتشاف هذا الخرق بعدما عمدت السلطات الإيرانية إلى حجب خدمة الإنترنت لتكتشف أن أكثر من 1300 خط هاتف متحرك مرتبط مع بجهاز كومبيوتر مزود بخدمة إنترنت موصول مباشرة بقنوات خاصة عبر الأقمار الاصطناعية حيث لا يخضع للمراقبة ولا يمر عبر الشبكات الإيرانية وذلك لبث الصور والتقارير الملفقة إلى وسائل الإعلام المأجورة بهدف إرباك النظام الإيراني تنفيذاً لمخطط مسبق تم الإعداد له في الدوائر الأميركية الصهيونية وبتمويل عربي خليجي.
في تقريرها السنوي عن مراكز الدراسات كشفت جريدة الواشنطن بوست عن توصية رفعها مركز راند للدراسات الإستراتيجية إلى دوائر المخابرات الأميركية والخليجية تضمنت مخططاً محكماً لإنهاك إيران مؤلف من أربع بنود:
– اختراق المجتمع الإيراني وإثارة النعرات المذهبية وانتهاز الأزمة الاقتصادية فيها لإشغال إيران من الداخل وإنهاكها.
– العمل على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني وإنهاء مفاعيله.
– ضرب أذرع إيران في الخارج حزب اللـه وحماس والجهاد.
– الإعداد لسيناريو الحرب القادمة للقضاء على كل فصائل المقاومة ضد إسرائيل وطمس القضية والحقوق الفلسطينية.
دينس روس المبعوث الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط يقول إن المطلوب ليس إسقاط النظام في إيران بل المطلوب هو إجبار إيران على تغيير سلوكها والضغط باتجاه وقف برنامجها الصاروخي ومنع تدخلها في البلدان العربية ووقف دعمها لكل أشكال لمقاومة ضد إسرائيل.
اللافت أن توقيت اندلاع الاضطرابات في إيران جاء للتغطية وتحويل الأنظار عن أمرين مهمين:
– إعلان ترامب قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.
– تصويت كنيست العدو الإسرائيلي على قرار ضم الضفة والقدس إلى سلطة الاحتلال وبذلك تكون الستارة قد أسدلت مع انتهاء آخر فصول طمس القضية الفلسطينية وهدر حقوق الفلسطينيين.
سرعة تأييد كل من دونالد ترامب ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إضافة إلى الضخ الإعلامي والتغريدات المغرضة ودعوة أميركا مجلس الأمن للانعقاد بشكل عاجل لمناقشة الأحداث في إيران كشفت عن الدور الأميركي الصهيوني السعودي الخبيث في إذكاء نار الفتنة واللعب على وتر المذهبية بهدف التخريب وإرباك إيران ودفعها لمفاوضات تثنيها عن مواقفها الداعمة لفلسطين والمقاومة وسورية.
نقول حرصاً ووفاءً لإيران التي حملت لواء القضية الفلسطينية ودافعت عن سورية ودعمت كل الفصائل المقاومة ضد عدو الأمة إسرائيل وجب على كل مخلص لفلسطين وللمبادئ العربية دعم إيران والدفاع عنها كما دافعت عن سوريه العروبة.
إن نجاح إيران في وأد الفتنة كما فعلت في العام 2009 أمر لافت ودليل تماسك لكن من يعتقد أن الأعداء لن يعمدوا إلى تكرار المحاولة فهو واهم لأن إيران ستبقى تحت مجهر الأعداء.