عفرين وخيارات أردوغان المعدومة.. بقلم: سيلفا رزوق

عفرين وخيارات أردوغان المعدومة.. بقلم: سيلفا رزوق

تحليل وآراء

الخميس، ١٨ يناير ٢٠١٨

وفق كل المؤشرات والتوقعات سار مشهد الشمال السوري صوب التسخين، وبطبيعة الحال فإن تقدم الجيش السوري نحو إدلب وإنجاز تحرير مطار أبو الظهور، وما سيعنيه لاحقا من بدء حقبة القضاء على جبهة النصرة، ما كان له أن يمر أميركيا ولا تركيا دون إخراج المزيد من المخططات البديلة والكفيلة بتفجير المشهد والتفاهمات الدقيقة التي كانت حاصلة في أعقاب أستانا.
تركيا التي تقصّد إعلامها الترويج لنظرية الصفقات على مبدأ أبو الظهور مقابل عفرين، بدت وفي أكثر من مفصل غير معنية باتفاقاتها مع شركائها من الضامنين في أستانا، وهي إذ لم تستطع عبر أدواتها وقف زحف الجيش السوري صوب إدلب، حاولت عبثاً اللعب في خطوط روسيا الحمراء، وإرسال «الدرونات» نحو حميميم، في محاولة بائسة لحرف مسار المعارك، ليشكل الرد الروسي والتحذير من اللعب في المحرمات، صفعة سريعة لأنقرة دفعتها للتراجع وطلب التفاهم من جديد.
بالمقابل كانت أميركا تستدعي أدواتها القديمة من قادة فصائل ميليشيا «الجيش الحر» وغيرهم للاجتماع في واشنطن، وإذا لم يعرف إلا القليل مما جرى هناك، إلا أن ما تسرب كان يوحي بأن أميركا التي لا تكف عن التآمر، مقبلة على إعلان مخطط جديد يسمح لها بإبقاء موطئ قدم لها بالمنطقة، ليجيب الإعلان عن تشكيل قوة أمنية على الحدود، قوامها 30 ألف عنصر بقيادة «قسد» الجواب المباشر على التساؤلات التي كانت تطرح.
إعلان واشنطن قوبل سريعا بعاصفة تنديد سوري روسي إيراني، وتحذيرات، تركت الأبواب مفتوحة لكل الخيارات، بما فيها الخيار العسكري، لمنع ووقف تنفيذ ما يجري التحضير له أميركيا، إلا أن الصراخ الأعلى خرج عن أنقرة حليفة واشنطن، التي هددت بالويل والثبور وعظيم الحروب، وأعلنت عفرين عنوانا للمواجهة المقبلة، ولاجتياح مزعوم ردا على ما يرتب له.
لكن أصبع الجندي التركي التي كانت تنتظر على الزناد بفارغ الصبر الأمر العسكري للانطلاق، بحسب ما عبر رئيس نظامه رجب طيب أردوغان، يبدو أنها ستنتظر طويلا، وموجات العويل والصراخ لم تعد قادرة على إخفاء حجم المأزق التركي الحاصل، وعفرين التي يقدم لها أردوغان على أنها ستكون لقمة سائغة في فم جيشه، صارت القلعة العصية عليه، وتحولت المدينة عقدة تشابك وتوازن إقليمي يصعب عليه اختراقها.
السيناريوهات التركية المطروحة، تبدو حتى اللحظة بأنها تسير صوب اجتياح عفرين مهما كلفت الأثمان، للخروج من المآزق المتتابعة لسياسة أردوغان، إلا أن السيناريوهات المقابلة توحي بأن الثمن التركي سيكون باهظا، وتجربة «عين دقنة» في الريف الحلبي، لازالت ماثلة في الذاكرة التركية القصيرة، بينما التسريبات الإعلامية عن تزويد مقاتلي المدينة بأنظمة دفاع جوي أميركية محمولة على الكتف لم تأت عن عبث، رغم إعلان واشنطن بأنها غير معنية بما سيجري في عفرين.
التهديد التركي يبدو أنه محكوم أيضاً بعدم الاقتراب من مصالح موسكو، التي مازالت تلتزم الصمت تجاه العويل الأردوغاني، وهي لا تبدو اليوم بوارد إعطاء ضوء أخضر داعم لأي عمل عسكري تركي وشيك، ولا يجب علينا أن ننسى انتشار القوات روسية في مطار منغ العسكري وكفرجنة وغيرهما من المناطق المحاذية لعفرين نفسها، وهو أمر لابد أن يدخل في الحسابات التركية العسكرية.
إذا الخيارات التركية تبدو ضيقة ومعدومة، والرهان على أميركا يتلاشى، بينما ينتظر اللاعبون الإقليميون الأبرز إيران وروسيا، قراراً تركيا بالتعقل والانزياح صوب خيار التفاهمات التي يقودها البلدان، وما سيعنيه ذلك من تخلي أردوغان عن أحلامه السلطانية الضائعة، والرجوع صوب المربع الأول، الأمر الذي لا يبدو حتى اللحظة على استعداد لتنفيذه، لتبقى خيارات الصراع مفتوحة في الشمال، ومحكومة بمزيد من تصعيد ألفته المنطقة طوال السنوات الماضية.