إعادة النظر في الاتفاق النووي ومهمة اوروبا الصعبة

إعادة النظر في الاتفاق النووي ومهمة اوروبا الصعبة

تحليل وآراء

الخميس، ١ فبراير ٢٠١٨

 لقد كان موقف أمريكا ترامب واضحاً للعيان منذ العام الماضي من خلال الشكل الحالي للاتفاق النووي مع إيران، والجميع يعرف أن أمريكا ترامب غير راغبة في مواصلة الاتفاق النووي بهيئته الحالية، ولكن يبدو أن صُناع القرار في السياسة الخارجية الإيرانية يتطلعون الى مواصلة "النسخة الحالية للاتفاق" لخلق فجوة بين اوروبا والولايات المتحدة فيما يخص الاتفاق وكذلك كسب دعم روسيا والصين.

ومنذ بداية الانتخابات الرئاسية في أمريكا عام 2016 وبعد ان بدأت الانتخابات تأخذ ملامح جدية، إضافةً الى الموقف الانتقادي الذي يتخذه المرشحون الجمهوريون في كثير من الأحيان تجاه الاتفاق النووي، فأصبح من الواضح أنه في حال فوز الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية، فان الاتفاق النووي لن يعود الى سابق عهده وهذا ما بات محققا بعد فوز ترامب في انتخابات 2016.

وعلى الرغم من ان ترامب اضطر للتوقيع على تمديد تعليق العقوبات على البرنامج النووي الإيراني لمدة ثلاث سنوات في قالب الاتفاق النووي، لكنه أعلن بصراحة انه لن يكون ملتزما بالتوقيع على تمديد تعليق العقوبات مرة اخرى ما لم يتم تضمين شروط الحكومة الامريكية الجديدة في الاتفاق.

وكان موقف ترامب هذا، منذ مجيئه الى البيت الأبيض، بمثابة "سيف ديموقليس" على رقبة هذا الاتفاق الدولي الصارم، ولا يُعتقد أنه سيوقع مرة أخرى على استمرار تنفيذه، ما لم يحصل على بعض الامتيازات الجديدة من الحكومة الايرانية في مجال الأنشطة الصاروخية وبعض بنود الاتفاق فضلا عن السياسات الإقليمية لإيران.

ومن وجهة نظر الأمريكيين، فإن رفع العقوبات الدولية الصارمة ضد إيران يجب ألا يتم على حساب انفتاح الحكومة الإيرانية أكثر على مواصلة سياساتها المتشددة السابقة ضد الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين؛ وهذا ما تم العمل به منذ سنتين وقبل البدء بتنفيذ الاتفاق النووي.

وكانت الحكومة الايرانية تعيش في فترة الدورة الثانية للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تحت عقوبات دولية صعبة وكانت ترى أيديها مغلولة بالسلاسل وحتى لم يكن بإمكانها نقل مبالغ النفط بالدولار.

في الوقت الراهن، وعلى الرغم من امتناع البنوك الدولية الكبرى من التعامل الاقتصادي مع إيران، لكن الحكومة الايرانية على الأقل لا تواجه صعوبات في إيداع الدولار الأمريكي من مبيعات بيع النفط في تلك البنوك مثل الماضي، ومن وجهة نظر مسؤولي واشنطن، رغم ان هذا الانفتاح لم يكن ابدا لصالح مصالح الولايات المتحدة وأمنها القومي، فانه زاد من سياسات إيران العدائية تجاه الولايات المتحدة وحلفاء واشنطن الإقليميين وهذا ما لم يُتوقع حصوله للولايات المتحدة وحلفائها من خلال الاتفاق النووي.

وبعبارة ادق، فمن وجهة نظر أمريكا ترامب، لا يجب ان يكون هذا الخيار متاحا للحكومة الإيرانية حيث أدى هذا الانفتاح الذي حققته من الاتفاق النووي، الى توجيه ضربات موجعة ضد مصالح الولايات المتحدة وأمنها في المنطقة، وعليه يجب فتح نقاشات جديدة على طاولة إعادة النظر في الاتفاق النووي حول:

1- دعم إيران للجماعات الجهادية من وجهة نظر إيران، والارهابية من وجهة نظر الولايات المتحدة.

2- نفوذ إيران في دول المنطقة وافتعال مشاكل لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

3- زيادة نطاق وقدرات الصواريخ الباليستية الإيرانية وتهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها –الکيان الإسرائيلي- في المنطقة.

4- إنهاء القيود النووية المفروضة في إطار الاتفاق النووي خلال فترة العقد المقبل وإمكانية تطوير قدرات إيران النووية بعد رفع هذه القيود بوتيرة سريعة.

وقد عبرت الولايات المتحدة وشخص ترامب نفسه، عن موقفهما تجاه هذه المسألة وأمهلا حلفائهم الاوروبيين فترة 100 يوم لإعادة النظر وإصلاح الاتفاق النووي بما يتوافق مع قراءاتهم للمصالح الأمريكية وأمنهم القومي.

ماذا سيكون موقف أوروبا؟

أعلن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، هذا الأسبوع، عن تشكيل لجنة اوروبية امريكية لإعادة النظر في الاتفاق النووي وذلك اثناء سفره الى عدة عواصم اوروبية، وهذا الأمر هو ما تتوقعه واشنطن من حلفائها الأوروبيين.

الأوروبيون، على الرغم من أنهم يريدون الاستمرار في تنفيذ الاتفاق النووي، لكنهم في الوقت ذاته لا يتطلعون، مع انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق الدولي، الى عودة الوضع الى ما قبل الاتفاق النووي.

وفي رأيهم أن دور الحكومة المعتدلة لحسن روحاني من خلال ضمان الاستمرار في تنفيذ الاتفاق النووي والتزام إيران بوعودها، من شأنه أن يلعب دورا هاما جدا في منع انهيار هذا الاتفاق الدولي. ولهذا، يجب أن تكون حكومة روحاني في موقف تستطيع من خلاله الدفاع عن فوائد الاتفاق النووي في مجال السياسة الداخلية وتجاه الرأي العام الايراني.

ومع ذلك، فإن الأوروبيين حاليا في موقف مزدوج صعب؛ فهم يريدون من ناحية، إبقاء الولايات المتحدة في هذا الاتفاق، وللقيام بذلك، ليس هناك بديل سوى الضغط على طهران للانسحاب من بعض المواقف غير المتناسبة مع الاتفاق النووي والمتناسبة معه الذي لا يحتوي على (الشروط الأربعة المذكورة)، ومن ناحية أخرى، فهم يريدون ان يكون الاتفاق النووي لصالح مسؤولي الحكومة الايرانية، وخاصة حكومة حسن روحاني، الى الحد الذي يفضل فيه المسؤولون الإيرانيون البقاء في الاتفاق النووي ويستطيعون ان يدافعوا عنه في الاجواء السياسية الإيرانية.

وبعبارة أخرى، فإن موقف الدول الأوروبية الثلاث الحاضرة في المحادثات (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) في أقل من الأشهر الأربعة القادمة، مهم جدا لاستمرار الاتفاق النووي او انهياره بالكامل، لأنه يجب أن يلعبوا مرة أخرى دورا يتوقف على العلاقات المعقدة بين طهران وواشنطن.

وخلال المفاوضات النووية في الفترة 2013-2015 التي أدت الى انعقاد الاتفاق النووي، وبسبب الثقة التي تم التوصل إليها بين حكومتي حسن روحاني في إيران وإدارة باراك أوباما في الولايات المتحدة، تفاوضت إيران والولايات المتحدة وجها لوجه واسفرت عن انعقاد الاتفاق النووي، ولكن بعد مجيء دونالد ترامب الى سدة الحكم، انعدمت الثقة الجزئية التي كانت قد نشأت خلال المفاوضات، وبات الجانبان مرة أخرى في موقف يَحول دون التفاوض المباشر كما انعدمت الثقة بالكامل.

الاوروبيون قد وصلوا الى قناعة انه يجب منح أمريكا ترامب امتيازاً للحفاظ على الاتفاق النووي وانهم سيحاولون في هذا السياق إرغام المسؤولين الإيرانيين بقبول، على اقل تقدير، أجزاء من الشروط الجديدة للولايات المتحدة. ومن أجل الحفاظ على الاتفاق النووي، يجب على الأوروبيين التوصل إلى صيغة من شأنها أن تبقي الأمور تسير في رغبة كل من طهران وواشنطن، وهذا لن يكون سهلا.

تنويه:

سيف ديموقليس..

 قصة سيف ديموقليس حكاية قديمة ساهم في نشرها الفيلسوف الروماني شيشرون في كتابه (مناقشات توسكولوم). تحكي القصة عن الملك المستبد ديونيسوس الثاني الذي حكم مدينة سيراكيوز الصقلية في القرن الرابع قبل الميلاد، كان ديونيسوس يعيش حياةً شديدة الرخاء ولكن قبضته الحديدية واستبداده جلبا له أعداءً كثيرين مما جعله شديد الحذر والخوف على حياته حتى صار ينام في غرفة يحيط بها خندق ولا يثق في حلاقة ذقنه إلا بابنته.

وكان في بلاط ديونيسوس متملقون كثيرون، منهم ديموقليس الذي أغدق على الملك بالمديح وتغنى بالسعادة الفائقة والرخاء الشديد اللذين يستمتع بهما ديونيسوس. فما كان من الملك إلا أن عرض على ديموقليس أن يتذوق حياته هذه ويجربها بنفسه!
 

وافق ديموقليس على الفور فأجلسه ديونيسوس على أريكة ذهبية وأمر بإطعامه ألذ الطعام والقيام على خدمته، وعندما بدأ ديموقليس يستمتع بمظاهر الترف والبذخ، لاحظ أن ديونيسوس علق فوق رأسه سيفاً حاداً يتدلى من السقف معلقاً بشعرة حصان واحدة. منذ تلك اللحظة، سيطر الخوف على ديموقليس ولم يعد قادراً على الاستمتاع بالخدم أو الطعام أو البذخ، ثم سارع بالاعتذار من الملك وطلب إعفاءه من هذه التجربة.

ويوضح شيشرون من خلال هذه القصة أن أصحاب السلطة يعيشون على الدوام في ظل القلق والموت وأنه لا سعادة حقيقية لمن تسيطر عليه المخاوف باستمرار.