إلى أين تتّجه العلاقات الروسية الأميركية؟.. بقلم: أسامة العرب

إلى أين تتّجه العلاقات الروسية الأميركية؟.. بقلم: أسامة العرب

تحليل وآراء

السبت، ٣ فبراير ٢٠١٨

أدّى تفكك الاتحاد السوفياتي إلى معادلة جديدة في العلاقات الدولية، حيث انتهت معادلة العلاقات البينية بين القوتين العظميين، ولم تعد العلاقات الدولية مبنية على سياسة القطبين المهيمنين على الشؤون العالمية، بل ظهرت علاقات دولية مختلفة مبنية على أساس قوة واحدة مهيمنة على الشؤون الدولية هي الولايات المتحدة الأميركية، ولا يوجد ندّ لها. أما روسيا التي ورثت الاتحاد السوفياتي، فقد أدخلت بدايةً بيانات جديدة على قاعدة العلاقات البينية الأميركية، قوامها الاتجاه نحو الغرب بصفة الشراكة لا بصفة القوة المضادة، خصوصاً بعدما أدّى سباق التسلح مع الولايات المتحدة أيام الاتحاد السوفياتي إلى نتائج كارثية. إلا أن هذه العلاقات سرعان ما تغيّرت مع بداية القرن الحالي، وشهدت تحوّلاً جديداً نحو التنافس، لا سيما بعدما جاءت قيادات من نمط جديد إلى الحكم، حققت نهضة ملحوظة على الصعيدين السياسي والاقتصادي الداخلي، وأدخلت البلاد في شركات دولية وإقليمية كبرى.
 
وهكذا، قامت روسيا ببناء مشاركة استراتيجية مؤسسية مع الصين في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تضم دول آسيا الوسطى عدا تركمنستان، وشمل ذلك مشاركة نفطية وخطوط لنقل النفط الروسي من سيبيريا إلى الصين، مع السعي إلى إعطاء المنظمة بعداً عسكرياً. وقامت روسيا بتقوية علاقاتها مع دول الكومنولث، وتم إنشاء معاهدة الأمن الجماعي بموجب ميثاق كيشناو، وتشمل روسيا ومولدوفا وأوزباكستان وأرمينيا وكازخستان وقيرغيزستان، وطاجيكستان وأذربيجان، وتم إنشاء الجماعة الاقتصادية الأوراسية وتضم روسيا وبيلاروسيا وكازخستان وطاجيكستان وأوزباكستان وقيرغيستان. كما تمت إعادة العديد من دول آسيا الوسطى إلى مركز النفوذ الروسي، وتم القيام بمشروعات تكامل مع العديد من الدول المجاورة، لاسيما بيلاروسيا. وقد توطّدت العلاقات الروسية مع حلفائها في الشرق الأوسط، حيث أصبحت السياسة الروسية تلعب دوراً فعالاً في شتى المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وعقدت عليها الدول الحليفة الآمال لاتسام دورها بالاعتدال والتوازن، ولامتلاكها الخبرة والتكنولوجيا والقدرة على تأمين المساعدة الفعالة لها.
 
حاولت الولايات المتحدة أن تستميل روسيا نحو أوروبا، بعدما ظهرت طموحاتها باستعادة دور الاتحاد السوفياتي السابق على الصعيد الدولي، كما قامت بضمها إلى مجموعة الدول الصناعية السبع، وتمّ تشكيل لجنة خاصة في إطار منظمة الأمن والتعاون الأوروبي كان لروسيا العضوية فيها. وحتى الآن ما تزال المساعي جارية لإدخال روسيا في الاتحاد الأوروبي، وبتأكيد من الرئيس الفرنسي الجديد الذي يعمل جاهداً لتحقيق هذه الغاية، منطلقاً من فكرة أن أوروبا سوف تستفيد من الغاز الروسي بشكل أفضل حال دخول روسيا في الاتحاد الأوروبي.
 
من جهة أخرى، فقد سعت الولايات المتحدة في الوقت نفسه لاحتواء روسيا من خلال توسيع حلف الناتو، واتبعت سياسة نشطة في قلب أوراسيا للحدّ من النفوذ الروسي، وسعت لاستكمال برنامج الدرع الصاروخية في بولندا وجمهورية التشيك، وعملت على إلغاء معاهدات موقعة سابقاً مع الاتحاد السوفياتي. وفي ندوة عقدت حديثاً في جامعة جون هوبكيز في واشنطن، تبين أن واشنطن ماضية في سياسة احتواء روسيا والصين بعد تحوّلهما قوتين عظميين باعتراف كبار المسؤولين الأميركيين، ولهذا فإن سياسة أميركا الجديدة تعتمد شعار أميركا أولاً وترمي للحيلولة دون تقاسم النفوذ في ما يتعلّق بالشؤون الدولية مع أقطاب دولية أخرى.
 
وبالتالي، فإن الجانب الأميركي ما يزال يتبنى سياسات محافظة جداً، وينظر إلى العالم من منظور وحدوي، الأمر الذي لا تقبله روسيا ولا الصين، ولا العديد من الدول الإقليمية المتحالفة معهما. في حين أن روسيا تعتمد المبدأ البراغماتي، الذي هو سياسة التوازن بين الطموحات والإمكانات لاستعادة المكانة الروسية في العالم، وتعطي الأولوية للعلاقات مع الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق، وللتوافق مع الصين على أرضية صلبة في جميع المجالات، بهدف إعادة رسم البنى التحتية والأمنية والمالية وفق المنظور المشترك الروسي – الصيني، وترغب بإبقاء العلاقات مع دول أوروبا ضمن الإطار التقليدي، والتعاون مع الدول الواقعة على الساحل الآسيوي للمحيط الهادئ، والإبقاء على دورها الفعال في الشرق الأوسط. كذلك، فإن الصين وفي السياق نفسه وجدت أن مصلحتها تكمن في توافقها مع روسيا وتعاونها معها في المجال العسكري، وهو ما يحقق لها طموحاتها باختصار الوقت واكتساب الخبرات والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة وشراء كميات هائلة من الأسلحة والسفن والغواصات بأسعار مخفّضة، والقيام بتعاون نووي مشترك وأبحاث فضائية. ولهذا فإن أبرز الملفات التي تحول دون تحسن العلاقات الروسية الأميركية حالياً، هي توسّع حلف شمالي الأطلسي الناتو ، وسعيه لضم أغلبية الدول المنفصلة سابقاً عن الاتحاد السوفياتي، واستكمال برنامج الدرع الصاروخي في بولندا والتشيك، والدعم الأميركي المطلق لجورجيا وأوكرانيا.
 
أما على الصعيد الميداني، فتبدو روسيا مرتاحة لوضعها، بسبب تمتعها بتحالف متين مع الصين وإيران، وقدرتها على لعب دور بناء في الشرق الأوسط، وتبدو الصين مدركة ضرورة مجاراة نموها الاقتصادي الكبير مع تنامي قدراتها العسكرية لحماية مكوناته من خلال تأمين المواد الأولية ولحماية المواصلات البحرية للإمدادات النفطية ولممارسة التأثير السياسي الإيجابي بهدف التوسع في فتح الأسواق الاستهلاكية. فيما تبدو الولايات المتحدة الأميركية ضائعة حالياً بين ثلاثة محاور، المحور الأول هو منطقة المحيط الهادي – الهندي، والثاني هو أوروبا، والثالث هو الشرق الأوسط وهي ما تزال بحاجة ماسة لروسيا لمساعدتها على القضاء على الإرهاب، حيث يرى المحللون الأميركيون الاستراتيجيون أن التهديد الحقيقي لمصالح الولايات المتحدة يكمن في الإرهاب وانتشار الفوضى في الشرق الأوسط، وأن روسيا لا تشكل تهديداً مباشراً للمصالح الأميركية. ولذلك، فإن خيار التعاون المشترك سوف يحكم العلاقات البينية الروسية الأميركية في نهاية المطاف، ذلك أن خيار التنافس هو أمر طبيعي ومفروغ منه في ظل تراجع القوة الأميركية وتنامي القوتين الروسية والصينية. ومن هنا يتأتي، أن الولايات المتحدة سوف ترضخ قريباً للتحولات العالمية، وتنصاع إلى الحلول السلمية في جميع الملفات العالقة في الشرق الأوسط، وسيكون لروسيا الدور الأكبر في المنطقة بعدما أثبتت مساعيها الجدية بتحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب.